صحافة

هل يصمد تحالف خصوم أردوغان؟

السبت, 6 نوفمبر - 2021

الطريق 


تواجه المعارضة التركية، عددا من المعيقات في طريقها إلى الانتخابات المقبلة، فعلى الرغم من أن الأزمة الاقتصادية إحدى التحديات التي تواجهها السلطات التركية، لكن هناك قضايا أخرى تقف عائقا أمام تقدم تحالف المعارضة.

وأظهرت استطلاعات الرأي في الآونة الأخيرة، تقدما بارزا للمعارضة التركية على واقع أزمة اقتصادية في البلاد، ومع اقتراب موعد الانتخابات، وتوقعاتها بالفوز برزت على السطح الخلافات بين أحزاب المعارضة التي يطمح كل منها لتحقيق شروطه.

وتبرز السياسة الخارجية التركية، وتنامي القومية بالبلاد، كإحدى تلك التحديات التي تقف أمام تحالف المعارضة الطامح للوصول إلى السلطة ويضع أمامه هدفا وحيدا هو إسقاط حزب العدالة والتنمية عن الحكم.

ورغم إعلان "تحالف الجمهور" المكون من حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" مرشحهم الرئاسي وهو الرئيس رجب طيب أردوغان، إلا أن المعارضة لم تتفق بعد على مرشح مشترك لسباق الرئاسة.

"القوميون" داخل حزب الجيد يرفض الاصطفاف مع حزب الشعوب الديمقراطي اليساري في ذات التحالف، ورغم مساعي زعيمته ميرال أكشنار الحفاظ على التوازنات، لكن التباينات واضحة لدى قواعده.

وفي خطاب لها أمام كتلتها البرلمانية، وصفت أكشنار، عبد الله أوجلان بـ"السيد"، ليثار الجدل في تركيا، والذي انتهى باعتذار زعيمة حزب الجيد عن ذلك، مشيرة إلى أن "وصف أوجلان القاتل بالسيد كان زلة لسان".

ولأول مرة ما بعد الانتخابات الماضية، انتقدت ميرال أكشنار علانية حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الأربعاء الماضي، مشيرة إلى أنه يقف جنبا إلى جنب مع منظمة العمال الكردستاني "الإرهابي".

وأثير الجدل في تركيا قبل أيام، بعد حوار جمع أكشنار بمواطن تركي في مدينة سرت جنوب شرق البلاد، قال لها "هنا كردستان"، قائلة الأربعاء الماضي: "لماذا تتعجبون؟ هذا الرجل من حزب الشعوب الديمقراطي، ونحن نرى حزبه جنبا إلى جنب مع بي كاكا الإرهابية.. من ينطق بكلمة "كردستان" عجبا؟.. طبعا بي كاكا الإرهابية".

وفي اجتماع مماثل للكتلة البرلمانية لحزب الشعوب الديمقراطي رد رئيسه المشارك مدحت سنجار على تصريحات أكشنار بالقول: "إذا كان الحزب الحاكم عاجزا، فإن من يهاجم حزبنا باسم السلطة هو عاجز مثلها أيضا. وبالتالي فليس اتهام حزبنا بوصف ما أو تصنيفه في مكان ما، سوى التهرب من الانتقادات الموجهة لمن يهاجمنا، والمحاولة للعثور على كلمات بات يفتقدها".

ومع التراشق الإعلامي بين حزبي "الجيد" و"الشعوب الديمقراطي"، ظهر زعيم "الشعب الجمهوري" كمال كليتشدار أوغلو، بعد تصويته بـ"لا" على مذكرة "سوريا والعراق"، ليتوعد بقصف معاقل منظمة العمال الكردستاني في جبل قنديل، في تناقض واضح أمام تصرفاته السياسية.

الكاتب التركي برهان الدين دوران، ذكر في تقرير على صحيفة "صباح"، أن ما يجري ليس تحولا لدى أكشنار أو كليتشدار أوغلو، بل يسيران في اتجاه تكتيكي لتخفيف الاحتقان لدى قواعد حزبيهما، وتجاوز الخلافات داخل إطار التحالف، وبهدف مواجهة نشاط حزب الحركة القومية في استغلال ما يجري لدى الناخبين. 

ورأى أنه رغم تصريحات أكشنار وكليتشدار أوغلو بسبب ضغط الرأي العام، فإن حزب الشعب الجمهوري لن يتراجع عن فكرة التقارب مع حزب الشعوب الديمقراطي.

ولم يستبعد الكاتب، بأن صلاح الدين دميرتاش قد يصر على إطلاق سراحه من السجن، وإبداء ردود فعل على قضية إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي، مما يضع حزب الجيد في مأزق.

ولا يهم كليتشدار أوغلو التناقضات السياسية، بقدر تحقيق تكتيك توحيد المعارضة في الانتخابات المقبلة أمام أردوغان.

ومع ذلك من الواضح أن أكشنار، تستهدف أصوات يمين الوسط، في اختبار أكبر في خلفيتها القومية أمام ناخبيها، بحسب الكاتب الذي يرى بأن حزب الجيد لن يستطيع قبول فكرة "قومية كردستانية" لحزب الشعوب الديمقراطي.

كما أنه من المستبعد أن تؤدي التوترات إلى قطع العلاقات رفيعة المستوى لتحالف المعارضة في المستقبل القريب، وقد يخرج كليتشدار أوغلو بخطابات متقلبة جديدة لإبقاء أكشنار إلى جانبه.

الكاتب التركي محمد أجاد، في تقرير على صحيفة "يني شفق"، رأى أن حزبي الجيد والشعوب الديمقراطي، وإن كانا في الظاهر على طرفي نقيض في وجهات النظر السياسية، ويدخلان في مشادات لفظية ما بين الحين والآخر، إلا أنهما في النهاية مضطران للتغاضي عن ذلك في سبيل تحقيق "الهدف المشترك" الذي يمثلهما (التحالف الإجباري) ولذلك فهما لا يقطعان الخيوط كلها دفعة واحدة، ولا يحولان العراكات اللفظية إلى عملية".

وأشار إلى أنه لا يمكن تحميل تصريحات أكشنار على أنها امتعاض أو انزعاج إزاء وجود حزب الشعوب الديمقراطي في ذات التحالف الذي هي فيه، ولو كانت منزعجة بالفعل، لربطت تصويت الشعب الجمهوري بـ"لا" ضد إرسال قوات تركية إلى سوريا والعراق، بموقف الشعوب الديمقراطي، وتحدثت بوضوح عن العلاقة التي تجمع بين الحزبين، لكنها لم تفعل.

واستدرك الكاتب، بأن إعلان "الشراكة الاستراتيجية" من حزب الشعب الجمهوري مع "الشعوب الديمقراطي" أثار بطبيعة الحال انزعاجا كبيرا في الأوساط القومية في البلاد.

وفي تحليل قادم من المسؤول عن وحدة التدريب في "الشعب الجمهوري" أيتوغ أتيجي، بشأن الانتخابات المقبلة، أكد أنه لا يمكن لحزبه مع حزب الجيد الفوز بالانتخابات الرئاسية دون الحصول على أصوات حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.

التحليل لا يتحدث عن التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بل كسب أصواته، ويتم ذلك من خلال التوافق على مرشح رئاسي يرضى به الحزب الكردي ويصوت لصالحه.

ورأى القيادي في "الشعب الجمهوري"، أن خارطة التحالفات غير واضحة بعد، "وقد يغادر حزب الجيد، أو نغادر نحن"، مستدركا بأنه "في تحالف لا يدعمه ناخبو حزب الشعوب الديمقراطي وناخبو الحزب الجيد، سنبقى فقط في المعارضة".

وأشار إلى اختلاف وجهات النظر بين أطياف الأحزاب داخل تحالف المعارضة، موضحا أن حزب الشعب الجمهوري يختلف في إيديولوجيته عن حزب الجيد، كما أن حزب السعادة تيار محافظ ولديه فكر إسلامي، وكذلك فإن حزب الشعوب الديمقراطي لديه أيديولوجيته الخاصة، ولكن هذا لا يعني انهيار التحالف مع اختلاف وجهات النظر.

ولم يحسم حزب السعادة الإسلامي موقفه في الاستمرار في تحالف المعارضة، في الوقت الذي تتنامى لدى قواعده أصوات تطالب بالابتعاد عن حزبي الشعوب الديمقراطي و"الشعب الجمهوري"، والانضمام إلى تحالف مع حزب العدالة والتنمية.

الكاتبة التركية كوبرا بار، في تقرير على صحيفة "خبر ترك"، ذكرت أن كتلة المعارضة تبني تحالفها بهدف العودة إلى النظام البرلماني الذي ليس وحده يحدد تفضيلات الجماهير، بل الأسئلة التالية:

- كيف ستحل المشاكل الاقتصادية؟ ما هي مشاريعك؟

- كيف ستكون سياستكم بشأن القضايا الوطنية؟

- هل ستتدخل في النمط الحياتي؟ هل ستعتني بقيمي الروحية؟

وأشارت إلى أن المعارضة تتحدث عن السؤال الثالث بوضوح بأنها لن تتدخل في نمط حياة أي شخص، لا سيما المحافظين، ورغم ذلك فإن استطلاعات الرأي تشير إلى أن ناخبي "تحالف الجمهور" الحاكم، يخشون من فقدان مكاسبهم في هذا الإطار إذا فازت المعارضة، ولذلك هم غير مقتنعين بها.

أما على الجانب الاقتصادي، فالانتقادات من أحزاب المعارضة أكثر بكثير من مقترحات الحلول الواجب تقديمها، وقد بدأت بإدراك هذا القصور وتضع خططا ملموسة بهذا الشأن.

الحلقة الأضعف لدى المعارضة التركية كما ترى الكاتبة، هي "السياسة الخارجية"، لا سيما مع تصاعد الموجة القومية بعد 15 تموز/ يوليو 2016، أصبحت السياسة الخارجية تتكامل مع السياسة الداخلية في البلاد.

وأوضحت أن خطاب "البقاء القومي" له تأثير جاد على الجماهير، كما أن جزءا كبيرا من ناخبي المعارضة فيما يتعلق بمنطقة شرق المتوسط يعتبرون أن السياسة التي تتبعها الحكومة صحيحة.

وأكدت أن المعارضة أيضا لا تستطيع تحديد تصور واضح للمستقبل على صعيد السياسة الخارجية سوى انتقاد الحكومة لا غير.

وأشارت إلى أن "مذكرة سوريا والعراق" أظهرت مدى الاختلاف في وجهات النظر بين حزبي الشعب الجمهوري، و"الجيد"، ناهيك أن قواعد حزب "الجيد" يوجد لديها خلافات تجاه المواقف، وهذه الفوضى تضعف المعارضة بشكل كبير.

وتساءلت الكاتبة: "سيشكلون التحالف للحصول على نسبة 50+1، ولكن إذا فازوا، فهل سيتم تطبيق أطروحات السياسة الخارجية لحزب الشعب الجمهوري أم حزب الجيد؟.. هل سيستجيبون لمطالب حزب الشعوب الديمقراطي الذي يعارض بشدة العمليات ضد حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا؟.. هل ينهون العمليات في سوريا ويسحبوا القوات من إدلب؟.. هل سيطلبون أف16 من الولايات المتحدة؟ وهل سيستخدمون منظومة أس400 الروسية.. هل سيسحبون القوات من ليبيا؟".

وتابعت، بأن هناك العشرات من الأسئلة بشأن السياسة الخارجية لا توجد إجابة بشأنها، لافتة إلى تصريحات لزعيم حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان والتي أشار فيها إلى موقف ناخبي التحالف الحاكم الذي يقول "صحيح لا يوجد لدينا خبز، لكن الحمد لله يوجد لدينا طائرات مسيرة".

ورأت أن المعارضة يجب أن لا تحسم بأن نتائج الانتخابات في جيبها، ما لم تفهم البعد العاطفي لأولئك الذين يرون أن وجود المسيرات التركية أكثر قيمة من الأموال التي في جيوبهم.

كما أن احتمالية شن عملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، ومستقبل قضية إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي، واحتمالية فرض الحزب الكردي مطالبه الراديكالية على التحالف، قد تدفع بتوترات جديدة داخل التحالف، بحسب الكاتب دوران.

وبينما تتجه الأحزاب لانتخابات عام 2023، فلن يكون من المستغرب حدوث نقاشات حادة حول مواضيع "القومية" أو "رؤية أتاتورك لتركيا" من جهة، وإنتاج خطاب جديد بهدف اجتذاب الناخبين الأكراد.

وتعد البيئة السياسية التركية متقلبة، فأصدقاء اليوم قد يكونون في صف الطرف الآخر غدا، كما شهدت انتخابات سابقة، ومع اقتراب موعد الانتخابات تظهر الأحزاب شروطها وأجندتها للانضمام إلى التحالفات.


المصدر: صحيفة "عربي21"

الوسوم :