صحافة

أميركا في العراق.. روسيا في أوكرانيا!

الأحد, 10 أبريل - 2022
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

سمير صالحة 


منح الغزو الأميركي للعراق في آذار عام 2003 على مرأى ومسمع المجتمع الدولي ودون أي مسند قانوني واشنطن حق تدمير المدن العراقية وقتل وتشريد مئات الآلاف من المدنيين، وفتح الطريق أمام إسقاط السلطة السياسية الحاكمة بقوة السلاح ونشر الفوضى والفراغ الأمني والسياسي. 

ومنحت العملية العسكرية الروسية التي انطلقت ضد أوكرانيا في 24 شباط المنصرم والتي تقول موسكو إنها تقوم على أسس وقواعد القانون الدولي العام وانطلاقا من المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة في إطار الدفاع المشروع عن النفس، حق قتل المئات وتدمير البنية التحتية للمدن الأوكرانية وتحويل الملايين إلى نازحين أو لاجئين. 

هدف واشنطن في العراق لم يكن احتلال البلاد أو إطلاق سراح المارد القابع في الفانوس السحري ليزرع الفتنة الطائفية والعرقية والمذهبية هناك. وما تريده موسكو في أوكرانيا كما تقول هو ليس أكثر من محاربة المجموعات العرقية والفاشية في إقليم القرم، وإزالة الخطر المحدق بالأمن القومي الروسي من الجانب الأوكراني وهي ستفعل ذلك حتى ولو اضطرت لتدمير بعض المدن الأوكرانية. 

نجت واشنطن من أية مساءلة قانونية وسياسية وإنسانية في العراق، وموسكو أيضا ستنقذ نفسها من أية ضغوطات تتعرض لها باسم المجتمع الدولي ومنظماته مهما كان الثمن الذي يتكبده الشعب الأوكراني. 

ارتدادات الغزو الأميركي للعراق التي تسببت بكوارث إنسانية واجتماعية ومعيشية وتغيير بنية الدولة السياسية والدستورية لم تكتمل بعد رغم مرور عقدين. والنتائج الأولية للعدوان الروسي على أوكرانيا تقول إن كل المعادلات السياسية والأمنية والاقتصادية انقلبت رأسا على عقب ولن تعود الأمور إلى سابق عهدها حتى ولو تمت المصالحة والتسويات بين طرفي النزاع في القريب العاجل. 

البيت الأبيض وعد بدولة عصرية حديثة مدنية ديمقراطية في العراق والكرملين يعول على إسقاط نظام زيلينسكي ودعم ولادة سلطة سياسية جديدة تحمي كل حقوق مكونات المجتمع الأوكراني. 

حققت أميركا هدفها في العراق بإسقاط النظام ولا يهمها كثيرا من الذي سيحل مكانه وما الذي سيفعله وكيف تخرج البلاد من ورطتها. دستور عام 2005 الذي يقوم على الفيدرالية الرخوة وبناء نظام التحاصص العرقي والمذهبي وتحريك أحجار الكيان الكردي المستقل في شمال العراق كان أهم إنجازاتها. فلماذا ترفض موسكو فرصة تدمير كل شيء في أوكرانيا لإبعادها عن الغرب والاقتراب مجددا من شرق أوروبا المتمرد على ولي نعمته السوفياتية ولا تفرض لعبة توازنات إقليمية جديدة في منطقة البحر الأسود إذا كانت الظروف والمعطيات لصالحها؟ 

ما الذي يمكن أن تقدمه تحولات المشهد السياسي والميداني في أوكرانيا للعراق في إطار سياسة أميركية جديدة محتملة في منطقة الشرق الأوسط؟ وما الذي تعول عليه روسيا بدورها لتحريك أحجار الدومينو في منطقتنا لقلب التوازنات وإلزام واشنطن بعطائها ما تريده في الملف الأوكراني؟ 

يقول الجنرال إريك كوريلا، المرشّح لمنصب القائد العامّ للقيادة المركزية الأميركية، أمام الكونغرس "إذا ما غزت روسيا أوكرانيا، فقد يؤدّي ذلك إلى عدم استقرار أوسع في الشرق الأوسط". وتردد القيادات الروسية في الكرملين أن رقعة العمليات العسكرية قد تتسع لتشمل مناطق جديدة إذا ما واصلت واشنطن دعمها للقوات الأوكرانية. نجح بوتين في إشعال الجغرافيا الأوروبية عندما نقل الحرب إلى العمق الأوروبي. وأميركا ستسعى جاهدة لإبقاء الصراعات والأزمات في الشرق الأوسط بعيدا عن حلفائها في الغرب. الضحية دائما هو الطرف الثالث الذي دفع الثمن الباهظ كما جرى في العراق. 

مشكلة أميركا وروسيا على السواء قد تكون في احتمال تحرك دينامو إقليمي شعبي جديد يفتح الطريق أمام التعددية القطبية كبديل دولي للنظام الأحادي أو تسلط الرأسين على بقية الدوائر السياسية والاقتصادية في العالم. الحيادية السلبية التي بدأتها العديد من دول العالم في التعامل مع الملف الأوكراني قد يكون بين أسبابها نتائج السياسة الأميركية في العراق ودورس تلك التجربة أولا، ورفض الأسلوب الروسي في أوكرانيا ونتائجه التي ستكون كارثية على التوازنات الاقتصادية والتجارية والأمنية حتى ولو اختار البعض عدم الاقتراب من اللهيب ثانيا. 

هدف العديد من العواصم ومراكز القوى الإقليمية هذه المرة وعلى ضوء تطورات المشهد في أوكرانيا هو ليس مساومة واشنطن وموسكو على تقاسم الأرباح كما كان يحدث في السابق أو الانحياز إلى طرف على حساب الطرف الآخر، بل إلزامهما بالابتعاد عن خيارات وقرارات هذه الدول وتجنيبهما حروب الاستنزاف وتدمير الطاقات والتلاعب بتوازنات المكونات الاجتماعية والعرقية والدينية كقاعدة ثابتة في حصيلة أية مواجهة أو حرب أو أزمة تعيشها منذ عقود. وربما هذا هو سبب الانفتاح الإقليمي الجديد وتنظيم أكثر من قمة تترك الخلافات والعداوة جانبا وكلها رسائل لواشنطن وموسكو بالدرجة الأولى. 

الكرة هي في ملعب واشنطن وموسكو إذا، على خط بغداد – كييف لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الأمور ستبقى على ما هي عليه خصوصا وأن رسائل سياسية وأمنية واستراتيجية جديدة بدأت تظهر إلى العلن وبعكس ما كانت الأمور تسير عليه في السابق. 

أنجزت القوات الأميركية عملية غزو العراق في 20 آذار 2003 بدعم ومشاركة بعض الدول الحليفة وقوات البشمركة الكردية في شمال العراق من أجل تحقيق حلم الشعب العراقي بالحرية والعدالة والديمقراطية كما أعلنت. موسكو لن تتأخر في تعديل أهداف عمليتها العسكرية في أوكرانيا عندما تجد الفرصة سانحة. وهي لن تتردد مثلا في "دعم الشعب الأوكراني إذا ما قرر إسقاط السلطة السياسية القائمة". 

أهداف روسيا في أوكرانيا لن تختلف كثيرا عن أهداف واشنطن في العراق رغم تغير الجغرافيا والسكان والمعادلات. هناك ثروات وموقع استراتيجي واختراق وتموضع في قلب الدوائر الجيو سياسية ولن يكون هناك تفريط بمثل هذه الفرص. هنا مجموعات "فاغنر" وغيرها لتحارب باسم الكرملين في أوكرانيا وهناك "بلاك ووتر" لتقود المشهد الأمني لسنوات في العراق باسم أصحاب المصالح والشركات العالمية. 

الإجابة على سؤال هل تسمح لعبة الكر والفر الأميركية الروسية بعراق مشابه في أوكرانيا؟ حتما ودون تردد إذا ما سنحت لهما الفرصة. 

عملية عسكرية متعددة الأهداف في قلب الشرق الأوسط، بينها السياسي والاقتصادي والأمني قادتها أميركا قبل 19 عاما لتحرير العراق وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة. لم لا تفعل روسيا ما تريده. ها هي تقود منذ شهر ونصف عملية تحرير أوكرانيا من الطغمة النازية الحاكمة التي تحاول التصدي لقواتها بدعم غربي واسع دون أي مؤشرات حقيقية حول اقتراب موعد وقف إطلاق النار. تقديرات أولية تتحدث عن سقوط آلاف القتلى والجرحى وأضرار بعشرات المليارات وتشريد وتجويع شعب في قلب القارة الأوروبية. فمن الذي سيتحمل نتائج وارتدادات العدوان الروسي على أوكرانيا ويقود عملية المساءلة القانونية والسياسية والاجتماعية؟ أميركا في العراق وروسيا في أوكرانيا لا فوارق كثيرة في الأهداف والتخطيط والتنفيذ سوى الجغرافيا واللاعب المحلي والإقليمي. 

قيل لقيادات أميركية كما يقال اليوم لقيادات روسية إن هناك مئات الحالات من القتل المتعمد والاغتصاب والإجابة المتوقعة معروفة جنودنا يقودون حربا بعيدين عن أسرهم ومنازلهم "طبيعي هو وقوع حالات من هذا النوع". 

يقول كاتب عراقي "عقدان من الزمن مرّا على هذه الحال. والفساد لم يشبع. الجريمة، بعد أن ارتُكبت، ظلت تتطلب التغطية وإتلاف الأدلة واستمرار الغطاء. ولكي تتمكن من ذلك، تقتضي الضرورة أن تعود دورة الفساد لتدور من جديد". 

أميركا تتحمل المسؤولية في فتح أبواب الكارثة عام 2003. لكن القيادات العراقية اليوم تتحمل مسؤولية مواصلة اللعبة والتحضير لما هو أكبر وأخطر ربما. كيف ستتعامل القوى السياسية الأوكرانية مع مرحلة إعادة بناء دولتهم المهدمة من قبل القوات الروسية. هل سيواصلون التدمير بأنفسهم هذه المرة كما يحدث في العراق اليوم أم هم سيستفيدون من المشهد والتجربة العراقية؟


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :