إبراهيم العلوش
آخر محطات قطار الموالين للنظام هي محطة الولاء لـ”الكبتاجون” الذي تدير صناعته “الفرقة الرابعة” بقيادة ماهر الأسد، وفق ما تقوله صحيفة “نيويورك تايمز”، إذ إن سوريا صارت دولة مخدرات أسوة بأفغانستان وكولومبيا كما تقول الصحيفة في تقريرها الذي نشرته في كانون الأول الحالي.
تدير “الفرقة الرابعة” النشاط الاقتصادي للموالين و”الشبيحة”، وتعتبر أن سوريا هي مزرعة خاصة، وعليها الاستفادة منها إلى أقصى درجة، وما على الموالين إلا تدبيج شعارات المقاومة، والدفاع عن العلمانية، ومحاربة الإرهاب التي تنتشر كقنابل دخانية لتمرير شحنات “الكبتاجون”، ولتعبر من معامل “التضامن” في دمشق و”ميديكو” في حمص و”البصة” في الساحل، كما تقول عدة مصادر دولية، ولتبحر من ميناء “اللاذقية” الذي صار من أشهر موانئ تصدير المخدرات في العالم.
يعتبر “الكبتاجون” من المنشطات العصبية ذات الأثر الإدماني، وقد استُخدم من قبل ضباط النظام بشكل واسع منذ بداية الثورة السورية عام 2011، إذ أدمنه كثير من الجنود، وصاروا زبائن دائمين لمنتجات “الفرقة الرابعة” التي ازدهرت بشكل واسع.
وطوّر “حزب الله” معامل خاصة في القلمون، ونقل صناعته إلى نشاط منزلي شديد السرية زاد من عملية الإنتاج بشكل كبير. وصارت سوريا من الدول الرئيسة في إنتاج “الكبتاجون” بالإضافة إلى لبنان، والجديد في شبكة تهريب “الكبتاجون” أن المصادر الدولية تؤكد أن “حزب الله” يستثمر مدينة القصير كمحطة من محطات عبور المخدرات من وإلى لبنان، بعد أن قام بتهجير أهلها وتدميرها بحجة محاربة الإرهاب ودعم محور المقاومة.
وقد ضُبطت شحنات من حبوب “الكبتاجون” مصدرها ميناء “اللاذقية” والطرق البرية السورية بأرقام قياسية، مثل 84 مليون حبة وبقيمة مليار دولار في إيطاليا العام الماضي، وكذلك في اليونان وفي مصر وصولًا إلى 95 مليون حبة في ماليزيا، ناهيك عن الصادرات السورية من الخضار والفواكه التي صارت محشوة بـ”الكبتاجون”، وضُبطت عشرات الشحنات المتوجهة إلى الأردن والسعودية والإمارات، وهذا ما شكّل ضربة للمزارعين السوريين، وجعل منتجاتهم موضع الشك وعدم القبول.
وفي نفس الوقت الذي تنهمك فيه “الفرقة الرابعة” بتطوير أساليب صناعة “الكبتاجون” وإضافة صناعة “الكريستال ميث” المخدر ومشتقات أخرى أشد خطورة، فإن انتشار المخدرات بين الشباب السوريين في المناطق التي يحتلها النظام يتوسع بشكل كبير نتيجة اليأس والجوع وجشع “الشبيحة” وأمراء الحرب في الكسب السريع والفاحش من تجارة المخدرات.
لا يستطيع أحد الاعتراض على رغبات ماهر الأسد، ولا على استراتيجيته الاقتصادية القاضية بتوطيد سياسة النهب التي ابتدأها بـ”الترفيق” وبـ”التشليح” على الحواجز، ووصل أخيرًا إلى تصنيع وتصدير المخدرات، وهذا ما يعيد سيرة رفعت الأسد الذي كان يستولي على الأراضي والمتاجر في دمشق في ظل الخطابات التاريخية لحافظ الأسد عن الأمة العربية، والديمقراطية الشعبية، والنظام الاشتراكي ومحاربة الرجعية، وما إلى ذلك مما لا ينطبق على أجهزة المخابرات، ولا على أخيه رفعت الأسد، ولا على ممارسات أنصاره الذين اكتسبوا سمعتهم من أحداث حلب وحماة الدموية (1980- 1982)، ومن تعذيب وقتل المعتقلين في سجن “تدمر” وفي غيره.
الولاء لـ”الكبتاجون” وتهريبه وترويجه بين السوريين في مناطق النظام دعمته الميليشيات الإيرانية التي طوّرت صناعته عبر عناصرها الذين جاؤوا من أفغانستان وإيران ولبنان والعراق، ممن لديهم تجارب في صناعة المخدرات وتهريبها.
وتعتبر المخدرات اليوم رافدًا مهما من روافد محور المقاومة الذي تديره إيران حفاظًا على أمنها الاستراتيجي كما تقول، وهذا الأمن صار واضحًا أنه يقوم على قاعدة أساسية هي تهديم دول المقاومة، من أجعل إرغام شعوبها على الاستسلام المديد للميليشيات ولأهداف إيران، ولعل صناعة “الكبتاجون” وتهريبه من أهم معطيات هذا المحور، لما له من قيمة تمويلية، بالإضافة إلى قيمته التدميرية للمجتمعات المضيفة لمحور المقاومة ولميليشياته الإرهابية.
قطار الولاء لخطابات “القائد” حافظ الأسد الذي انطلق منذ سبعينيات القرن الماضي، قاد إلى محطة القبول بالنهب الاقتصادي من قبل عائلة الأسد، وقاد إلى محطة قبول التعذيب منذ الثمانينيات والسكوت عن انتشاره ضد السوريين، وقاد إلى محطة قبول البراميل المتفجرة والمذابح الجماعية مع بداية الثورة، وقاد إلى قبول الاحتلال الإيراني وممارساته، وقاد إلى قبول التدريبات الروسية فوق المدن السورية وعلى الأسواق والمستشفيات، ولن تكون محطة “الكبتاجون” آخر محطات الاستسلام والخضوع التي تديرها شبكات النظام وتجبر السوريين على قبول كوارثها المتوالية.
ثورة السوريين في آذار 2011 كانت محاولة للخلاص، وللقفز من قطار الموت الذي لا يزال يقوده هذا النظام ويورّط السوريين بجرائمه، ولعل انتشار المخدرات هو آخر الهدايا لمن تبقّى من الشباب السوريين في مناطق النظام!
المصدر: موقع "عنب بلدي"