رضوان زيادة
المتابع السوري للحرب في أوكرانيا سيكرر كثيرا العبارة الأميركية الشهيرة (I have seen this movie before) والتي تعني أنني سبق أن شاهدت هذا الفيلم من قبل، فنفس تكتيكات الحرب والقصف التي تستخدمها روسيا الآن في أوكرانيا قد سبق أن استخدمتها في سوريا من قبل.
قصف المشافي والمخابز وحتى الأشخاص الذين يقفون على الطابور من أجل حصولهم على لقمة العيش هم أيضا عرضة للقصف، اتهام الطرف الآخر (المعارضة السورية) بأنها ستسخدم السلاح الكيماوي وكأن روسيا تعرف بالغيب، ثم تعود هي ذاتها أو حليفها نظام الأسد باستخدام هذا السلاح كما أثبتت كل التقارير الدولية والأممية.
فرض الحصار الخانق اليوم على مدينة ماريوبول في أوكرانيا تماما كالحصار الذي فرض على داريا ودرعا وحلب الشرقية وغيرها من المدن السورية ثم إعلان ما يسمى الممرات الآمنة والتي تجعل المدنيين عرضة للقصف والابتزاز بنفس الوقت فإذا لم يخرجوا من هذه الممرات الآمنة فإننا سنقصف هذه المدن عن بكرة أبيها. ثم الكذب على المستوى الدولي مستغلة روسيا عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي حيث يردد مندوبها ووزير خارجيتها ذات الأكاذيب التي رددها في سوريا من قبل ومتهما كل وسائل الإعلام الغربية جملة وتفصيلا بالكذب والخداع، وكأن العالم لا بديل له سوى قناة روسيا اليوم الحكومية التي هي جزء من الدعاية الإعلامية الروسية.
وبالتالي فيلم أوكرانيا اليوم عاشه السوريون لحظة بلحظة ولذلك تكثر المقارنات اليوم بكثرة في وسائل الإعلام الغربية بين سوريا وأوكرانيا، بكل تأكيد، رد الفعل الأميركي هنا كان أقوى وبتنسيق دولي حازم من العقوبات إلى تمويل الحكومة الأوكرانية بالسلاح والمعدات مما جعل الجيش الروسي في وضعية صعبة للغاية اليوم بعد أن توقع أن يسيطر على أوكرانيا خلال ساعات أو أيام.
لكن في سوريا تَأخّر الرئيس أوباما تقريباً ستة أشهر حتى آب / أغسطس 2011 حينما طلب من بشار الأسد التنحي وأعلن أنه رئيس فقد شرعيته ودار نقاش حول الإجراءات الأميركية في حال قرَّرَ بشار الأسد بأن لا يلتزم، وهذا وضع الإدارة الأميركية وخطاب أوباما مرةً أخرى في تناقض، حيث لا يتم تتبع هذه الكلمات أو هذه الخطابات إجراءات الضرورية على الأرض من أجل تحويل هذه الأقوال إلى أفعال.
بعد ذلك، بدأت الإدارة الأميركية بالتركيز على فكرة العقوبات الاقتصادية وبدأت تحشد ما يُسمَّى فكرة مجموعة أصدقاء الشعب السوري من أجل دعم بُنِيَ على وهم في تلك الفترة على أن نظام الأسد لن يستطيع أن يقاوم الاحتجاجات السلمية التي بغلت مستويات ضخمة في مدن مختلفة في حمص وحماة إذا ما تمَّ تشديد العقوبات الاقتصادية ومنع التمديدات المالية التي تصله من الدول المختلفة. طبعاً رد فعل نظام الأسد كان الاستمرار في عمليات القتل واقتحام المدن والاعتقالات العشوائية وتحويل السجون إلى مراكز اعتقال جماعية، لكن موقف الإدارة الأميركية على مدى عام ونصف لم يختلف فكانت العبارات المستخدمة ذاتها بالتركيز على أن الأسد فقد شرعيته، وعلى أنَّ الموقف سيعتمد بشكل رئيسي على تشديد العقوبات الاقتصادية، وهذا هو عدم التوازن بين ما كان يجري على الأرض في سوريا وبين تقييم الإدارة الأميركية وخطابها السياسي. ونشأت الفجوة الهائلة بين عدد القتلى الذي وصل في تلك الفترة في سوريا إلى أكثر من مئة ألف وبين الخطاب الأميركي الذي يُركِّز على فكرة العقوبات الاقتصادية ويقوم بالعمل من خلال مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان في جنيف اللذين تَحوَّلا إلى مُؤسَّستين غير فاعلتين بسبب الفيتو الروسي والصيني. وبالتالي كانت الولايات المتحدة على مدى عام ونصف حذرة تماماً باتجاه أية خطوات إضافية أخرى تُغيَّر موقفها مما جرى من سوريا.
بعد ذلك انتقلت الولايات المتحدة إلى ما يُسمَّى تقديم المساعدات غير الفتاكة وهي، بشكل رئيسي، لتزايد حجم الأزمة الإنسانية. نحن نَتحدَّث عن أسوأ أزمة إنسانية في تاريخ البشرية بما يَتعلَّق بعدد اللاجئين وعدد النازحين داخل الأراضي السورية فنصف السكان السوريين بين لاجئين ونازحين؛ وفي الوقت نفسه لم يَتغيَّر موقف الإدارة الأميركية الذي حافظ على ذات النسق وهو التركيز على "Non-Lethal Assists" المساعدات غير الفتاكة. وأعتقد أنه كان هناك نافذة لتغيير هذه السياسة مع استخدام النظام الأسدي للأسلحة الكيماوية وهو ما اعتبره الرئيس أوباما خطاً أحمر يجب أن تتم معاقبته، لكن الصفقة الغامضة التي لم تُكشَف كل تفاصيلها التي تمت في 24 ساعة برعاية روسية من أجل تسليم النظام الأسد للسلاح الكيماوي ووقف هذه الضربة العسكرية أعتقد أنها لم تفلح أيضاً في منع الأسد من استخدام أنواع أسلحة أخرى وخاصة أنه استخدم بعدها بكثافة غاز الكلور السام الذي يترك أعراض شبيهة للسلاح الكيماوي. لذلك نستطيع القول إنَّ الإدارة الأميركية بالرغم من وعودها بما يَتعلَّق بمساعدة السوريين في حقهم في تغيير نظامهم السياسي أو في مساعدة السوريين في وقف هذه الأزمة الإنسانية فشلت فشلاً تاماً على المستوى الأخلاقي وعلى المستوى السياسي.
آمل أن لا تكون نهاية الفيلم في أوكرانيا كما كانت في سوريا، لكن بكل تأكيد على الأوكرانيين اليوم التعلم من الدرس السوري.
المصدر: تلفزيون سوريا