بسام مقداد
انتهى العام 2021 بحملة إنتقادات واسعة في الإعلام السوري الموالي للأسد لموقف روسيا من القصف الإسرائيلي لميناء اللاذقية مرتين في الشهر الأخير من السنة. وتساءلت صحيفة سورية قي عنوان كبير"أين روسيا من قصف ميناء اللاذفية للمرة الثانية خلال شهر. وتحدثت أخرى عن رسالة سورية إيرانية "حازمة" إلى موسكو تبلغها عن نية الطرفين تنفيذ رد عسكري على الغارة ضد إسرائيل مماثلة للغارة على قاعدة التنف الأميركية الشهر قبل الماضي، رداً على قصف أميركي لأهداف قرب تدمر.
ويبدو أن تبرير نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا الأدميرال أوليغ جورافلافوف لعدم رد الدفاعات الجوية السورية بوجود طائرة نقل عسكرية روسيا في مجال قصف الدفاعات، لم يقنع الروس أنفسهم وليس السوريين فقط. فقام عدد من المواقع الإعلامية الروسية بنشر نصوص تعبر عن عدم رضى الروس عن قصف أهداف سورية قريبة من قاعدة حميميم. كما استخدمت روسيا الحدث للإعلان عن ما كانت تخطط له سابقاًن كما يبدو، من إرسال سفن جديدة لتنضم إلى أسطولها في طرطوس، تحمل صواريخ مجنحة مزودة بسلاح الموجات فوق الصوتية، وتغطي البحر المتوسط بأكمله.
صحيقة الكرملين vz نشرت في 30 الشهر المنصرم نصاً بعنوان "إسرائيل نصبت فخاً للطيارين العسكريين الروس". قالت الصحيفة بان روسيا بدأت عمليتها العسكرية في سوريا على نحو مفاجىء، وبعد الضربات الجوية الأولى، اقترحت موسكو على جميع البلدان المعنية اللقاء وتبادل الرأي بشأن مصالح كل منها.
وإذا كانت الولايات المتحدة وتركيا رفضتا الفكرة حينها، وافق الإسرائيليون على اللقاء. وبفضل مزيج من البراغماتية والثقة المتبادلة بين تل أبيب وموسكو تم التوصل إلى حل وسط "غير مسبوق، بمعنى ما". فقد كان إتفاقاً حساساً، شديد الأهمية للطرفين. في إطار هذا الحل الوسط لم تعرقل إسرائيل قضاء روسيا على الإرهابيين السوريين وهي تساعد بشار الأسد، عدو إسرائيل اللدود. فقد كانوا يدركون في تل أبيب أن بشار الأسد أبعد ما يكون عن الخيار الأسوأ للقائد السوري، مقارنة بمن قد يحل محله. ومن جانب آخر لم تتدخل روسيا في صراع إسرائيل مع إيران، عدوها الأشد، بما في ذلك على الأراضي السورية.
حياد روسيا وإسرائيل حيال أهداف بعضهما كان مسالة مبدئية. فقد التزمت إسرائيل بضمان أمن المواطنين الروس والمواقع العسكرية في سوريا خلال قصف اهداف فيها. ومن جانبها التزمت روسيا بعدم إستخدام قواتها العسكرية خلال صد سوريا هجمات إسرائيل. مثل هذه الهجمات كانت بالعشرات خلال السنوات الأخيرة بمستوى متفاوت من النجاح، وموسكو لم تتدخل حين كانت إسرائيل توجه ضربات للقواعد الإيرانية قرب الجولان، مما يشير إلى وجود إتفاقات ما أيضاً بهذا الشأن.
بعد أن تتطرق إلى الضربات الإسرائيلية الأخيرة على ميناء اللاذقية، تقول الصحيفة أنه "من المخزي للغاية لسوريا" أن إسرائيل هاجمت أهدافاً على الأراضي السورية عشرات المرات خلال السنوات الأخيرة، وكانت الطائرات الإسرائيلية تدخل من جهة البحر المتوسط وتضرب من دون أن تدخل الأجواء السورية. معظم هذه الضربات أصابت أهدافها، ولم تتمكن الدفاعات الجوية السورية ولا مرة من إسقاط الطائرات الإسرائيلية.
تسهب الصحيفة في تفسير أسباب فشل الدفاعات الجوية السورية، وتذكر من بينها حظر القيادة الروسية عمل هذه الدفاعات أثناء تواجد طائرات نقل عسكرية روسية في مجال قصفها، حتى لو كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف في هذه الأثناء، "والقيادة الإسرائيلية تعرف كل ذلك". وتقول بان الإسرائيليين إما أنهم يعرفون برنامج طلعات طائرات النقل العسكرية الروسية، وإما أنهم يبقون على مجموعة ضاربة على أهبة الإستعداد في المطار، وبمجرد إكتشاف طائرة تستعد للهبوط في حميميم (أو أي مطار آخر) تقلع المجموعة في الجو.
لتأكيد مقولة الفخ الإسرائيلي هذا الذي يسمح بالقول بخرق إسرائيل الإتفاق الروسي الإسرائيلي المذكور أعلاه، وبالتالي إسكات الإنتقادات السورية، تستضيف الصحيفة جنرالاً طياراً. يقول الجنرال بأن ضربات الطيران الإسرائيلي على مرفأ اللاذقية أثناء وصول طائرة روسية، "ليس صدفة، بل هو حساب دقيق". ويؤكد أن هذه كانت عملية خاصة للقوات الإسرائيلية، تقنية تكتيكية "تنفذ مهمتك الخاصة تحت مظلة العدو".
بعض المصادر تربط الضربات الإسرائيلية بالسلوك العدواني الإيراني المتنامي في سوريا في الفترة الأخيرة. وبما أن إسرائيل تعتبر أن روسيا ملزمة تنقيذ الإتفاقات غير المعلنة بشان حجم وجغرافية الوجود العسكري الإيراني في سوريا، تأتي الضربات الإسرائيلية تحت مظلة الطائرة الروسية كتحذير ما لموسكو من عواقب عدم تطبيق الإتفاقات. لكنهم في روسيا يرون في ذلك إبتزازاً إسرائيلياً لموضوع الإتفاقيات، وأن إسرائيل تعرض بذلك للخطر إنجازاً سياسياً مهماً ــــــ العلاقات الودية مع روسيا.
صحيفة NG الروسية نشرت في 28 من الشهر المنصرم نصاً بعنوان "إسرائيل تَضرب سوريا دون عقاب"، ألحقته بآخر ثانوي "القاعدة الروسية في الجمهورية العربية قد يعززوها بصواريخ "سيركون"". تنقل الصحيفة عن برفسور في أكاديمية العلوم العسكرية قوله بأن إسرائيل تحاول إبراز دورها كزعيم شرق أوسطي، وتجهد كي لا تصبح طائراتها هدفاً للدفاعات الجوية الروسية في المنطقة. ثمة ما يبرر خشية إسرائيل من أن تسقط أنظمة الدفاع الجوي الروسية صواريخها أو طائراتها وأن لا تتحقق أهدافها. في هذه الحالة ، سيتم توجيه ضربة قاسية لصورة الجيش الإسرائيلي. من ناحية أخرى، تنظر إسرائيل بحساسية شديدة إلى الشحنات الإيرانية إلى سوريا. وفي الوضع الراهن، تلعب إيران دوراً مهماً في تسوية الأزمة السورية، وتطمح لدور رائد في المنطقة. ويرى البروفسور أن من المستحيل تغطية سوريا بالكامل ضد الغارات الجوية، والإسرائيليون يعرفون جيداً مواقع أنظمة الدفاع الجوي الروسية والسورية، ويحلقون بعيداً عن مجالها من أجل ضمان إفلاتهم من العقاب.
إضافة إلى بروفسور أكاديمية العلوم العسكرية، تستضيف الصحيفة خبيراً عسكرياً يقول بان الطائرات الإسرائيلية نادراً ما تدخل الفضاء الجوي السوري، وبدلاً من ذلك تطلق صواريخها وتلقي قنابلها وهي فوق لبنان أو فوق المياه الدولية للبحر المتوسط. ومواجهة هذه الصواريخ والقنابل هي المهمة الرئيسية لمنظومة الدفاع الجوي "Pantsir-C1"، والتي تظهر نفسها على نحو جيد في هذا المضمار. وأطقم هذه المنظومات يتحملون العبء الرئيسي في تدمير صواريخ وقنابل الطائرات الإسرائيلية، ويتمكنون أحياناً من تدميرها كلها، "لكن غالباً ما يدمرونها جزئيا". ويشير الخبير إلى أن الجيش السوري، وحسب مصادر مختلفة، يملك بين 38 و 50 واحدة منها، ومن الواضح أنها لا تكفي لتغطية جميع الأهداف في سوريا. ويستهدف الجيش الإسرائيلي بضرباته نظام الدفاع الجوي السوري ويكبده خسائر بما فيها واحدتان من المنظومة المذكورة.
من جهة أخرى، ينقل موقع أوكراني ناطق بالروسية في 30 من الشهر المنصرم عن مركز الدفاع عن حقوق الإنسان السوري إلى أن الدفاعات الجوية الروسية في قاعدة حميميم أطلقت صواريخ على "أهداف غير واقعية"، اي في الهواء بكلام آخر. ويقول الموقع ان إطلاق الصواريخ جاء بسبب إستياء الناشطين السوريين المؤيدين للنظام من عدم تحرك روسيا اثناء الغارات الإسرائيلية على ميناء اللاذقية.
المصدر: صحيفة "المدن"