رغم آلاف الأميال التي تفصل بين تركيا وقارة أمريكا الجنوبية، تلقى الدراما التركية رواجاً هائلاً في بلدان أمريكا الجنوبية، عززت من مكانة تركيا وثقافتها وساهمت بشكل كبيرة في الترويج للصادرات والسياحة والاقتصاد في تركيا.
خلال الـ 20 سنة الأخيرة، شهدت السياسة الخارجية التركية تحولاً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. وأظهرت أنقرة عنصر قوتها الناعمة بطرق مختلفة، لا سيما مع المؤسسات والمنظمات العاملة في أجزاء كثيرة من العالم، في قطاعات مثل المنح التعليمية والمساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى المسلسلات التلفزيونية .
ولعل أفضل مثال لدور المسلسلات التلفزيونية في الترويج لتركيا وثقافتها على مستوى غير مسبوق، هو ما حظيت به زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو إلى أمريكا الجنوبية التي غطت 6 دول ما بين بين 23 ـ 29 أبريل/نيسان الجاري.
وعن الاهتمام الكبير الذي تحظى به المسلسلات التركية في دول أمريكا الجنوبية، قال جاوش أوغلو خلال زيارته للبرازيل، "عندما كنت طفلاً، كان الجميع يشاهد المسلسلات التلفزيونية البرازيلية وفي تلك السنوات". وأشار إلى أن كل شيء بالطبع يتغير مع مرور الوقت، منوهاً إلى أن المسلسلات التركية تُشاهد في البرازيل وأمريكا اللاتينية وتحقق أرقاماً قياسية في المتابعة.
أصل الحكاية
كان المسلسل التركي الذي يحمل اسم "العشق الممنوع - Aşk-ı Memnu" (النسخة القديمة)، بمثابة أول مسلسل تلفزيوني يصدر إلى الأسواق الخارجية عندما عُرض في فرنسا عام 1981. ومع ذلك، لم تحقق المسلسلات التركية تقدماً ملحوظاً إلا مع بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
فبعد انفتاحها على أسواق الشرق الأوسط وانتشارها بسرعة، حققت المسلسلات التركية نجاحاً كبيراً أيضاً في البلقان في وقت قصير. فيما وصلت عائدات صادرات المسلسلات التلفزيونية إلى الأسواق العالمية، التي بلغت 100 ألف دولار عام 2008 ، إلى 500 مليون دولار مع اقتراب عشرينيات القرن الحالي. وتتوقع غرفة تجارة إسطنبول أن تبلغ صادرات المسلسلات التركية في عام 2023 مليار دولار على الأقل.
ووفقاً لبيانات (Eurodata)، وهي شركة بحثية تحلل البرامج التلفزيون في جميع أنحاء العالم، فإن 25% من المسلسلات الدرامية والخيالية التي تستوردها البلدان هي منتجات منشؤها تركيا.
في البداية حظيت المسلسلات التركية باهتمام في المناطق ذات التقارب التاريخي والثقافي، لكنها انتشرت إلى مناطق جغرافية مختلفة بمرور الوقت. وباتت تجذب انتباه أكثر من 700 مليون مشاهد من روسيا إلى الصين ومن كوريا إلى أمريكا الجنوبية.
رياح تركية تهب في دول أمريكا الجنوبية
المسلسلات التلفزيونية التركية، التي تجري متابعتها باهتمام كبير من جميع أنحاء العالم، صعدت إلى قمة التصنيفات في وقت قصير بمجرد عرضها في دول أمريكا الجنوبية. فيما شاع مؤخراً إطلاق أسماء تركية على الأطفال حديثي الولادة في البلاد، مستوحاة من المسلسلات التلفزيونية التركية التي خطفت قلوب متابعيها.
تجدر الإشارة إلى أن المسلسلات التركية دخلت إلى أمريكا الجنوبية من خلال بث مسلسل (Binbir Gece) في قناة "تشيلي ميغا" في عام 2014. وهكذا، بدأ عرض المسلسلات التركية بشكل مكثف على قنوات أمريكا الجنوبية والإسبانية. ويتواصل حالياً بث أكثر من 51 مسلسلاً تركياً على القنوات التلفزيونية لتلك المنطقة.
وبفضل الشعبية غير المسبوقة، ازداد الاهتمام بتعلم اللغة التركية كثيراً في بلدان أمريكا الجنوبية، وعندما قرر "معهد يونس إمري" افتتاح دورة لتعليم اللغة التركية عن بعد وأعلن عنها، لم يستطع مواكبة طلبات الالتحاق من تلك البلدان. وبينما تزداد صادرات المحتوى إلى أمريكا اللاتينية، يتزايد معها بالتوازي الاهتمام بالمنتجات التركية في القطاعات الأخرى أيضاً.
كورونا تزيد من الطلب
أدت جائحة كورونا التي منعت الناس من مغادرة بيوتهم لفترات طويلة، إلى زيادة وقت مشاهدة البث الرقمي والإنتاج التلفزيوني. وواصلت صناعة المسلسلات التلفزيونية التركية، التي سرعان ما حولت هذا الاهتمام إلى فرصة، صادراتها طوال فترة الوباء.
وزاد قطاع صناعة المسلسلات التركية، الذي يواصل تصدير إنتاجاته إلى 175 دولة حول العالم دون تباطؤ، من إمداداته إلى أمريكا اللاتينية خلال الجائحة.
يذكر أن المسلسلات التلفزيونية التركية وصلت إلى رقم تصدير 500 مليون دولار حسب بيانات 2019. وبوصولها إلى 700 مليون مشاهد حول العالم، احتلت تركيا المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في ترتيب التصدير العالمي. الأمر الذي دفع منصة (Netflix)، التي لديها أكثر من 150 مليون مشترك في أكثر من 190 دولة، إلى شراء وإنتاج المسلسلات التركية لتغطية الطلب المتزايد عليها.
المصدر: trt عربي