مهند الحاج علي
بعد أكثر من 17 عاماً على اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية، بات النشاط الاقتصادي بين لبنان وسوريا في أوجّه. لم تمر على البلدين مثل هذه العلاقة الاقتصادية، صناعةً وتصريفاً، ليس للبضائع الأساسية أو للخدمات أو للعلاقات المصرفية في ظل العقوبات واحتجاز الودائع، بل للمخدرات، كما تشهد المضبوطات!
منذ السنة الماضية، تتوالى التقارير الصحافية الغربية عن الأحداث الاقتصادية في هذين البلدين الجارين، بصفتهما حالاً واحدة. جاء في تقرير موسّع لصحيفة "نيويورك تايمز" الشهر الماضي أن الكميات المضبوطة من حبوب الكبتاغون تضاعفت 18 مرة خلال 4 سنوات. في هذا التقرير، كان هناك كلام واضح أولاً عن الدور الرسمي السوري (الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد) في صناعة الكبتاغون في أماكن متفرقة على الأراضي السورية، وثانياً عن الترابط بين الدولتين بفعل علاقة رموز كارتيل المخدرات اللبناني بسوريا ونظامها، إذ باتت الحدود بين البلدين غير موجودة لهؤلاء (تقرير القناة الرابعة البريطانية أعاد تأكيد النقاط ذاتها مع حضور لافت لمشاركين في التهريب).
والربط هنا بين المجموعتين أساسي، وله مفاعيل سياسية، سيما أننا نتحدث عن نظام على المقلب السوري، وعن ساحة لبنانية مفتوحة على مصراعيها، إذ أن علاقة الحزب بالكارتيل على الجانب اللبناني غير واضحة المعالم. ذاك أن الاتهامات للتنظيم تُشير غالباً إلى سياسة غض النظر، أو الرعاية، أو إلى إشارات من هنا أو هناك لتورط أمني. في لبنان، هناك بنية تحتية قديمة لزراعة المخدرات وترويجها أو تصريفها، وهي متداخلة مع التركيبة الحزبية والعشائرية والعائلية للمناطق. لكن صنف الكبتاغون ازدهر مع الحرب السورية، وقد يكون أسهم في خلق واقع جديد على مستوى شبكات التوزيع. لكن الأرجح أن الحزب دخيل الى السوق، وليس أصيلاً فيها ومسيطراً عليها بالكامل كما يدعي البعض. من الصعب أساساً الحديث عن سيطرة كاملة على كارتيل من هذا النوع، وبهذا الحجم. والأرجح أيضاً أننا سنرى انعكاسات مختلفة في السياسة لهذا الواقع الجديد، وهو ما زال قيد التشكيل.
على سبيل المثال، من اللافت الى الآن الارتفاع في إعلانات الاعتقال بحق مروجي المخدرات بأنواعها المختلفة على الأراضي اللبنانية، رغم أن القدرات الأمنية في لبنان الى تراجع. كما من الضروري الانتباه الى ما ورد أخيراً عن اتهام عناصر عسكرية وأمنية في مساعدات عصابات سرقة السيارات ومروجي المخدرات (وهذان قطاعان متلازمان غالباً في لبنان). الحديث عن تمادي استخدام البزات الرسمية في نقل المخدرات عبر الحدود، يدل على التحول البطيء الحاصل. نحن أمام كارتيل يُصدر بضائعه مقابل العملات الصعبة، وبالتالي هو مقتدر وفي موقع يزداد فيه نفوذه، كلما ضعفت الدولة، وهي تُواصل انهيارها ولو ببطء.
والأرجح أننا سنرى انعكاسات مختلفة في السياسة لهذا الواقع الجديد، وهو ما زال قيد التشكيل والتطور. كيف لا ينعكس ونحن على أبواب انتخابات، وهي إن حصلت، ستفتح أبواباً لمن يملك المال وهم ليسوا أكثرية؟ في ظل الاحتضار المتواصل للمصارف وللقطاع السياحي بمختلف أذرعه، وللصناعة والزراعة مع اقفال الدول العربية أسواقها تباعاً أمامها، أيُعقل ألا يكون للكارتيل الأكثر انتاجاً في الاقتصاد اللبناني، تمثيلاً سياسياً؟
لم تتضح للآن خريطة المرشحين على الأراضي اللبنانية، لكن راقبوا جيداً أسماء المهربين الكبار وأقارب رموز الكارتيل. سيكون لهؤلاء تمثيل على مستوى دورهم في صناعة المستقبل، علاوة على من يُمثلهم أصلاً من أقطاب الممانعة وبعض "خصومها" في البرلمان. كارتيل المخدرات هو الحزب الجديد العابر للحدود، وقد يحمل صبغات مختلفة ويختلف قليلاً مع رعاته، ولكن يبقى المصدر واحد مع الممانعة: الاجرام والعداء للتنمية ولبناء الدولة ومؤسساتها.
المصدر: صحيفة "المدن"