مروان قبلان
تثير العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا نقاشاً ساخناً في الإعلام وبين المهتمين بشأن تداعياتها المحتملة على سورية، خصوصاً، في ضوء الترابط المتزايد بين الأزمتين، مع تواتر أنباء عن تجنّد، أو تجنيد، مقاتلين سوريين للمشاركة في حرب أوكرانيا، وانتقال الانقسام السوري إلى هناك. ثلاثة جوانب رئيسة يتوقع أن تتأثر سورياً بالأزمة الأوكرانية، الأول مرتبط بنتيجة الحرب ومساراتها، فإذا تمكّنت روسيا من تحقيق أهدافها بسرعة وفاعلية في أوكرانيا، فالأرجح أن ينعكس ذلك زيادة في حضورها في المسألة السورية، وعموم منطقة الشرق الأوسط. أما إذا تعثرت عمليتها العسكرية هناك، فسينعكس ذلك سلباً على صورة الرئيس بوتين في المنطقة، و"الهالة" التي حاول أن يصطنعها لبلاده من خلال تدخّله الذي قلب موازين القوى في سورية. وإذا طالت الحرب في أوكرانيا، وتحوّلت إلى ساحة استنزافٍ لروسيا، كما تذهب بعض التقديرات، فالأرجح أن يقلّل ذلك اهتمام بوتين بسورية، وقد يضطر حتى إلى نقل الجزء الأكبر من قواته باتجاه أوكرانيا، حيث لا يوجد بابٌ للمقارنة بين أهمية البلدين لديه. هذا يعني إضعافاً للحضور العسكري، واستتباعاً السياسي، الروسي في سورية.
وفي كلّ الأحوال، يرجّح أن يكون للعقوبات الاقتصادية على روسيا دور في تقليص مخصّصات وجودها العسكري في سورية، ما يعني، من جهةٍ، تخفيف الضغط على مناطق المعارضة في الشمال، حيث دأبت روسيا على قصفها في السنوات الأخيرة، وقد يؤثر ذلك أيضاً في موازين القوى السائدة على الأرض، خصوصاً إذا صار هناك اهتمام إقليمي ودولي بإعادة دعم المعارضة، وهو احتمالٌ ضعيف، لكنّه وارد. من جهة ثانية، يرجّح أن تسعى إيران إلى الاستفادة من غرق روسيا في مستنقع أوكرانيا لملء أيّ فراغ ينشأ عن ذلك في سورية، وهذا يقود إلى الحديث عن الجانب الثاني المهم، هنا، انعكاس نتائج العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على العلاقة مع الأطراف الإقليمية المنخرطة في الساحة السورية. فإذا نجحت المغامرة الروسية في أوكرانيا، سينعكس ذلك سلباً على أوزان كلّ من إيران وتركيا وإسرائيل في الساحة السورية، وستكون تركيا الأكثر تأثراً، إذ تغدو محاصرة روسياً من الشمال (البحر الأسود)، ومن الجنوب (سورية والبحر المتوسط)، وقد يسعى بوتين إلى الانتقام من أنقرة في مناطق سيطرتها السورية، بسبب تزويدها أوكرانيا بطائرات مسيّرة، لعبت دوراً مهماً في أيام الحرب الأولى.
أما إذا ضعف الحضور الروسي في سورية، فسيؤدّي ذلك حتماً إلى تعزيز حضور القوى الإقليمية، واحتدام التنافس بينها على وراثة الدور الروسي. ستستفيد إيران، فوق ما ذُكر آنفاً، من خلوّ ساحة النظام من أيّ منافسةٍ فعلية، لكنّها قد تتعرّض، من جهة أخرى، لضغط أكبر من إسرائيل، إذ ستختفي كلّ القيود على حركتها في الأجواء السورية في حال غياب موسكو عنها. وهناك احتمالٌ أيضاً بأن تعود إيران إلى المربع الأول إذا جرى إحياء فصائل المعارضة المسلحة السورية. لكنّ وضع إيران في سورية سيكون مرتبطاً أيضاً بفرص إحياء الاتفاق النووي، فإذا نجحت مفاوضات فيينا، فهناك احتمال أن تصبح القيود على الحركة الإسرائيلية ضد إيران في سورية قيوداً أميركية، في حال تلاشي القيود الروسية، كذلك يرجّح أن تزداد قدرات إيران الاقتصادية في حال رفع العقوبات عنها، ما يعني تعويض النظام السوري عن أيّ تأثير محتمل للعقوبات الغربية على روسيا، علماً أنّ روسيا لا تقدّم أي مساعدات اقتصادية مباشرة للنظام. وتستفيد تركيا أيضاً بشدة في حال تراجع الحضور الروسي في سورية، وقد تستعيد وضعها الذي كانت عليه قبل عام 2015. الجانب الأخير من جوانب تأثر سورية بأزمة أوكرانيا مرتبط بتداعياتها على أسعار الغذاء والطاقة، إذ ستزداد فاتورة الطاقة والغذاء على السوريين، وقد يؤدّي ذلك الى اندلاع اضطرابات في مناطق النظام والمعارضة على السواء.
واقع الحال أنّ أزمة أوكرانيا قد تكون نقطة تحوّل في الصراع السوري (Game Changer) كما كانت عام 2014 - 2015، عندما دفعت روسيا إلى التدخل عسكرياً في سورية، لكن لا يمكنها أن تكون كذلك من دون وجود طرف سوري فاعل قادر على قراءة التحوّلات التي تفرزها الأزمة، وتوظيفها لكسر الانسداد الحالي وإخراج سورية من الوضع العسير الذي تقيم فيه منذ 11 عاماً.
المصدر: صحيفة "العربي الجديد"