صحافة

أنا والمفتي

الخميس, 18 نوفمبر - 2021

فؤاد عبد العزيز


التقيت بالشيخ أحمد حسون عدة مرات على مدى نحو ثلاثين عاما، قبل أن يصبح مفتيا وبعدها.. لكن أكثرها ثراء، كانت تلك التي على انفراد، حيث يتمتع الرجل بجرأة لا يمكن أن تحصل عليها عندما يكون وسط المجموع وممسكا بميكرفون الخطابة.. ولا أستطيع هنا أن أخفي دهشتي مما سمعته منه من آراء وأحكام، فيما يخص الدين الإسلامي، كما وتوقعت من جهة ثانية، أن يكون أول المنشقين عن هذا النظام لدى انطلاق أحداث الثورة السورية في العام 2011، نظرا لغمزاته من النظام السياسي، والتي تشي بأنه يملك موقفا، يمكن وصفه بأنه غير راضٍ عن أداء رئيس الجمهورية.

في عام 2010، كنت أعد برنامجا اقتصاديا من ثلاثين حلقة عن المصارف الإسلامية، للموسم الثاني على التوالي، لصالح تلفزيون الدنيا، وارتأيت أن أدخل بعض التجديد على البرنامج من خلال استضافة المفتي أحمد حسون في الحلقة الأولى.

وكما هو معروف فإن الفترة التي تتضمن استقبال الضيف وانتظاره والاستعدادات للتصوير، غالبا ما تأخذ نصف ساعة، وفي حال حدوث خلل فني، فإن الوقت قد يمتد لساعة أو أكثر. 

في ذلك اليوم، طلبت من المذيع المعروف "نزار الفرا" أن يكون معي في استقبال المفتي، والذي بادره على الفور، مسجلا اعتراضه على الكثير من كتب التراث الإسلامي، الفقهي والعقدي، بما في ذلك كتب الصحيح من الحديث، ووصولا إلى كتب التفسير والسير النبوية وغيرها. فما كان من المفتي حسون إلا أن أبدى مرونة غريبة مع الطرح، وأخذ يتحدث عن صولاته وجولاته مع الأزهر الشريف، من أجل إلغاء هذا التراث بالكامل، والاكتفاء بالقرآن الكريم فقط.

وقال حينئذ إن الكثير من علماء الدين المرموقين، غير راضين عن كتب التراث هذه، ومن ضمنها، صحيح البخاري ومسلم، إلا أن أيا منهم لا يجرؤ على المطالبة بوقف التعامل معها، أو إلغائها.. وانتقد كثيرا كتب التفسير والتاريخ، ووصفها بأنها تحوي كثيرا من الهرطقات والمعاني غير المألوفة وغير المنطقية، لكن رجال الدين مضطرون للتعامل معها، من باب أنه لا توجد وثائق قريبة من عصر النبوّة سواها. 

ويومئذ، خرجنا بانطباع، نزار وأنا، بأننا أمام رجل دين عصري بكل معنى الكلمة، وكان الأولى به لو يلبس بدلة عادية، بدلا من العمامة والجلباب، والتي تظهره كأي رجل دين تقليدي.

أما فيما يخص موقفه السياسي، فقد سمعته في إحدى المرات يصف بشار الأسد بالولد، عندما دخل عليه شخص وهمس في أذنه بينما كنت أجلس في مكتبه في دار الإفتاء. 

لقد تكدّر مزاجه في ذلك اليوم، ويبدو أن الشخص نقل له خبرا عن عدم موافقة رئيس الجمهورية على إحدى سفراته الخارجية؛ لأنه تحدث أمامي بعدها، بأنه عندما يسافر إلى الخارج فإنه يقوم بمجهود كبير لتقديم صورة حضارية عن سوريا، قد تعجز عنها وزارة الخارجية، بينما القيادة لها رأي مختلف.. ثم أقفل الحديث بتبادل ابتسامة معي، وكأنه يريد أن يقول أن كلينا يعرف الوضع فلا داعي لمزيد من الشرح.. وأنا من جهتي بادلته نفس الابتسامة مع هزة بالرأس إلى الأسفل، دلالة أنني أفهم عليه.

هذان الموقفان، جعلاني أخرج بانطباع عن المفتي أحمد حسون، أنه قليل دين من جهة، وبراغماتي من جهة ثانية، لكن أبدا لم أتوقع أن يقف في صف السلطة خلال الثورة السورية، لا سيما أن البراغماتية تقول، بأن النظام خاسر في معركته مع الشعب، وهو ما بدا واضحا في السنوات الأربع الأولى من الثورة.. لكن وعلى ما يبدو وكما أخبرني أحد المقربين من المفتي، فيما بعد، بعد أن رويت له موقفه السابق من النظام، بأن المسدس كان دائما بالقرب من عمامته، وهو من جهة أخرى لا يرغب أن يموت شهيدا، وكان يفضل أن تمضي الأمور إلى نهايتها، أيا تكن هذه النهاية.. باستثناء القتل بطلقة في الرأس.


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :