الطريق- أحمد عبد الرحمن
لم يكن الشاب عبد الرحمن مشعان يدري أنَّ قرار عودته لبلدته في العام ٢٠١٢ سيكلفه العيش قرابة أربع سنوات في غياهب سجون النظام.
في تمام الساعة السابعة صباحاً، وبعد أقل من ٢٤ ساعة لعودته من عمله بلبنان، وجد مشعان نفسَه محاطاً بعشرات الجنود الذين اقتحموا منزله في بلدته صوران، بريف حماة الشمالي.
"إرهابي وقاتل وعميل .. هي التهم التي وُجِّهت إلي مع سيل من الشتائم، ودون أن يسمح لي بالكلام"، يقول مشعان.
سنوات من المرارة قضاها الشاب في عدة سجون للنظام، بدأت في مطار حماة العسكري، وانتقالاً إلى سجن صيدنايا وأفرع أخرى، إلى أن أُطلِق سراحه مطلع العام ٢٠١٧ بعد أن شارك بإضراب سجن حماة المركزي مع بعض رفاقه، وانتهت الاحتجاجات بمفاوضات مع ضباط السجن أدَّت إلى الإفراج عنه.
يقول مشعان: "أخذت حكماً بالإعدام من محكمة الإرهاب، دون أن يكون لي الحق في الدفاع عن نفسي".
في رحلة تنقله بين السجون، تعرض الشاب لكسور عدة في فمه وبعض أنحاء جسمه، كما تركت ضربات الكابلات الكهربائية كدمات على جسده النحيل الضعيف، توحي بشدة الضرب الذي تعرض له.
يضيف: "كانت ساعات التعذيب تستمر حتى يُغمَى عليّ، ويتم جرِّي على الأرض لغرفة السجن، وأخذ معتقل آخر".
وبصوت خافت يكمل مشعان محاولاً إخفاء دموعه: "عندما نعود لوعينا نتفقد بعضنا في الزنزانة، لنتعرف من المعتقل الذي فارق الحياة".
شهد مشعان أمام عينيه الكثير من حالات الوفاة التي تعددت أسبابها؛ بين الأمراض المزمنة التي تُترَك بدون علاج، أو ضعف الأجسام من أثر قلة الطعام وكثرة الضرب.
تصف "منظمة العفو الدولية" أنَّ التعذيب في السجون السورية له تاريخ طويل استخدم الأب حافظ 35 أسلوباً مختلفاً منه، ويقال إن بعض هذه الأساليب تعلمها من المجرم النازي ألويس برونر، الذي نجا من المحاكمة عن طريق الاختباء في سوريا.
كما وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" مقتل ما لا يقل عن 14537 شخصاً تحت التعذيب بينهم 272 طفلاً وسيدة، منذ انطلاق الثورة السورية بحسب بيان أصدرته الشبكة في أواخر حزيران/يونيو الفائت.
رغم مرور أعوام عدة على مغادرته السجون، إلا أنَّ مشعان يعاني من وضع صحي متدهور، مختتماً حديثه لـ"الطريق": "أنا دخلت عالمعتقل كانت صحتي كويسة وزني 80 كغ، وطلعت وزني 48 ولدي أمراض مزمنة".
ويقيم اليوم وعائلته في أحد المخيمات على الحدود السورية – التركية، وهو غير قادر على العودة لحياته الطبيعية وممارسة عمله؛ بسبب ما يعانيه جسده من آثار الاعتقال، حاله كحال المئات من المعتقلين الذين تعتقلهم قوات النظام بصحة جيدة وتخرجهم في حالة عطب جسدي ونفسي.