عبد الرزاق دياب
حتى اللحظة ما زال الطفل المغربي ريان الذي سقط في إحدى الآبار المحلية مثار اهتمام وتعاطف العالم، وهذا شأن إنساني لا ينازع فيه أحد فالأطفال هم معيار أخلاقي لا يجوز الاعتداء عليه أو إيذاؤه فكيف إن كان في الخامسة من عمره، ويعيش منذ ثلاثة أيام في قعر بئر مظلم على أمل العودة إلى الضوء والحياة، وهنا يلحظ المراقب سيل المشاعر والدعوات بالنجاة لصغير لا يستحق كل هذا الأذى النفسي والجسدي مع لكن.. لكن صغيرة خرجت من أفواه السوريين بالتحديد ومعهم اليمنيون الذين ذكرتهم وحشة (ريان) بأبنائهم الذين ماتوا قصفاً وغرقاً وجوعاً.. لكن صغيرة مع كل الأمل والدعاء بنجاة الطفل ريان.
صورة إيلان السوري غارقاً على شاطئ تركي بعد رحلة هروب فاشلة ألقته جثة هامدة، وكذلك صور الأطفال المتناثرين في بهو أحد الأقبية يلفظون أنفاسهم الأخيرة بعد قصف الغوطتين بالكيماوي، ومثلها صور كثيرة لأطفال في ذروة الشتاء يتم رشهم بالماء البارد كي يستعيدوا أنفاسهم المقطوعة من الغازات السامة في ريف إدلب، وهكذا تتوالى الصور القاسية التي تصل للمناشدات الأخيرة بإنقاذ الطفل فواز القطيفان المخطوف في ريف درعا من أجل فدية تصل إلى 500 مليون ليرة سورية.
في مخيمات الشمال السوري ما تزال صورة الطفل المرتجف تحرك الضمائر، وهنا لا بد من التوقف عند حجم التجاوب الكبير من المجتمعات الأهلية والمنظمات في فلسطين المحتلة التي شربت من كأس التهجير والاحتلال حيث جاءت المساعدات دوناً -عن مترفي العرب- من القلوب إلى القلوب التي عرفت دون سواها معنى أن تكون وحيدة وعاجزة، ومع ذلك ما تزال عشرات الآلاف من العائلات بأطفالها ونسائها تحت رحمة خيام لا تحمي قماشها البالي.
في عرسال اللبنانية حصار مزدوج من السماء التي لا تتوقف عن رمي بياض ثلجها وتصريحات المسؤولين اللبنانيين على الأرض بضرورة ترحيل السوريين الذين تسببوا بشقاء لبنان وأزماته، وأما الأطفال فهم لا يحركون قلوباً ساكنة ترى فيهم مجرد أداة في الصراع الذي تتحكم في إدارته إيران متمثلة بذراعها حزب الله وحلفائه من العونيين، وهناك في كامل المخيمات السورية أطفال يعملون بالقمامة وبعيدون عن مقاعد الدراسة.
على أبواب أوروبا الإنسانية ثمة مخيمات لانتظار الحلم الذي يراود عائلات سورية وعراقية وأفغانية للحصول على بيت وراتب شهري وروضة أطفال لكن دون ذلك أسلاك شائكة في اليونان وبيلاروسيا، ومهربون يرون في هؤلاء البشر فرصة إثراء سريع، وهنا قرب حدود الحلم يموت الأطفال جوعاً وبرداً، وأما اليافعون فتنتزع ملابسهم ويرمون في الغابات الباردة حيث تكتشف الجثث المتجمدة بعد حين لمهاجرين هاربين إلى المجهول الذي اعتقدوا أنه جنة موعودة وخلاص أكيد.
أما في الداخل السوري -حيث لم يف صاحب الانتصار بوعده لمن ضحوا في سبيل كرسيه وسوريتهم الصغيرة- وثمة أطفال يموتون من البرد والجوع، وترفع عنهم وسائل الدعم الكاذبة التي طالما كانت السوط الذي يتم به جلد السوريين منذ أن صار البعث حاكماً لأعمارهم وبيوتهم وأولادهم جيلاً بعد آخر، وأما من هم خارج منظومة عتاة المؤيدين فهم بالكاد يأكلون ويشربون فالبلاء العمومي لم يعد مقتصراً على من في قلبه ذرة رفض بل شمل حتى الرماديين والملونيين والانتهازيين وأنصاف كل هذه الفئات.
الآن بالضبط في المغرب هناك طفل يأمل في فسحة ضوء تأتي لتأخذه إلى بيته وحضن والدته وهذا ما يتمناه الجميع وأولهم من فقدوا أبناءهم في سوريا واليمن بتهمة إثم الرفض، وهنا أيضاً في بلادي النازفة وشتاتها البشري من يرنو إلى الأعلى بانتظار فسحة الضوء ذاتها.
المصدر: "تلفزيون سوريا"