بسام مقداد
بعد أن وصف بوتين بالقاتل والسفاح، جمع بايدن كل ما كان يقوله منذ شن بوتين حربه على أوكرانيا في صيغة قانونية محددة "إبادة جماعية" يرتكبها العسكريون الروس في أوكرانيا. وفي تعليله لما دعاه لإطلاق هذا التعريف على المجازر المتعددة التي إرتكبها الروس بحق المدنيين الأوكران، قال بايدن بأنه يصبح من الواضح أكثر فأكثر أن بوتين يحاول تدمير الإمكانية نفسها بأن يكون المرء أوكرانياً. وقال بأنه يترك للمحامين القرار الشكلي ما إن كانت روسيا ترتكب إبادة جماعية بحق السكان الأوكران، لكن هو على قناعة بأنها إبادة جماعية.
ويقول موقع الخدمة الروسية في "الحرة" الأميركية بأن المسؤولين الأميركيين كانوا قبل ذلك يمتنعون عن وصف أعمال روسيا في أوكرانيا بأنها إبادة جماعية، بل كانوا يستخدمون مصطلح "جرائم حرب". وأشارت إلى أن مستشار الأمن القومي الأميركي قال قبل أسبوع بأن الجرائم على الأراضي الأوكرانية ليست إبادة جماعية، حسب التعريف الذي تعتمده الحكومة الأميركية. لكن في اليوم التالي لإتهام بايدن، نقلت نوفوستي عن نائبة وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند قولها بأن الولايات المتحدة "على الأرجح" سوف تعترف بأعمال روسيا في أوكرانيا ك"إبادة جماعية".
لم يتأخر الكرملين في الرد على بايدن، حيث صرح الناطق بإسمه بأنهم لا يوافقون قطعاً مع المحاولات غير المقبولة لتشويه الوضع. إضافة إلى ذلك، يصعب قبول هذا الأمر من رئيس الولايات المتحدة - الدولة التي ارتكبت أفعالًا معروفة في التاريخ الحديث والمعاصر، حسب موقع vesty الإخباري. وسبق للرئيس الروسي، مطلع هذه السنة، أن إتهم أوكرانيا بإرتكاب إبادة جماعية بحق سكان الدونباس.
الرئيس الفرنسي سارع عشية الجولة الثانية من الإنتخابات الرئاسية إلى التبروء من إتهام بايدن، من دون أن يلتفت إلى عودة المستشار النمساوي من زيارة "غير ودية" لموسكو، ومفاوضات "قاسية وصريحة" مع بوتين.
تزاحمت، بعد ذلك، في الفضاء الإعلامي آراء الخبراء في الشؤون الروسية والحق الدولي حول مشروعية الإتهام الأميركي، وإمكانية تشكيل محكمة جنائية دولية خاصة بأوكرانيا على غرار المحكمة الخاصة بيوغسلافيا، سيما أن مثل هذه المحكمة يشكلها مجلس الأمن الدولي الذي لروسيا حق الفيتو فيه. وذهب خبراء في "الحرة" الأميركية" إلى سيناريوهات خيالية بشأن إمكانية جلب بوتين إلى مثل هذه المحكمة، ومن هي القوة التي يمكن أن تتولى ذلك.
خبيرة أميركية بشؤون الشرق الأوسط تساءلت على "الحرة": وماذا بشأن المجازر التي إرتكبها بوتين في سوريا، بمشاركة إيران والأسد، أليست "إبادة جماعية"؟ وافق معها آخرون، ورأوا أن المجازر الموثقة التي إرتكبتها القوات الروسية في سوريا، يجب أن تضاف إلى الوثائق المقدمة للمحكمة الدولية الخاصة بأوكرانيا، سيما وأن القاتل واحد.
الربط بين المأساتين السورية والأوكرانية ليس بجديد، بل تتم المقارنة دوماً بين أوجه التشابه والإختلاف في الحالتين. وجاء تعيين بوتين للجنرال ألكسندر دفورنيكوف على رأس الحملة ضد أوكرانيا، ليعزز هذا الربط. هذا الجنرال الذي قاد إنطلاق عملية بوتين في سوريا العام 2015، وصفته Le Point الفرنسية في 13 الجاري "جزار حلب"، وقالت بأنه إشتهر بإستخدامه المكثف لقصف المدنيين. ويحمل على صدره وسام "بطل روسيا" الأعلى في البلاد، والذي يمكن أن نقرأ تحته: 9000 طلعة قصف جوي؛ 25000 ضحية مدنية.
الطبعة الروسية من الأسبوعية الأوكرانية ZN (مرآة الأسبوع)، تنقل عن متطوع إنقاذ أوكرني في المناطق الساخنة قوله للخدمة الأوكرانية في "الحرة" "المحتلون يقتلون من أجل القتل، (هم) أكثر وحشية مما في سوريا وأفغانستان".
حنا هوت، الباحثة في مركز فيينا لنزع السلاح، رأت في مقابلة مع الخدمة الروسية في دويتشه فيله DW في 5 من الجاري أن روسيا تستخدم في سوريا وأوكرانيا خمسة تكتيكات متشابهة. لكنها تُلفت إلى أنه، على الرغم من أوجه التشابه، ينبغي الأخذ بالإعتبار الإختلافات الجوهرية بين الأهداف العسكرية للعمليتين في كل من سوريا وأوكرانيا وحجم كل منهما. كما أن رهانات روسيا في كل من العمليتين تراها الباحثة مختلفة كلياً.
وجه التشابه الأول تراه الباحثة في تقسيم روسيا أعمالها الحربية في كل من البلدين إلى مراحل. في سوريا، كانت روسيا منذ دخولها توقف الأعمال الحربية في مناطق وتركز على مناطق أخرى. في العام 2017 أقامت في غرب سوريا ما يسمى مناطق خفض التوتر، مما سمح للأسد بتحرير جزء من قواته بإستعادة سيطرته بمساعدة روسيا على مناطق في شرق سوريا. في العام 2018 عادت قوات الأسد واحتلت بمساعدة روسيا مناطق خفض التصعيد، بإستثناء إدلب التي تبقى حتى اليوم خارج سيطرة الأسد.
أما في أوكرانيا فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إنتهاء ما سمته "المرحلة الأولى" في العملية العسكرية والتركيز الآن على الدونباس. وترى الباحثة أن المهم هنا ليس المقارنة مع سوريا في تقسيم العمليات الحربية إلى مناطق ومراحل، وذلك لأن للهجوم على أوكرانيا بعد مختلف كلياً. بل من المهم، برأيها، التحذبر من التفاؤل غير المبرر المرافق للإعلان الروسي هذا، حيث أن الإنسحاب الروسي من الشمال والتركيز على الدونباس لا يعني ابداً أن الحرب قد إنتهت.
الوجه الثاني للتشابه تراه الباحثة في محاصرة المدن وإقامة ممرات إنسانية، وتتحدث عن حصار مدينتي حلب وماريوبول. في حصار حلب العام 2016 فتحت روسيا ممرات إنسانية، لكن من دون مراقبين دوليين عملياً، مما جعل السوريين الذين لا يثقون أصلاَ بروسيا يخشون مغادرة المدينة. وقرر العسكريون الروس بأنهم أتاحوا الفرصة لمن أراد المغادرة، أما من بقي فهو إرهابي. وفي ماريوبول تتحدث الباحثة عن صعوبة إقامة ممرات إنسانية، حتى الصليب الأحمر لم يتمكن من الوصول إلى المدينة عبر الممر الذي أعلن عن قيامه، والممر الثاني الذي وعدت به وزارة الدفاع بمبادرة من تركيا، لا يزال مجهول المصير.
في سوريا كانوا يخيرون السوري بين مغادرة منطقة الحصار إلى مناطق سيطرة الأسد أو التوجه إلى منطقة إدلب. أما في ماريوبل فنرى ما هو مشابه، حيث يجبرون السكان على النزوح إلى روسيا، من دون منحهم فرصة للإختيار.
في وجه التشابه الثالث تتحدث الباحثة عن الأنباء المتضاربة حول تجنيد مرتزقة سوريين للقتال في أوكرانيا إلى جانب روسيا، لكنها ترى بأن روسيا خلت عن هذا السيناريو. وتستنتج من كل هذه الأنباء المتضاربة بأن روسيا، كما يبدو، تعاني من نقص في القوى الحية وبحاجة شديدة للمرتزقة السوريين. لكنها تشكك في أن هذا سيمكن روسيا بالضرورة من تغيير مسار الحملة العسكرية، وذلك لأن عديد المجندين الجدد لن يكون كافياً.
وجه التشابه الرابع بشأن إستخدام السلاح الكيميائي وإستخدامه في سوريا وتكرار روسيا الحديث عن خطر إستخدامه من قبل أوكرانيا، تدمجه الباحثة مع التشابه الخامس بشأن سلوك روسيا الإعلامي حيال المسألة في سوريا وأوكرانيا.
ترى الباحثة أن سقف إستخدام الكيماوي في الصراعات المسلحة تم تخفيضه بشدة خلال الحرب في سوريا. وحتى بعد اعلان الأسد عن تدميره، إستخدمه غير مرة، وحمته روسيا في مجلس الأمن الدولي وفي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وفي إطار إستراتيجية التضليل الإعلامي، كانت روسيا تعمد في كل مرة يستخدم فيها الأسد السلاح الكيميائي إلى إتهام أعدائه أو مجموعة الخوذ البيضاء بفبركة أشرطة فيديو إتهامية، وهي تكرر السيناريو عينه في أوكرانيا.
المصدر: صحيفة المدن