صحافة

المنازلة الأميركية مع روسيا وإيران.. تركيا تعزز دورها ومشروعها

الخميس, 10 فبراير - 2022
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

منير الربيع


يترقب العالم مآلات المنازلة الأميركية الروسية حول أوكرانيا. يسرّب الأميركيون أخباراً وتقديرات استخبارية حول استعداد الجيش الروسي لغزو أوكرانيا وأن الحاجة لاجتياحها تحتاج إلى 72 ساعة. في حين يجهد الروس في نفي ذلك واتهام الأميركيين بأنهم يصطنعون هذه السيناريوهات.

إنها منازلة تطول أوروبا برمّتها ولذلك يحاول الأوروبيون تجنّب التصعيد. فيما تحاول واشنطن تقديم نفسها كصاحبة الدور القادر على توفير الغاز إلى الاتحاد الأوروبي كبديل عن الغاز الروسي. إلى جانب هذه الجبهة التي من شأنها إعادة ترتيب قواعد النظام العالمي بما يختلف عن مرحلة ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما بعد انتهاء الثنائية القطبية. ثمة جبهة اقتصادية أخرى مفتوحة بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة والصين من جهة أخرى.

وفي موازاة الجبهتين المذكورتين ثمة جبهات متعددة، كما هو الحال بالنسبة إلى الوضع في آسيا، والشرق الأوسط، حيث إيران تسعى إلى تكريس دورها في المنطقة باعتراف غربي بناء على الاتفاق النووي الذي تسعى للوصول إليه مع الولايات المتحدة الأميركية، وبعد مشروعها التدميري للشرق ككل. فيما لا يمكن إغفال مشروع تركيا الآخذ في التقدم من آسيا إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو مشروع واضح المعالم يتعلّق بتوسيع الدور على مشارف العام 2023 لاستعادة تركيا قوتها التي سلبت منها قبل 100 سنة، وكنوع من سياق استكمالي لبناء اقتصاد يدخلها في مجموعة الدول العشر بدلاً من دول العشرين.

تحت هذه القراءة العامة لا بد من مراقبة جملة تطورات حصلت مؤخراً، فالرجل الذي اختاره جو بايدن كمستشار لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين، يستمر بمهماته المنوطة به، في تعبير واضح على أن الصراع الدائر بخلفيات جيوسياسية، واقتصادية، هو صراع على خطوط النفط. وإذا كانت الحرب العالمية الأولى قد أرست نظاماً ناتجاً عن صراع على منابع النفط، فإن القواعد التي سترسي النظام العالمي الجديد ستكون مرتكزة على الصراع على خطوط النفط، وخطوط التجارة العالمية.

يأتي ذلك في أعقد الصراعات التي تشهدها أوروبا حول الغاز بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية. بينما تسعى روسيا إلى الحفاظ على حصتها من توريد الغاز ومكتسباتها، وهي ستحاول أيضاً تحصيل مكتسبات في مجالات مختلفة، أبرزها الدرع الصاروخية، وصوغ علاقة جيدة مع دول الاتحاد الأوروبي وتحديداً ألمانيا، خاصة أن موسكو لا تتعاطى مع أوروبا كاتحاد، إنما مع كل دولة على حدة، بالإضافة إلى تحصيل مكاسب خارج أوروبا.


    يتطابق ذلك مع سعي أميركي إلى توفير بدائل للغاز الروسي، ومن بين الدول أذربيجان التي أعلنت الاستعداد لتوريد الغاز إلى أوروبا. وهنا لا بد من ترقب زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى تركيا حيث سيكون هناك بحث في مجالات الطاقة

هوكشتين هو صاحب وجهة النظر التي تتحدث عن توفير البدائل للغاز الروسي إلى أوروبا، وهو نفسه المعارض لتحالف شرق المتوسط أو خط النفط "إيست ميد" والذي كان يفترض أن يمر من إسرائيل إلى قبرص واليونان فأوروبا، وهو غير جاهز حتى الآن وتبلغ كلفته مليارات الدولارات، بينما يفضل هوكشتين الغاز المسال الذي يمنح مرونة للمصدر والمستورد، وفي هذا السياق جاء سحب الغطاء الأميركي عن مشروع إيست ميد. وهو أمر رحبت به تركيا، التي ستكون من أكبر المستفيدين من غض النظر عن هذا الخطّ، فتركيا تعتبر نفسها مؤهلة جداً للعب دور نقطة تجمع الكونسورتيومات الغازية في المنطقة، طالما أن أنابيبها إلى أوروبا جاهزة، وكلفة النقل منخفضة جداً نسبة لأي مشروع آخر. ولا بد لهذا الطموح أن يتطابق مع الخلاف في المواقف الروسية والتركية حول الوضع في أوكرانيا، إذ إن تركيا من أبرز المعارضين للتدخل الروسي هناك، وقد عملت على دعم أوكرانيا بأنظمة دفاع عسكرية. يؤشر ذلك إلى اختلاف وافتراق روسي تركي استراتيجي، فتخسر روسيا موقف تركيا في هذه المعركة، خاصة أن تركيا هي التي ستتحول إلى منافسة لروسيا في توريد الغاز ألى أوروبا، عبر أذربيجان، وأربيل من حقل جيهان ومع إسرائيل.

يتطابق ذلك مع سعي أميركي إلى توفير بدائل للغاز الروسي، ومن بين الدول أذربيجان التي أعلنت الاستعداد لتوريد الغاز إلى أوروبا. وهنا لا بد من ترقب زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى تركيا حيث سيكون هناك بحث في مجالات الطاقة، ذلك لا ينفصل أيضاً عن بروز توترات تركية إيرانية حول ملفات متعددة، خلاف حول سوريا، خلاف حول العراق وآلية تشكيل الحكومة، بالإضافة إلى سعي أنقرة لتحسين علاقاتها مع كل من إسرائيل، ودول الخليج وخصوصاً الإمارات والسعودية، هذا ما دفع بإيران إلى وقف إمدادات الغاز إلى تركيا. وأحد أبرز جوانب الالتقاء الأميركي التركي مؤخراً كان التنسيق في سبيل تصفية زعيم داعش في إدلب شمالي سوريا.

تحاول أنقرة تعزيز أوراقها الإقليمية والدولية، من خلال مسار تحسين العلاقات مع كل الدول التي كانت على خلاف معهم سابقاً، وهي تسعى إلى تسويق أنظمتها الدفاعية مع دول الخليج، خاصة أن أردوغان وفريق عمله عملوا على إعداد دراسات تفصيلية حول ما يمكن تقديمه لدول الخليج وخصوصاً السعودية والإمارات لمواجهة هجمات الحوثيين.

كل ذلك لا ينفصل عن مسار التفاوض النووي بين إيران والغرب، ووسط السعي الأميركي إلى الانتهاء من إنجاز الاتفاق، فلا بد لذلك أن يُقرن بتحقيق مجموعة من النقاط، أولها وضع حدّ لاستمرار حرب اليمن، وذلك يظهر من خلال الخطوط الحمر التي رفعها الأميركيون بوجه الحوثيين بعد الاعتداءات المتكررة على السعودية والإمارات، والاستعداد لإرسال أنظمة دفاع جوية متطورة. وهذا من شأنه تغيير المعادلة في اليمن. والنقطة الثانية هي ما تسعى إسرائيل إلى فرضه بموجب هذا الاتفاق، وهو أنه طالما لا ضربة عسكرية أميركية لإيران فلا بد من تطويقها من خلال الاتفاق ومنعها من استمرار مشروعها التوسعي، وبحال حصل أي اختلال في هذا المجال فإن إسرائيل قد توجه ضربات لإيران أو لحلفائها فيما تفترض أنه بموجب الاتفاق لن تكون إيران قادرة على الردّ على هذه الضربات.


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :