بشير البكر
فاجأت تركيا الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بأنها تعترض على انضمام كل من فنلندا والسويد إلى هذا المجمع العسكري السياسي، الذي يضم الغالبية العظمى من الدول الغربية. وما هو ظاهر من أسباب التهديد التركي لعرقلة عملية انضمام البلدين جاء في تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي اتهم استوكهولم وهلسنكي "بإيواء إرهابيين من حزب العمال الكردستاني"، الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية. ولكن ملفات العلاقة المتوترة بين تركيا والحلف، وبينها وبين بعض دوله، والحرب الروسية على أوكرانيا، يمكن اعتبارها مكملاتٍ لا تقلّ أهمية عن المبرّرات المعلنة.
جاء الاعتراض التركي من أعلى المستويات، وفي لهجة حادّة، عندما قال أردوغان إن بلاده لن ترتكب خطأ ثانيا، وأشار إلى انضمام اليونان للحلف في العام نفسه الذي حصلت فيه تركيا على العضوية في عام 1952، واعتبر أن ذلك كان موجّها ضد أنقرة، وهو يصوّب هنا إلى موقف "الأطلسي" خلال السنوات الثلاث الماضية، عندما توترت العلاقات بين أنقرة وأثينا، بسبب عمليات التنقيب التركية عن النفط والغاز في شرق المتوسط، وكادت الخلافات أن تشعل حربا بين البلدين. وفي حينها لم يتصرف الأطلسي بحيادية، وعلى أساس احترام بروتوكولات العضوية، بل انحاز، ووقف إلى جانب اليونان ضد تركيا التي تعاملت مع الأزمة بحكمة، وسحبت فتيل الانفجار، وكان الثمن أنها جمّدت عمليات التنقيب. ولا يتوقف الأمر هنا، بل يعدّ الملف الكردي أحد الملفات الخلافية بين تركيا والدول القيادية في "الأطلسي"، وخصوصا الولايات المتحدة، وسبق لأنقرة أن هاجمت وقوف واشنطن إلى جانب قوات سوريا الديموقراطية (قسد) التي تعدها تابعة لحزب العمال الكردستاني. ومعروفٌ أن هذه القوات تحصل على الدعم المالي والتسليحي من الولايات المتحدة التي توفر لها تغطية سياسية، وهي تسيطر على نحو ثلث مساحة سورية، بما في ذلك الثروة النفطية والغازية في محافظتي الحسكة ودير الزور. وليس سرّا أن تركيا تعدّ هذا المشروع تهديدا لها في الصميم، ولولا المظلّة الأميركية لدخلت معها في معركة واسعة، كانت قد مهدت لها في خريف عام 2019 عندما سيطرت على تل أبيض ورأس العين. وتحاول تركيا اليوم أن تفتح هذا الملف من جديد للضغط على أميركا والدول المعنية لانتزاع بعض التنازلات منها، ولن يصل اعتراضها إلى حد ممارسة "فيتو" يحول دون انضمام كل من فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، فمصلحة تركيا، في نهاية المطاف، مع الولايات المتحدة وأوروبا، وليست مع روسيا التي لن تخرج من الحرب على أوكرانيا كما دخلتها، بل هناك شبه إجماع على أنها ستفقد القسم الأكبر من تأثيرها على الساحة الدولية.
تطمح أنقرة في الحصول على مكاسب سياسية وأمنية واقتصادية على ضوء تطورات الحرب في أوكرانيا، وستعمل على لعب كل الأوراق التي تملكها بما يحسّن موقفها مع الولايات المتحدة وأوروبا وحتى روسيا، وهذا أمر يمكن ملاحظته من خلال نجاح تركيا بإخراج البحر الأسود من دائرة التوتر، وإغلاق المضائق البحرية والمجال الجوي أمام روسيا باتجاه سورية، وفي وسع أنقرة أن تتحرّك بحرية أكثر حيال عضوية السويد وفنلندا في "الناتو"، وتستغل الرفض الروسي للعملية والإصرار الأميركي عليها، ومن شأن الاعتراض التركي أن يوفّر، مبدئيا، الوقت أمام جميع أطراف الأزمة، ليراجعوا خططهم، وهو بذلك يفتح نافذةً للتوصل إلى تسويةٍ تقوم على وقف روسيا الحرب على أوكرانيا، مقابل وقف عملية انضمام السويد وفنلندا إلى "الناتو". ويبدو من المعقول استخدام هذه المقايضة للضغط على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي لا يستطيع أن يشنّ حربا على هذين البلدين كما فعل في أوكرانيا.
المصدر: تلفزيون سوريا