يحيى العريضي
فجأة، ودفعة واحدة، فتحت المنظومة الدولية "شبه المنافقة" كلَّ دفاتر القبح والإجرام الروسي، لفعْلَتِها في أوكرانيا. سادت هذه الكرة الأرضية أجواء فاقت بتوترها ورعبها أجواء سبقت حربين عالميتين أعادتا تشكيل كل شيء. هذا الاستنفار المفاجئ تجاه روسيا، وشبه الإجماع العالمي على عزلها، وخنقها، وإبراز خطرها، و"هتلريتها"، يكاد يتخذ قراراً بإخراجها من هذا الكوكب؛ وخاصة عندما ادّعى بوتين أنه وضَعَ "النووي" في حالة تأهب.
كل هذا القبح الروسي والجريمة الروسية الموصوفة تم تنفيذه وممارسته لسنوات علنياً في سوريا وعلى شعبها؛ وشَهِدَت هذه المنظومة الدولية ذاتها نتائجه الكارثية، وسَطَ تباهي المسؤولين الروس بأنهم جربوا مئات أصناف الأسلحة على أرواح السوريين، ودرّبوا آلاف المقاتلين والفنيين الروس على الجسد السوري. وما شعر السوريون باستنفار عالمي كهذا؛ وكأن تلك المنظومة العالمية كانت في إجازة؛ بل إن قوى وازنة منها نصحت السوريين بمراجعة الروس بقضيتهم.
صحيح أن القضية السورية تختلف تماماً عن قضية أوكرانيا بالمواقف التي أحاطت بكل منهما؛ فلا توجد إسرائيل على حدود أوكرانيا حريصة على بقاء مَن يحمي حدودها، ولا مَن يهمهم حرص إسرائيل وهواجسها، ويعملون بمشيئتها؛ وليس هناك من سلطات محيطة بأوكرانيا تريد أن تجعل مما حدث للسوريين على يد طاغية درساً لشعوبها، كي لا يأتوا بحركة ضد تلك السلطات؛ ولا مُنِعَ سلاح على الأوكرانيين كما حُرِم السوريون مما يمكن أن يدافعوا به عن أنفسهم؛ وصحيح أن قَدَريّة السوريين ودعاءاتهم وبراعتهم بالشتيمة كانت كثيرة، وأنهم لم يوَفّقوا بمن حمل قضيتهم رسمياً؛ إلا أن الحالتين تختلفان في كل شيء تقريبا، وتتشابهان في نقطة أساسية وجوهرية بأنهما الدريئة والملعب الذي يمارس بوتين إجرامه عليه.
لقد ساد هذا العالم صمت مريب عندما كان بوتين يتذرع بعدم جواز تغيير الأنظمة بالقوة، وبعدم المساس باستقلال ووحدة وسيادة أي بلد؛ كي لا يقترب أحد من نظام إجرامي مستبد قتل شعبه وشرده واستخدم حتى السلاح الكيماوي ضده؛ وها هو بوتين في أوكرانيا يفعل ما نهى عنه، ويعكس الذريعة التي ساقها في الحالة السورية، عندما ينتهك وحدة واستقلال وسيادة أوكرانيا؛ ويريد خلع نظامها المنتخب (بعكس منظومة الاستبداد الأسدية)؛ إلا أن ذلك الصمت المريب تجاه الحالة السورية تحوّل إلى صرخة كونية في الحالة الأوكرانية.
كان بإمكان هذا العالم أن يوفّر على الأوكرانيين، (وربما، وعلى دول أخرى …) ما حدث للسوريين على يد احتلال روسي تمرّس خلال عقدين بفنون سياسة "الأرض المحروقة". كان بإمكانه أن يتفاعل بصدق مع معاناة السوريين، وتشردهم، ودمار بلادهم، وتحطيم بنيته التحتية، ووضع اليد على موارده. كان بالإمكان خفض منسوب المرتزقة المُحَرَكين من منطقة محتلّة إلى أخرى قيد الاحتلال كما في "سفر برلك" تاريخياً، مروراً بالشيشان، وصولاً إلى تجنيد بوتين لمقاتلين من سوريا المحتلة إلى القتال في أوكرانيا؛ ولا ندري اسم الدولة القادمة التي سيحرك فيها بوتين مرتزقة من أوكرانيا. كان بإمكان العالم ألا يصل إلى هذه الدرجة من النفاق والانحدار، ليدفع بالسوريين إلى مراجعة الروس، قائلاً إن يدهم هي العليا في سوريا؛ وذلك بعد اتفاق "كيري-لافروف". كان بإمكانهم على الأقل تخفيف التبجح بحقوق الإنسان واحترام القانون وحرية البشر. فها نحن نشهد استنفار منظومة الأقوياء بكليتها، مستحضرة كل صورة بشعة لروسيا؛ معتبرة أن احترام حقوق الإنسان وحريته قيمة القيم، وسيادة واستقلال الدول قضايا مقدّسة!
وها هنا، نأمل أن تكون هذه "الصحوة العالمية" قد تمّت؛ ليس فقط تجاه أوكرانيا، بل تجاه سوريا أيضاً. وفي ظل وضع كهذا، أي مقاربة، أو نمط تفكير، أو تخطيط، أو فعل يمكن للسوري أن يقوم به؟ هل يندب حظه، ويشتم كل شيء، ويعود لإحباطه وسخطه؟ أم ينطلق من جديد للتواصل مع العالم "الحر" للخلاص؛ فيخطط بعقل بارد مستفيداً من الظرف القائم؛ ليبدأ مقاومته الشعبية المدعومة في وجه الاستبداد والاحتلال معاً؛ ويبدأ "الصادقون" دولياً بفتح ملفات إجرام بوتين والإجرام الأسدي، وتزويد جبهة تحرير سوريا بما يلزم سياسياً وعسكرياً للخلاص من الاستبداد والاحتلال؟! بذا يكفّر هذا العالم عن غفلته غير المبررة، أو صمته المريب تجاه مأساة السوريين على يد احتلال روسي غاشم، ومنظومة استبداد تكاد تجهز على سوريا. وبذا يكون من استنفر لحرية الإنسان، واستقلال وسيادة الأوطان متناغماً مع نفسه. وبخصوص الأعباء المادية، ليس السوريون بحاجة إلى أحد؛ فما على بنوك الدول التي تخزن مليارات نظام الاستبداد المنهوبة من سوريا إلا أن تعيدها للسوريين، دعماً لمشروعهم في تحرير بلدهم واستعادة عافيته.
"أخيراً وليس آخراً، إذا أرادت المنظومة الدولية أن توقف طموحات بوتين المريضة، وتهزمه في أوكرانيا خاصة؛ لا بد من هزيمته واقتلاعه بداية من سوريا.
المصدر: تلفزيون سوريا