سامر إلياس
فيما يواصل السوريون السعي إلى الهرب من جحيم الحرب وتأثيراتها المأساوية على بلادهم، لا يدخر الجنود الروس جهداً ولا مالاً من أجل الوصول إلى "جنة حميميم"، نسبة إلى قاعدة حميميم العسكرية الروسية في محافظة اللاذقية الساحلية غربيّ سورية، والخدمة في هذا البلد، حيث المياه الدافئة والامتيازات الكبيرة.
وكشفت صحيفة " كوميرسانت" الروسية، اليوم الأربعاء، عن محاكمة أكثر من 36 جندياً من منطقة سخالين شرقيّ روسيا، حاولوا الذهاب للخدمة والقتال مع الجيش الروسي في سورية، مقابل دفع رشى لمحامٍ عسكري كان قد أدين سابقاً ثلاث مرات بالاحتيال، وواصل بيع الأوهام للجنود.
ونقلت "كوميرسانت" عن مصادر في وكالات إنفاذ القانون، قولها إن المحاكم العسكرية في منطقة الكوريل ويوجنو سخالين ( شرقيّ روسيا) قد نظرت في قضايا جنائية ضد العسكريين، المتهمين من قبل ضباط قسم التحقيق العسكري في لجنة التحقيقات الروسية في المنطقة العسكرية الشرقية، بارتكاب جرائم محاولة رشوة. وبحسب المصادر، فإن إيفان زاركوف، الذي عمل مستشاراً قانونياً في الوحدات العسكرية المحلية، أخبر الجنود أن لديه معارف في دائرة شؤون الأفراد بالمنطقة العسكرية الشرقية، يشكلون فرقاً لإرسالها إلى سورية. ووعد المستشار القانوني الجنود بالمساعدة، مقابل 20 ألف روبل (أقل من 300 دولار) بالنسبة إلى الجنود والعرفاء، وما بين 30 و40 ألف روبل بالنسبة إلى الضباط. وتسلّم زاركوف عبر بطاقة مصرفية أو نقداً، مبالغ من الراغبين في الخدمة بسورية في عامي 2019 و2020، وتسلّم نسخاً من وثائقهم وأوراقهم الثبوتية عبر تطبيق "واتس أب" الخاص به.
وأدانت المحكمة الجنود لأنهم دفعوا رشى مالية من أجل الحصول على إيفاد للخدمة في سورية، لأن كل من يخدم في سورية، وخارج روسياً عموماً، يُعتبَر تلقائياً محارباً قديماً في أعمال عسكرية مع مدفوعات شهرية مدى الحياة، وإجازة إضافية لـ15 يوماً، وزيادة البدلات النقدية، بما في ذلك بدل السفر بالعملة الأجنبية مع الاحتفاظ بالمدفوعات في روسيا.
الجنود الخائبون الذين لم تتكلل محاولاتهم بالنجاح، اشتكوا إلى قادتهم. وكشف ضابط استخبارات عسكرية أمام المحكمة، أن جنوداً اتصلوا به بعد عدم إيفاء المستشار القانوني بوعوده.
اللافت أن المستشار القانوني إيغان زوركين، الذي استولى من طريق الاحتيال على الأموال التي جُمعَت للرشى، والمقدرة بنحو 250 ألف روبل (الدولار قرابة 71 روبلاً) لم يعاقب بشدة، على الرغم من توجيه اتهامات قاسية له تصل عقوبتها إلى أكثر من ست سنوات من الحبس، وكما في المرات الثلاث السابقة، فإن عقوبته كانت مخففة. فبعدما قضت المحكمة عليه بالعمل لخدمة المجتمع لمدة ستة أشهر، واقتطاع عشرة في المائة من راتبه العسكري، تم استبدال العقوبة بتقييد على الخدمة العسكرية لمدة عام وستة أشهر (في أثناء التقييد، لا يمكن العسكري الحصول على رتبة أخرى أو منصب أعلى) مع الاحتفاظ بحسم العشرة في المائة.
في المقابل، قضت المحاكم بتغريم "الزبائن الخائبين" بغرامات تراوح بين 30 و90 ألف روبل يجب تحويلها إلى حساب دائرة التحقيقات العسكرية التابعة للجنة التحقيق التابعة للاتحاد الروسي في المنطقة العسكرية الشرقية. بالإضافة إلى ذلك، يجب عليهم تغطية التكاليف القانونية من جيوبهم الخاصة. وقد استأنف بعض العسكريين قرارات المحاكم
ولا تُعَدّ سابقة، محاولات الجنود الروس دفع رشى من أجل المساعدة في إيجاد فرصة للخدمة في سورية، ففي عام 2020 حُكم على ضابطين في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية بالسجن بعد إدانتهما بجمع أموال من جنود في قطعاتهم العسكرية كانوا يرغبون في الذهاب إلى سورية، وجُرّد أنطون دانيلوفسكي نتيجة المحاكمة في مايو/ أيار من العام الماضي من رتبته العسكرية، مع عقوبة السجن لمدة عام ونصف عام.
ويتقاضى الجنود والموظفون العسكريون الروس في سورية أربعة أضعاف ما يتقاضاه المتعاقدون في داخل روسيا. ويصل راتب العسكري إلى 1800 دولار أميركي مقابل 26 ألف روبل (400 دولار) في داخل روسيا، ويصل المبلغ إلى الضعف بالنسبة إلى الضباط الذين يظفرون بالخدمة في سورية. وعادة ما تقتصر مدة الخدمة في الخارج على ستة أشهر أو سنة، لكن الجنود والضباط يسعون بكل الوسائل إلى تمديدها.
ولم يقتصر الفساد في صفوف جنرالات وضباط الجيش الروسي على الحصول على رشى من أجل تأمين خدمة للجنود في سورية، بل امتدت إلى عمليات احتيال وسرقة رواتب. ففي بداية 2020، حكمت محكمة عسكرية روسية على الجنرال سيرجي تشوفاركوف بالسجن ثلاث سنوات، بسبب سرقته أكثر من 450 مليون روبل روسي (7 ملايين دولار). وأدين تشوفاركوف، الذي كان يشغل منصب رئيس مركز المصالحة الروسي في حميميم، ما بين مايو/أيار وسبتمبر/أيلول 2016، بارتكاب عمليات احتيال واسعة النطاق وسرقة رواتب سبعة مرؤوسين. وكشفت وكالة "تاس" للأنباء حينها أن الجنرال، الذي كان يشغل أيضاً منصب نائب رئيس الأكاديمية العسكرية للأركان العامة، أبرم عقداً بين الأكاديمية العسكرية وشركة كبيرة متخصصة في حماية لمعلومات، وعمل على سحب الأموال التي من المفترض دفعها لموظفي الأكاديمية كأجور.
وتفاخر المسؤولون الروس أكثر من مرة بأن التدخل العسكري في سورية سمح بتطوير قدرات الجيش الروسي وتطوير مئات أنواع الأسلحة في ظروف حربية حقيقية. في المقابل، يبدو أن الجنود ينظرون إلى الخدمة في سورية على أنها مصدر دخل إضافي، ومكان ينعمون فيه بالدفء، وفي ظروف لا تقارن بجحيم معسكرات الجيش الروسي في معظم الأراضي الروسية. وبالنسبة إلى الضباط والجنرالات، فهي فرصة للارتقاء بالسلم العسكري، وجمع بعض الأموال، إن أمكن.
ويتمركز معظم الجنود والضباط الروس في قاعدة حميميم، ولا توجد إحصائية دقيقة عن عددهم. وباتت حميميم مدينة كبيرة تضم شوارع وساحات، مع مراكز طبية وترفيهية للجنود والضباط.
المصدر: صحيفة العربي الجديد