الطريق
صورتان من العاصمة السورية دمشق، خرجت الأولى منتصف عام 2021 والثانية نهايته، فيهما التعبير الأبلغ عن أوضاع السوريين في 2021.
الصورة الأولى: تخلّى رجل عن طفلتيه الصغيرتين في مستشفى المواساة بالعاصمة دمشق، مع رسالةٍ يقول فيها إنّهما بحاجة إلى ماء وطعام، وإنّهما لم تتناولا شيئا منذ أيام.
وأما الثانية، التي انتشرت قبل أيام، فلرجل خمسيني من غوطة دمشق، عبر تسجيل مصوّر يشرح خلاله، وهو يبكي، تكاليف وجبة الطعام الواحدة بنحو 4 آلاف ليرة، وكيف وصل سعر رغيفي الخبز إلى ألف ليرة وحفنة الشاي أو البيضة الواحدة إلى 500 ليرة، وإلى جانبه موقد نار يشبه طرائق العصر الحجري، وكيف يمزق الألبسة ويلمّلم بقايا الأحذية والأخشاب من الشوارع ليوقد النار، للطبخ والتدفئة، قبل أن يختم بالدعاء على نفسه بالموت، لأنه يعيش الذل والعجز عن إطعام ولده وزوجته.
صورة قاتمة
وهناك صور، أكثر قتامة ووجعاً، تنقلها عدسات الصحافيين والمصورين الأمميين من مخيمات النزوح ومناطق اللجوء، فهناك، يضاف طعم الغربة عن البيت والأهل، وتوّقع الموت بقصف طيران الوطن، إلى جانب معاناة الأخوة بمناطق النظام، من جوع وبرد وإذلال وتخلٍ.
وأما في صور التوثيق ومنطق التأريخ، فببساطة لم يكن عام 2021 كما الوعود والتوقعات عاماً حاسماً، لا بالنسبة للسوريين المتطلعين إلى دولة ديمقراطية وعدالة بتوزيع الثروة والفرص، ولا حتى لنظام بشار الأسد الذي عّول على حلفائه، في موسكو وطهران، لاستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، أو العودة إلى الحظيرة العربية والمجتمع الدولي.
ولم يكن لقانون "قيصر" الأميركي، الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران عام 2020، أي مفاعيل تذكر، اللهم سوى مزيد من تفقير السوريين، حتى وصل الأمر نهاية عام 2021 بمارتن غريفيث، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إلى القول: إن أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وإن كثيرين يضطرون إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.
كما قال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمية ديفيد بيسلي إن "نحو 12,4 مليون شخص في سورية لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، وهو عدد مرتفع أكثر من أي وقت خلال النزاع المستمر منذ عقد".
وفي آخر إحصاء لتكاليف معيشة الأسرة السورية المكونة من خمسة أفراد، ناهزت هذه التكاليف مليوني ليرة نهاية عام 2021، في حين لا يزيد متوسط أجر العامل السوري، بعد الزيادة بنسبة 30% خلال شهر ديسمبر/كانون الأول، عن 92.970 ليرة سورية.
وزادت نفقات السوريين جراء ارتفاع الأسعار بين 40 و70% خلال عام 2021، بعد أن تراجع سعر صرف الليرة من 2800 مقابل الدولار مطلع العام وتعدى 3600 ليرة نهاية 2021.
كما طرأت مصاريف جديدة على نفقات الأسرة، تتعلق بالإنارة والتدفئة والطبخ والمواصلات، جراء انقطاع التيار الكهربائي أكثر من 20 ساعة يومياً طيلة العام، ورفع أسعار المشتقات النفطية خلال العام بين 4 و6 مرات، كان أقساها على السوريين رفع سعر المازوت بنسبة 250% في يوليو/تموز الفائت.
ليقفز، بالتالي، متوسط تكاليف معيشة الأسرة في شهر ديسمبر/ كانون الأول من 2021 بمقدار 152,776 ليرة سورية عن التكاليف التي تم تسجيلها في شهر يوليو الماضي، وفق مركز "قاسيون" من العاصمة السورية دمشق.
ارتفاع تكاليف المعيشة
وارتفعت نسبة تكاليف المعيشة، خلال الربع الأخير من عام 2021، بنسبة 8.2%، أي من 1,847,200 ليرة سورية في سبتمبر/أيلول إلى 2,026,976 ليرة في ديسمبر/كانون الأول، لتبقى نسبة ما تشكله الأجور من تكاليف المعيشة نحو 4.5% فقط.
ووُضع السوريين، أو من تبقى منهم بالداخل، أمام خيارات صعبة لردم الفجوة السحيقة بين الدخل والإنفاق، فرأينا وتابعنا انتشار الفساد والجريمة والانحلال الأخلاقي، بعد اللجوء إلى بيع الممتلكات ومحاولات العمل الثاني ببلد تزيد نسبة البطالة فيه عن 82%.
وبجرد سريع لمستوى الأسعار بعد الانسحاب التدريجي للدولة وتقليص كتلة الموازنة الخاصة بدعم الغذاء والمحروقات، نرى أن سعر ربطة الخبز "أقل من كيلوغرامين" ارتفعت بنسبة 100% رسمياً إلى نحو 200 ليرة سورية.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه حكومة الأسد عجزها عن تأمين المادة للمستهلكين، كان عام 2021 عام طوابير المحروقات والخبز بامتياز، بعد انتشار سوق سوداء يصل سعر كيلوغرام الخبز فيها إلى أكثر من 1000 ليرة سورية والمازوت إلى أكثر من 1300 ليرة سورية.
كما ارتفع سعر حصة الفرد اليومية من اللحوم، المقدرة بنحو 75 غراماً، من 924 ليرة في سبتمبر إلى 1,837 ليرة في ديسمبر، أي ما يصل إلى 99%.
كما أُلحقت الحلويات إلى خانة الترف والكماليات عند السوريين، بعد أن ارتفعت حصة الفرد من الحلويات، نحو 112 غراما، من 896 ليرة إلى 1,344 ليرة خلال الربع الأخير من عام 2021، بعد الارتفاعات خلال الأرباع الثلاثة السابقة من العام.
ولم تسلم السلع الاستهلاكية الضرورية واليومية من سعير ارتفاع الأسعار، إذ بحسب أرقام المركز السوري، سجلت أسعار الأجبان ارتفاعاً كبيراً خلال الفترة نفسها، حيث قفز سعر 25 غراما من الجبن من 212 ليرة في سبتمبر إلى 320 ليرة في ديسمبر، أي أنها شهدت ارتفاعاً يزيد على 50%، وكذا بالنسبة للخضر والفواكه التي ارتفعت بالنسبة ذاتها.
وينسحب الحال على بقية تكاليف الحد الأدنى للحاجات الضرورية للسوريين، بعد ارتفاع أسعار حوامل الطاقة وندرتها، مثل النقل والاتصالات والتعليم والألبسة، ، لتصل خلال الشهر الأخير من عام 2021 إلى نحو 760 ألف ليرة سورية، بنسبة ارتفاع اقتربت من 65%.
تكالب الشركاء
ويأتي استمرار التكالب على ثروات سورية، أو ما فاض منها عن أطماع شركاء الأسد، في إيران وروسيا، علامة فارقة لعام 2021.
فبعد أن تراجع الإنتاج الزراعي عموماً، وبمقدمته القمح من نحو 4 ملايين طن قبل الثورة إلى أقل من 800 ألف طن عام 2021، والزيتون من أكثر من 1.1 مليون طن إلى نحو 650 ألف طن، وكذا على الثروات فوق الأرض وتحتها، بعد أن عرّى تراجع النفط من نحو 385 ألف برميل يومياً قبل الثورة، إلى نحو 30 ألف برميل اليوم، نظام الأسد، إثر بلوغ فاتورة المستوردات الشهرية أكثر من 200 مليون دولار.
ومن غرائب عام 2021 أن وفوداً روسية غير حكومية زارت مدن سورية لإبرام اتفاقات قطاعية، بعيداً عن الوجود السوري الرسمي، وذلك بعد محاولات السيطرة على المقدرات لاسترداد الديون والاحتلال، عبر اتفاقات النفط والغاز والفوسفات، وإقامة رصيف بحري عائم بمدينة طرطوس الساحلية التي سيطرت على مرفئها بعقد يمتد لـ49 عاماً.
كما قامت إيران بمحاكاة منافستها روسيا عبر اتفاقات وشراء أراض، مع أطراف حكومية وغير حكومية خلال عام 2021، وسيطرت على مرفأ اللاذقية كما سيطرت منافستها على طرطوس، لتمرير أحلامها النكوصية بالاحتلال والسيطرة ونقل الأسلحة، ما دفع طيران الاحتلال الاسرائيلي لقصف مرفأ اللاذقية مرتين أواخر العام، ثانيتهما 28 ديسمبر 2021.
توقعات 2022
وأما مؤشرات العام المقبل فالأوضح دلائلها من الموازنة، بعد عام يعتبره السوريون الأسوأ منذ عام 2011، على مستوى معيشتهم وحرياتهم، ما دفع الآلاف منهم للهجرة غير الشرعية، عبر مناطق سيطرة الإدارة الذاتية "شمال شرق" باتجاه كردستان العراق، أو جواً من دمشق وبيروت إلى بيلاروسيا، لتكون مشاهد طلاب العيش الكريم على الحدود البيلاورسية البولندية مأساة أخرى في عام 2021 وتعرية إضافية لمجتمع الشمال الديمقراطي.
ومن موازنة عام 2022 التي تراجعت إلى 5.3 مليارات دولار عن موازنة عام 2021 البالغة 6.8 مليارات، ربما المؤشر الأبلّغ إلى الذي ينتظر السوريين وينتظرونه في العام الجديد.
فالموازنة التي أقرت عجزاً بنحو 4118 مليار ليرة، قلصت، بالوقت نفسه، كتلة الدعم الاجتماعي عما كانت عليه بموازنة 2021 البالغة 5529 مليار ليرة، ليكون التلويح بالانسحاب من كامل الدور الاجتماعي، ومحاولة تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي، بهدف التأسيس لقروض وبدء توزيع كعكة خراب سورية، عبر مقولة "إعادة الإعمار"
ويأتي عرض مسؤولو نظام الأسد المشاريع الحكومية للخصخصة وذريعة توزيع الدعم لمستحقيه فقط، ليكونا أبرز ملامح العام المقبل التي ستضاف لصور تشويه الحق والعدالة وتطلعات الشعوب، وتأديب العالم المتطلع للحرية، عبر بطون السوريين ومحاولات إذلالهم.
المصدر: صحيفة "العربي الجديد"