أحمد عمر
تتوالى أخبار نجاح السوري تحت شمس المنافي، بعد أن خرج من ظلمة الغرف الضيقة والخطوط الحمراء وفوق الحمراء السورية، فقد سبق السوريُّ الوافد المواطنَ المقيمَ في بعض الثانويات العامة في الكويت ومصر وقطر وتركيا وتفوق الطالب السوري في مدينتين ألمانيتين على الطالب الألماني، وتولى السوري بعض المناصب في ألمانيا وأستراليا وبلجيكا، وزاراتٍ وبلديات وانتدى في مجالس شعب. أول ما يفعله العفريت بعد خروجه من القمقم في حكاية "التاجر والعفريت" هو قذف القمقم في البحر، والقمقم هو النظام الذي ما يزال يلاحق النازحين بالإشاعات والتخويف من داعش، وكأن الشعب السوري عبدٌ أبق.
المؤشرات الظاهرية تقول: إن نجاح السوريّ في مصر أكبر منه في تركيا، ليس لدنيا إحصاءات اقتصادية دقيقة. وأروي للقارئ قصة صديق سوري فرَّ من إحدى دول الخليج بعد الحجر العام بسبب كورونا، فتضرر عمله وأغلق معمله للحلويات، وتراكمت ديونه، ولاحقه الإنتربول، وهو يراجع الدوائر الحكومية في مراجعات الإقامة الجديدة، رفقَ الموظفون به، ثم اضطروا إلى اعتقاله، ووجدوا حيلة قانونية تجنب تسليمه للدولة التي طالبت به، سجن شهرا وخرج، أبدى إعجابه بالسجون المصرية، ليس لأنها سجون مثالية بل لأن المعتقلات السورية أسوأ معتقلات في الأرض طرًا.
لا يزال السوري فالحًا وماهرًا، فقد كان الموظف السوري مضطرًا إلى العمل بعد الوظيفة أو في أثنائها إذا سمحت شروط الوظيفة بالعمل، حتى يقيم أود أسرته، وبالعمل الكثير تقل الجودة. و يظنُّ أنَّ لشهرة السوري في مصر سببان، أولاهما أنّ السوري لم يخضع لجذب وشدٍّ بين المعارضة والنظام فليس في مصر ديمقراطية تجعل السوري موضوعًا للصراع، بل إن النظام المصري يستدر عطف النظام الدولي بالسوري ويحوز على معونات مالية، الثاني؛ أن مصر كانت عبر تاريخها وطنًا لكل من ينزح إليها، وكان اليونانيون والإيطاليون في عصر الحكومات الملكية ينزحون إليها وإلى سوريا اللتين كانتا آمنتين وغنيتين، وهو ما تقر به الوثائق المكتوبة والمصورة، بل إننا لو مضينا إلى التاريخ لوجدنا المماليك، وكانوا عبيدًا سادوا مصر قرونًا أربعة، والأيوبيين الوافدين بلغتنا المعاصرة سادوا قرنًا أو نحو ذلك، وهم كرد من العراق، وحكمها قديمًا البطالمة، وهي أسرة إغريقية، حتى يقال إن مصر لم تحكم من مصريين منذ عهد الفراعنة.
وهناك أسباب أخرى لسرعة الاندماج السوري في مصر، مثل اللغة والدين، فحاجز اللغة يعيق اندماج السوري في الأقوام الأعجمية. وقد اشتهرت براعة السوريين في صناعة الطعام الطيب، والمصريون أقل براعة في الطعام، فلم يترف الشعب المصري، فقد حرصت الأنظمة المصرية المتعاقبة وملوكها على إجاعة الشعب المصري الذي لم يشبع قط.
كما أن النظام المصري لم يجد خصومة مع النازحين، وهم قلة مقارنة بالنازحين إلى تركيا، بل إن الإعلام المصري استخدم السوريين لإهانة المصريين وتعييرهم بالكسل، أو تحفيزهم للعمل، أو لومهم على فقرهم بدلا من لوم الدولة والنظام.
السوري في أوروبا أشد انضباطًا بسبب القوانين الأوروبية الصارمة، وخبرة الأوروبيين في استقبال النازحين والأيدي العاملة
نافس السوريون الترك في مجالات العمل، وعددهم غير قليل، فهم يبلغون ثلاثة ملايين أو أكثر، وهو عدد مؤثر، واجتمعوا في مناطق مثل عينتاب وإسطنبول، وأجورهم في الاستخدام الخاص كعمال أقل، فليس لهم حقوق عمل، وقد وجدت فيهم المعارضة التركية ورقة سياسية لمكايدة حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي أكثر من تذكير الترك بالمهاجرين والأنصار، ووقعت أعمال عنف بين الطرفين، في عدة مناطق، كان آخرها أنقرة، كما أن جهات سياسية عربية استغلت السوريين للسخرية بالترك، كما فعلت قنوات عربية وسورية، فأوقف سبعة سوريين بتهمة أكل الموز، الترك لهم عادات لم يألفها السوريون على جوارهم، ومصر أقرب وإن بعدت جغرافيًا، أو أن الترك وجدوا في صخب السوريين وخشونتهم عجبا.
السوري في أوروبا أشد انضباطًا بسبب القوانين الأوروبية الصارمة، وخبرة الأوروبيين في استقبال النازحين والأيدي العاملة، وليست كل البلاد الأوروبية جنة عدن، فثمة سيدة سورية مهددة بالطرد من الدانمارك مع أن زوجها دنماركي، لسبب هو أن دمشق آمنة في الأخبار التي يبثّونها، بينما فوجئت تركيا بكل هذا العدد من النازحين الذي لم يكن لها بها عهد من قبل.
عرف كاتب السطور سوريًا وحيدًا زار ألمانيا في الستينيات، وجد سوريا أجمل مع حاجة ألمانيا وقتها إلى الذكور بعد مقتلة الذكور الكبرى في الحرب العالمية الثانية. ويجمع ممن ضم مجلسنا أن السوري الواصل حديثا إلى المنفى الأوروبي الغربي أحسن حالا وأكثر حقوقا، وأندى من الوزير السوري المقيم في القمقم بطونَ راح.
المصدر: "تلفزيون سوريا"