صحافة

ورطة بوتين القاتلة

الاثنين, 28 فبراير - 2022
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

يحيى العريضي 


يُقال "عندما يكرر التاريخ نفسه، تكون كلفة التكرار أكثر فداحة". ما أشبه الأمس باليوم؛ فقُبَيلَ الحرب العالمية الثانية، هادنت بريطانيا العظمى ألمانيا النازية؛ وقبيل غزو صدام حسين للكويت، هادنت أميركا صدام، وقالت سفيرتها "غلاسبي" هناك، إنه إذا تدخل في الكويت، فذلك شأنه، ولن تتدخل أميركا؛ وقبيل غزو بوتين لأوكرانيا، تراوحت مخاطبة بوتين أميركياً وأوروبياً ودولياً بين الترجي والإغراء والتحريض وصولاً إلى تحديد وقت الغزو. وفي خطبته العصماء لاستعادة "الأرثوذكسية" دخل بوتين بالتاريخ، وقدّم أوكرانيا أرضاً وبشراً "وغيرها" كجزء من عالم الاتحاد السوفييتي، وهيبة روسيا الحالية في خطر، وإقليما "لوجانسك، ودوناتسك" يريدان الاستقلال؛ وفي النهاية شنّ حربه، وبدأت مصفحاته تدوس المدنيين وهم بسياراتهم؛ ومع ذلك، فداحة فعل بوتين ورد الفعل لم تظهر كلياً بعد… 

في سوريا، وبعد أن استُبْعِد من التحالف المتدخل "لمحاربة الإرهاب"، تدبر بوتين أمره، ودخل تحت يافطة الدعوة من الحكومة السورية "الشرعية". وها هو لسنوات يحتل سوريا، ويحمي منظومة الاستبداد. وكانت السردية التي يسوقها على الدوام في وجه المطالبين بالتطبيق الحرفي للقرارات الدولية في سوريا: {ممنوع خرق القانون الدولي، وممنوع التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أو السعي لتغيير النظام بالقوة، أو تهديد وحدة واستقلال وسيادة أي دولة}. وها هو السيد بوتين اليوم يفعل بأوكرانيا تحديداً ما كان ينظّر به، وينهي عنه. 

قبل فعلته تجاه أوكرانيا، ورغم خطبته "العصماء"، التي تذكّر بخطابات هتلر قبل ثمانين عاماً، كان هناك شبه إجماع عالمي أن الرجل مهزوم إن دخل، وخاسر إن لم يدخل؛ إلا أن عُقَد المغامر تغلّبت عنده، ففعلها معتمداً على فرط القوة الغاشمة، للحصول على القطبية؛ على الأقل عبر التحكم ببلد يطعم 600 مليون شخص، وفي المراتب الأولى عالمياً بإنتاج كل شيء تقريباً. فات الرجل أن ذلك خط أحمر فعلي عالمياً؛ وأن ما ومَن أغراه يريد خنقه في مغطس الجشع والتهوّر. وهذا ما سيكون؛ وبوادره بدأت. 

ما فعله بوتين أعاد لحمة أوروبا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ ثبّت وشائج العلاقة الأمرو- أوروبية؛ ضرب العلاقة مع الصين، التي تبحث عن مناخ هادئ دولياً لتتألق أكثر اقتصادياً؛ وعلى خطا قادة السوفييت تبدأ الانهيارات والاستهدافات الاقتصادية والعسكرية لروسيا، والتجربة الأفغانية ما تزال ماثلة. زد على كل ذلك الإحساس العالمي بأن عالمنا أمام هتلر بنسخة جديدة. 

وبالعودة إلى المغامرة البوتينية في سوريا، حيث أبرزت فعلته الحالية في أوكرانيا تناقضاً بين رفضه لتغيير الأنظمة بالقوة أو تهديد وحدة وسيادة واستقلال بلد ما، كما في الحالة السورية؛ وقيامه بما نهى عنه تماماً في أوكرانيا، لنجد أن تلك التجربة في سوريا، بقدر ما أفادته، ستتحوّل بمغامرته الحالية إلى وبال قاتل: 

*بينما القوة العسكرية لنظام الأسد كانت في مواجهة شعب سوريا، (مرفَقَةً بحضر العالم ومنعه عن السوريين ما يمكن أن يدافعوا به عن أنفسهم) إلا أنها في أوكرانيا بمواجهة الغازي، وستهشمه. 

*في سوريا راكم بوتين ملفات إجرام عندما جرّب أسلحته الحديثة على أرواح السوريين ومشافيهم ومدارسهم وأسواقهم وتشريدهم وتضييع حقوقهم سياسياً؛ سيجد مَن يرد له الصاع صاعين في أوكرانيا اعتماداً على ترسانة البلد، والدعم الحقيقي الخارجي. 

* في أوكرانيا لن يجد بوتين ميليشيات إيرانية تدعمه ميدانياً، ولا مَن يوصّف شعب أوكرانيا بالإرهابي- كما تم التجني على الشعب السوري- ولن تكون النظرة لشعب أوكرانيا غير مبالية، كما كانت تجاه شعب سوريا؛ حيث كان لإسرائيل دور كبير بذلك التشويه. 

*في سوريا، كسب بوتين ودَّ إسرائيل بتدمير سوريا وبحمايته لمنظومة استبدادية حرست حدود إسرائيل لزمن؛ ولكن علاقة أوكرانيا بإسرائيل خاصة جداً؛ وسيدفع الثمن الموجع على فعلته، وخاصة من قبلها. 

* وضع بوتين يده على موارد سوريا؛ رغم أن أحداً لا يطمع بما تبقى بعد سيطرة أميركا وأداتها "قسد" على أهم ما في سوريا من موارد طاقة وزراعة وماء؛ أما في الحالة الأوكرانية، فهذا البلد في المصافي الأولى عالمياً بموارده وخيراته، حيث يشكّل خزاناً غذائياً لعُشر سكان الأرض، ما يضع الكرة الأرضية بمواجهته. 

*وإن كان قد وضع يده على قاعدة حربية في حميميم، فذلك لن يزيد ما لروسيا من مواقع تطول أي نقطة بالعالم بغض النظر عن الجغرافيا؛ ولكن أوكرانيا أهم من تركيا بالنسبة لحلف النيتو وللغرب عامة، وهي مقتل بوتين استراتيجياً؛ ومن هنا، سيجعلها الغرب مقبرة لطموحاته. 

*إذا اعتبر بوتين "نظام الأسد" حليفاً شبه وحيد له؛ فأي حليف هذا الذي يفكّر ببيعه في صفقة مع أميركا؛ وهي لا ترضى؟! وأي ملفات إجرامية تشكّل وباءً إضافياً عليه حَمْلُه؟! 

*يكفي بوتين أنه تكشّف تماماً كمحتل أمام كل السوريين، وفتح أعينهم على ابتلائهم بالاستبداد والاحتلال أيضاً. 

* ولا ننسى بالطبع حجم الضرر الذي ألحقه بحليفته إيران على الأرض السورية، وبملفها النووي من خلال فعلته في أوكرانيا، واتضاح شراكتهما الإجرامية؛ ولا يمكن إغفال الضرر والخلخلة لعلاقته مع تركيا؛ والتي ستقف مع العالم ومع حلفائها الأساسيين، لا مع بوتين ومغامراته. 

* والأهم من كل ما سبق، فإن ثورة شعبية سورية جديدة في وجهه ووجه الاستبداد الأسدي ستكون ضرورية ومبررة؛ وستلقى الدعم اللازم عالمياً؛ وعلى الأقل ستلغي تعجرف البوتينية وألاعيبها، وسفالة منظومة الاستبداد تجاه عملية سياسية تؤدي إلى انتقال سياسي يعيد سوريا إلى سكة الحياة. 

ها هو التاريخ الهتلري القديم يعيد نفسه؛ ولكن الثمن أعلى مما يتصوره بوتين. والتاريخ الحديث لفعلته في سوريا يعيد نفسه؛ ولكن بدهاء، وأكثر سخرية، وسيكون أكثر وبالاً ومأساوية؛ وستكون أفغانستان نزهة مقارنةً بالقادم. 


المصدر: تلفزيون سوريا


الوسوم :