صحافة

درس في الرضوخ للمستبد

الاثنين, 17 يناير - 2022

يحيى العريضي


يمكن لسوري أن يستوعب، وحتى "يقبل" مسؤولاً إماراتياً أو بحرينياً… أو مخلوقاً معطوب الضمير أن يزور أو يطبّع مع سلطة قتلت شعبه أو شردته أوعذبت أحباءه حتى الموت في معتقلاتها؛ ولكن يصعب وربما يستحيل أن يستوعب أو يقبل أي سوري أو فلسطيني حر أن يزور وفد "يمثل القضية الفلسطينية" منظومة قتلت أهله، أو أن يعتبرها إلا عدواً بقدر إسرائيل، لأنها تشكل أحد أدواتها في تضييع الحق الفلسطيني أيضاً.

وهنا لا نخاطب إخوتنا الفلسطينيين كثورة أو معارضة سورية، ولكن كضحايا لاستبداد وإجرام الجهة ذاتها التي أسهمت بمأساتهم. فمَن قَتَلَ السوريين وشردهم ودمر مخيم اليرموك ومخيم الرمل الفلسطيني في اللاذقية، بالتعاون مع فصائل أحمد جبريل وغيره، هو ذاته الذي دمّر حياة إخوتهم السوريين، بالتعاون مع من عمل على ذبح الفلسطينيين وقضيتهم.

يذكُر إخوتنا الفلسطينيون أن ياسر عرفات، عندما كان يضطر للمبيت في دمشق؛ لم يكن لينام في غرفة لها باب واحد؛ ليس خشية على حياته من إسرائيل بل من عملائها وأدواتها، وخاصة منظومة الاستبداد في دمشق؛ والتي لم تكن لتحتمل مَن يحول دون محاولاتها احتكار وابتلاع القضية الفلسطينية، للحفاظ على شعار الاستبداد الكاذب في المقاومة والممانعة.

    بالتأكيد لم ينسَ كثيرون "تل الزعتر"، وغيره من المآسي التي ألحقتها منظومة الاستبداد بأهلهم وقضيتهم

هم يعرفون أيضاً أن مَن منع نجدة الفلسطينيين في منتصف الستينيات لم يكن إلا حافظ الأسد، عندما كان مسؤولاً عن الطيران السوري. ويعرفون أيضا أنه بعد إخراج المقاومة الفلسطينية من الحدود الشرقية لفلسطين ونقلها إلى حدودها الشمالية في لبنان بأن الذي تعهد بضربها في لبنان وضرب تحالفها مع القوى التقدمية اللبنانية لم يكن إلا حافظ الأسد بحكم تعهده للكيان الصهيوني بحماية حدوده الشمالية مقابل استلامه لسوريا. وبالتأكيد لم ينسَ كثيرون "تل الزعتر"، وغيره من المآسي التي ألحقتها منظومة الاستبداد بأهلهم وقضيتهم.

لا يغيب عن ذهن أي فلسطيني أو سوري أن تلك المنظومة أطلقت على أحد أكره وأشرس فروع مخابراتها وأكثرهم إجراماً اسم "فلسطين" لتكريه السوريين والعالم بالقضية الفلسطينية. ويعرفون أن دعايات بيع الفلسطينيين لأرضهم، لم تكن إلا صناعة مخابراتية أسدية.

استدعى الحديث بهذا الموضوع زيارة "جبريل الرجوب" ورهط من ممثلي محمود عباس لمنظومة الاستبداد في دمشق. حقيقة ما كنت لأعير هذه الزيارة أي اهتمام لِصِغَر القائمين عليها؛ حيث أوفاها المحامي <أيمن أبو هاشم> حقها، عندما كتب فيها: ‏"زيارة وفد فتح إلى دمشق وإقامة مهرجان انطلاقة الحركة على أنقاض مخيم اليرموك، طعنة في ظهر كل الضحايا الفلسطينيين والسوريين، الذين قتلهم واعتقلهم ودمر بيوتهم وشردهم نظام الإجرام الأسدي. *فلسطين بريئة من قيادات تهدر دماء وكرامة شعبها وتتنكر لمآسيه*، وهي لا تمثل إلا مصالحها الرخيصة".

استوقفني في التوصيف عبارة "مصالحها الرخيصة". وهنا سألت صديقاً مُطلعاً بعمق على الوضع الفلسطيني في سوريا؛ فوافاني بالرسالة التالية، التي أضعها للقارىء كما هي:

 "حدثني أحد الأصدقاء المحامين الفلسطينيين في دمشق، وهو من المهتمين بملف مخيم اليرموك ومن وجهاء المنطقة الساعين إلى إعادة فتح المخيم أن زيارة مسؤولي فتح لم تكن بحجم الخبر؛ إنها لا تتعدى زيارة أعمال شخصية لصالح أبي مازن ومصالحهم الشخصية بغية الحصول على أكبر قدر ممكن من العقارات في مخيم اليرموك وغيره من أملاك حركة فتح الانتفاضة المستولى عليها من قبل مخابرات النظام. عرّابي هذه الصفقات بين النظام ومحمود عباس كانت ومازالت بثينة شعبان مع فيصل المقداد، بالتنسيق مع زياد الزغير أمين عام المنظمة.

أما بالنسبة لمخيم اليرموك فمحمد جلبوط مؤسس جمعية نور للإغاثة هو واجهتهم المالية لشراء هذه العقارات. ودائما ماكانت تلميحات الندام لمحمود عباس من خلال إعطاء السفير الفلسطيني مايريد من أملاك فتح الانتفاضة: مثل مشفى الطلياني وبعض العقارات في منطقة المزرعة...

في العلاقة، كانت هناك قطيعة بين النظام ومحمود عباس إلى فترة ٢٠١٤ _٢١٠٥ حينما اعتقل حافظ مخلوف ابن محمود عباس في دمشق. وكان ثمن الإفراج عنه علاقات مع منظومة الاستبداد وشرعنة إجرام النظام ضد ما سمّاه الإرهاب.  

آخر ما سمعته عن علاقة أزلام محمود عباس في دمشق كانت طلبات من النظام تسليم بعض عقارات حماس إلى منظمة فتح مع بعض الامتيازات التي لاتتجاوز رخص "فيميه" سيارات.

    غرام عباس وفريقه بمنظومة الاستبداد الأسدية درس في الرخص والرضوخ للمستبد والخنوع أمام مصالح صغيرة، يترفع عنها أحرار فلسطين

لم تتجاوز طلبات هؤلاء الصغار أكثر من بعض عقارات فتح الانتفاضة؛ ولم يكن وراء زيارتهم للجان مخيم اليرموك سوى طلب تسهيلات بيع الممكن من عقارات مخيم اليرموك لشخصيات اعتبارية مثل محمد جلبوط تحديدا".

علَّ إخوتنا الفلسطينيين يعرفون أن تربية وأخلاق هؤلاء الأشخاص الزائرين هي تماماً من فصيلة من زاروهم حتماً. لا استغراب في أن يلتمَّ "المتعوس على خايب الرجا". غرام عباس وفريقه بمنظومة الاستبداد الأسدية درس في الرخص والرضوخ للمستبد والخنوع أمام مصالح صغيرة، يترفع عنها أحرار فلسطين. فلسطين ووطنيوها وتضحياتهم أكبر من هؤلاء الذين رهنوا أنفسهم تاريخياً للاحتلال، أكان هذا الاحتلال اغتصاباً للحق والأرض والإنسان أو استبداداً وعمالة للمحتل. في النهاية ذاكرة أهلنا تسجل، والتاريخ لا يرحم، والحق عائد؛ طال الزمان أم قصر.


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :