رشا عمران
البحث عن صاحب ضمير وموقف إنساني لدى شبيحة النظام السوري هو كالبحث فعلا عن إبرة وسط كومة القش، سوف تقضي وقتا طويلا تبحث في كومة القش عما يلمع كي تحمد الله أنك وجدت الإبرة المفقودة أخيرا، ستفعل الشيء ذاته وأنت تنتقل من صفحة إلى أخرى ومن حساب إلكتروني إلى آخر لو خطر لك أن تطلع على ما يكتبه شبيحة النظام السوري عن الحدث الروسي الأوكراني الراهن، ونحن نتكلم هنا عن الطبقة المتعلمة والمثقفة وعن نخب ثقافية وعلمية وفكرية لا عن عامة وغوغاء قطيعي، هنا أيضا سوف تقضي وقتا طويلا وأنت تبحث عن موقف إنساني مغاير، عن صوت ما من أصواتهم يقول مثلا إن الحرب كارثية وإن المدنيين يدفعون أثمانا باهظة لما يريده جنرالات الحروب، وإن الحرب ليست سوى مزيد من الحزن والخوف والقهر والتشرد والجوع والموت، وإن ما يحدث في منطقة من العالم لا يقف عندها، أثره سوف ينتقل بحكم ارتباط المصالح السياسية والاقتصادية وتشابكها، لكنك مهما بحثت لن تجد سوى تمجيد الحرب وتمجيد بوتين، قيصر الموت، والشماتة بالأوكرانيين المعتدى عليهم دون أن تجد سببا يبرر الشماتة الطافية غير سبب وحيد: من استمرأ العيش خاضعا ومذلولا سوف يتمنى الخضوع والذل للجميع كي لا يشعر بالعار، فالتشارك مع الآخرين في هوية الذل ستخفف عنه إحساسه بالذنب تجاه نفسه، ما يجعل منه حاقدا على من يرفض هذه الهوية وشامتا إذا ما تعرض الرافض لمحاولة الإخضاع.
ثمة خطوط عريضة يشترك في الحديث عنها غالبية الشبيحة السوريين المؤيدين لبوتين في حربه على أوكرانيا، يمكن هنا أن نعددها ضمن عدة عناوين:
يستخدمون جميعهم وسم (تصحيح التاريخ) الجملة التي قالها رئيس النظام السوري في رسالة تأييده لبوتين(وهي واحدة من ثلاث رسائل تأييد دولية فقط وصلت لبوتين)، باعتبارها جملة عبقرية طبعا وباعتبار قائلها الذي يؤيد بوتين في خطوته لإعادة ضم الأراضي التي كانت خاضعة لحكم القيصر إلى حكمه، لم يصدر أمرا بإلغاء إقليم لواء إسكندرون من الخريطة السورية، ولم يضع ختمه على التنازل عن هضبة الجولان مقابل البقاء في حكمه، ولم يبع ويؤجر سوريا وأراضيها واقتصادها لإيران وروسيا.
يمتلكون جميعا نفس الخطاب القديم في الحديث عن الإمبريالية والرأسمالية باعتبار أوكرانيا (ربيبة) الرأسمالية الغربية، مقسمين العالم إلى محور شرير (أميركا والاتحاد الأوروبي وكل من يرغب بالانضمام إليه)، ومحور طيب (روسيا وإيران والصين)، متجاهلين كل التغيرات التي طرأت على سياسة المحاور منذ سقوط جدار برلين وحل الاتحاد السوفييتي، وتحول العالم كله إلى شركة رأسمالية يتصارع مديروها على مصالح متشابهة، وأن المحورين أعاد تعريفهما جورج بوش الابن إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر حينما وضع محور العالم مقابل محور الإرهاب، وكل ما حدث في العالم تاليا هو تطبيق عملي لنظرية محوري بوش.
يكتبون تنظيرات عن الاقتصاد الأوروبي المنهار، وعن دور الحكومات الأوروبية في هذا الانهيار ويبشرون بالمزيد منه بعد انتصار بوتين، مطالبين الأوروبيين (السذج) بالاحتجاج على سياسات حكوماتهم ومبدين استغرابهم من صمت الشعوب الأوروبية الطويل على سياسات التجويع والتفقير الناجمة عن الرأسمالية، وليست مفاجأة أن بعض هؤلاء الشبيحة يحمل جنسيات أوروبية ويعيش في بلاد أوروبية، يا للهول كيف يحتمل هؤلاء الحياة في جحيم الدول الأوروبية الاقتصادي، تاركين الجنة السورية ونعيمها للروس والإيرانيين والأفغان.. الخ.
لا يزال (البوط) العسكري نقطة مشتركة بينهم، فبعد (بوط) الجيش السوري الذي سيقضي على الإرهابيين حان الآن بوط الجيش الروسي الذي سيقضي على الإمبرياليين، المبدأ نفسه أما التفصيل فهو في فرق ترتيب الأحرف في كلمتي (سوريا وروسيا).
يسخرون من الظهور اليومي للرئيس الأوكراني زيلينسكي متحدثا إلى شعبه وإلى العالم عن الغزو والقصف الروسي وآليات مجابهته من قبل الجيش والشعب الأوكراني، في نفس الوقت الذي تنفذ فيه الطائرات الإسرائيلية إحدى طلعاتها الروتينية في سماء سوريا مستهدفة موقعا عسكريا إيرانيا أو سوريا بينما يحتفظ بشار الأسد بحق الرد إلى أجل غير مسمى، طبعا اختفت إسرائيل تماما من كتابات هؤلاء الشبيحة، ولكن إن عرف السبب بطل العجب، فالعدوان المتحاربان حاليا (روسيا وأوكرانيا) حليفان قويان لإسرائيل، وإسرائيل يفترض أنها عدوة للنظام السوري المحمي من قبل روسيا، لن يكون القول: (حليف صديقي عدوي وحليف عدو صديقي عدوي) مجديا أو صحيحا، الأفضل هو تجاهل الأمر تماما وكأن إسرائيل غير موجودة حاليا خصوصا أن السوريين معتادون على محي دول عديدة من الخريطةـ للسياسة السورية سوابق معلنة في هذا السياق.
يتجاهلون تحالف رئيس الشيشان (الإسلامي الأصولي) قديروف مع بوتين، وتجنيد مرتزقة شيشان للقتال إلى جانب الروس، وإلى جانب مرتزقة سوريين يشحنون حاليا إلى روسيا للمشاركة في الحرب، ويتجاهلون أيضا تحالف بعض الإسلاميين السوريين ومنهم معارضون لبشار الأسد مع قديروف وبوتين.
يشمتون باللاجئين السوريين من أبناء شعبهم وهم يعرضون صور استقبال العالم للاجئين الأوكران بينما يغلق حدوده أمام السوريين، ولا يتذكرون أن في 2012 و2013 كان وضع السوريين اللاجئين إلى دول الجوار مشابها لوضع الأوكرانيين تماما، حيث فتحت دول الجوار والعرب حدودها لمئات آلاف السوريين الهاربين، طبعا لا يتساءل هؤلاء الشبيحة عن سبب هروب السوريين وتخليهم عن كل شيء للنجاة بحياتهم، مثلما لا يخطر لهم السؤال عن سبب هروب الأوكرانيين من وطنهم وبيوتهم مادام الأمر تصحيحا التاريخ كما يقولون عن الغزو! ألا يعتقدون أن الأوكرانيين يفضلون التشرد على الخضوع للقيصر الروسي الحديث؟
مجددا يسخرون من زيلينسكي واصفين إياه بالمهرج في إشارة إلى مهنته الأولى (ممثل) وهو الذي يتصرف بوصفه واحدا من الشعب ويقضي جل وقته في مراسلة ومخاطبة زعماء العالم والرأي العام العالمي عبر كل وسائط الاتصال لحشد دعم دولي ضد روسيا دون أن يتلكأ لحظة واحدة، بينما (حكيم عيون وفهيم بالعين) لا يتجرأ على النظر إلى السماء لمعرفة عدد الطائرات الإسرائيلية التي تسرح وتمرح يوميا في سماء سوريا.
قديما قالوا إذا لم تستح فافعل ما شئت، والحقيقة أن شبيحة النظام السوري من النخبة المثقفة لا يستحون فيما يكتبون وينظرون، ولا يخجلون من دموع ضحايا الحروب، لا يخطر لهم وهم يمجدون الحرب ويهللون لها أن مئات آلاف الأمهات في سوريا فقدن أبناءهن في الحرب، ومئات آلاف الأطفال تيتموا في الحرب، وعشرات آلاف النساء ترملن في الحرب، وأن هؤلاء أمهات وزوجات وأطفال الضحايا الذين قاتلوا دفاعا عن بشار الأسد، في الجيش أو في الأمن أو في التنظيمات الأخرى، لكن من كانت هويته هي العار فلن يخجل مما يقول أو يكتب.
المصدر: "تلفزيون سوريا"