صحافة

مصير الميليشيات الإيرانية في سوريا في ظل التصعيد الإسرائيلي الإيراني

الثلاثاء, 23 أبريل - 2024

العقيد عبد الجبار عكيدي


لعله من الصحيح أن إيران هاجمت إسرائيل لأول مرة من داخل أراضيها في 13 نيسان/أبريل الجاري، لكن ليس من أجل إبراز قوتها المتنامية وقدرتها على الوصول من بعيد فحسب، كما روج أنصارها وأبواقها، بل بهدف إبعاد أنظار الإسرائيليين عن ميليشياتها وقادتها في سوريا ولبنان، بعد أن باتوا هدفاً متكرراً بشكل مستمر ونوعي طوال الأشهر الماضية، وربما أيضاً لاعتقادها أن الردّ عبر الوكلاء كما جرت العادة، لن يكون بمقدوره استعادة الهيبة الجريحة في أعين حاضنتها وأنصارها، فكان لا بدّ أن يكون الردّ من جانب إيران حصراً.

لا يمكن التقليل من قيمة الخسائر التي لحقت بأذرع نظام الملالي نتيجة ضربات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك هجمات الولايات المتحدة داخل العراق، الأمر الذي يطرح سؤالاً مهماً غاب عن بال كثيرين، ربما ونحن نتابع استعراض الطرفين مؤخراً، نتساءل: ماذا عن مصير ميليشيات إيران في المنطقة، وهل سيؤدي نقل المواجهة على هذا النحو من استهداف الوكلاء إلى ضرب المشغل؟

تستدعي الإجابة عن هذا السؤال تثبيت النقاط التالية:

أولاً- لا تهدف تل أبيب، وهي في ذروة الحمى التي تعانيها، الدخول في حرب مع إيران، بل تريد تقويض حزب الله في لبنان، والحد من قوة ميليشياتها في سوريا، بينما تترك اليمن والعراق لقوات التحالف.

ثانياً- لا تهدف طهران بأي حال لمحاربة إسرائيل، لا بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا بمستوى شامل أو حتى جزئي، بل تريد حماية المكتسبات التي حققتها على مدار العقود الماضية في دول شرقي المتوسط.

ثالثاً: كل دول المنطقة، وجميع القوى العالمية الرئيسية الفاعلة فيها والطامعة بها، تشعر بالارتياح لحرب الاستنزاف الدائرة بين إسرائيل وإيران، بما في ذلك الغرب وروسيا والصين، وبطبيعة الحال العرب وتركيا، الذين يجمعهم هدف مشترك هو عدم تغول أي قوة، مع الرغبة المشتركة في الوقت نفسه بالإبقاء على هذه المواجهة ضمن قواعد الاشتباك التي لا تؤدي إلى انفجار المنطقة.

رابعاً: لم تعد حكومة نتنياهو تقبل بعد الضربة المؤلمة التي تلقتها من حركة حماس في عملية طوفان الأقصى، بوجود أي قوة أخرى تهددها، ولذلك فإن حزب الله اللبناني وميليشيات الحرس الثوري في سوريا تعلنها تل أبيب جميعاً اليوم على قائمة التصفية.

قبل الخوض في قدرة إسرائيل أو جديتها في تنفيذ هذه المهمة، لا بد من التأكيد على أن دولة الاحتلال لا تخشى من هجوم من هذه الميليشيات ضدها، بل ترفض أن تتحول إيران بفضل هذه الميليشيات إلى قوة أكبر تنافسها على زعامة الشرق الأوسط، ولذلك فإن المواجهة بين الطرفين يجب أن توضع باستمرار تحت عنوان الصراع التنافسي وليس الوجودي أو الصفري.

لكن هل تستطيع إسرائيل بالفعل تقويض هذه القوة الإيرانية التي يرى كثيرون أنها باتت متجذرة، ليس في لبنان والعراق فقط، بل وحتى في سوريا؟

من حيث الأرقام تنتشر الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا على كامل مساحات البلاد في مناطق سيطرة النظام، وحسب آخر الإحصاءات فإن عدد القواعد والنقاط العسكرية التابعة لميليشيات الحرس الثوري تبلغ نحو (800 نقطة)، وهو رقم كبير جداً يصعب التعامل معه بالاقتصار على القصف الصاروخي المتقطع والهجمات الجوية فقط.

يزيد من صعوبة المهمة أن هذه النقاط والقواعد تنتشر وفق نظام الشبكات العنكبوتية بحيث لا يمكن تدميرها كلها بسرعة، بل ويسهل هذا النوع من إعادة إنتاجها وترميمها كلما اقتضت الضرورة.

وإلى جانب ما سبق، يتداخل قسم كبير من هذه النقاط مع جيش النظام، حيث تتخذ من مقار التشكيلات العسكرية الأسدية قواعد ومراكز في مختلف المحافظات، الأمر الذي يعقد من مهمة تصفيتها بالنظر إلى حرص جميع القوى المتدخلة في الملف السوري على الحفاظ على جيش النظام، بينما تذهب روسيا أبعد من ذلك وهي التي تبسط حمايتها عليه وتبنيها الكامل له.

وفق هذا الواقع يرجح البعض أن تكتفي تل أبيب بتنظيف الحزام الجنوبي السوري المحاذي للجولان فقط من الميليشيات المرتبطة بإيران أو من الحرس الثوري نفسه، لكن ما يجري يؤكد أن أنظار وتطلعات الدولة العبرية تبدو أبعد من ذلك، وإلا لماذا اتسع نطاق ضرباتها جغرافياً لتشمل حمص وريف حماة والساحل وحلب والمنطقة الشرقية؟ ولماذا لم تعد مقتصرة على القواعد والنقاط، بل باتت تشمل القادة والضباط الإيرانيين حتى البارزين منهم؟

لا شك أن إسرائيل باتت على قناعة أن من يضع الأفعى بصدره تلدغه، وأن سكوتها وقبولها بتوسع إيران على حساب الدول العربية والقوى السنية في المنطقة، والذي خدمها في الواقع، أدى لنتائج غير محسوبة، وعليه، من المرجح ألا تسمح بعد اليوم باستمرار هذا الخطأ، وأن تعود للأمان والطمأنينة التي كان يوفرها نظام الأسد لحدودها ونفوذها وهيمنتها المطلقة.

هذه الخلاصة تقودنا إلى سؤال آخر حول دور النظام ورأسه بشار الأسد فيما يجري من تطورات، وهل هو مستفيد أم خاسر بناءً عليها؟

لا شك أن الأسد يشعر بارتياح كبير لما تقوم به إسرائيل من تهشيم لأذرع إيران وميليشياتها في سوريا، فهو وبعد أن بات يشعر بالطمأنينة على مستقبل نظامه، لم يعد بحاجة لهذه الميليشيات التي تغولت وتضخمت قوتها حتى باتت مهيمنة على جيشه وأجهزة استخباراته، لكنه في الوقت نفسه لا يريد سحقها بالكامل، على الأقل قبل أن تستعيد قواته عافيتها بحيث تكون قادرة على التصدي لأي تهديد من الثوار أو حتى الشعب السوري نفسه.

لذلك لا يمكن القول إن مصير الميليشيات الإيرانية الموجودة في سوريا أصبح محسوماً، لكن لا يجب القول في الآن نفسه أنها ستكون بمنجاة من الخطر بعد أن دخلت المواجهة بين إيران وإسرائيل مرحلة الصدام المباشر.

فإذا كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد قصفت محافظة أصفهان فجر التاسع عشر من نيسان/أبريل الجاري، كرد أولي على الاستهداف الإيراني لها قبل أسبوع، فقد كان واضحاً أنه قصف رمزي ورسالة تفيد بأن هذه القوات قادرة على الضرب في أي مكان تريده داخل الحدود الإيرانية.

لكن بالتزامن مع هذا القصف الإسرائيلي للمواقع الداخلية الإيرانية، كانت الطائرات الأميركية تستهدف مواقع ومقار للحشد الشعبي في العراق، تاركة لإسرائيل مهمة مواصلة الضغط على الميليشيات الإيرانية في سوريا، التي تحاول بشكل متهافت تنفيذ عمليات إعادة انتشار، وتغيير مكان القادة، وتحصين المواقع والقواعد، في سعي يائس لتجنب مزيد من الأضرار التي باتت مكلفة وفادحة.


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :