حسن الشاغل
يعد الملف الاقتصادي من أبرز الملفات العصية على الحل بالنسبة للنظام السوري، لأنه في الوقت الحالي يفتقر للموارد الطبيعية ولاحتياطات النقد الأجنبية، ويعاني من بيئة صناعية مهترئة، وعقوبات دولية تقيد عمليات الاستثمار في مناطق سيطرته، إضافة إلى اتباع سياسة نقدية خاطئة، وفوق كل ذلك يصدر بين الحين والآخر قرارات وإجراءات وقوانين يسعى من خلالها لتوجيه اقتصاد البلاد بما يتناسب مع مصالحه وبما يساعده في تمكين سلطته على مؤسسات الدولة السيادية، كل هذه العوامل تنعكس بشكل سلبي على مؤشرات اقتصاد البلاد وعلى المواطنين بالدرجة الأولى، فبحسب تقرير للجنة الدولية للصليب الأحمر فإن نحو 90٪ من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وأكثر من 15 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية. نسلط الضوء في سطور هذه المقالة على المؤشرات التي سجلها الاقتصاد السوري في عام 2023، والتي نبني عليها إلى جانب بعض العوامل الاقتصادية توقعات لأداء اقتصاد النظام خلال عام 2024.
المؤشرات الاقتصادية لعام 2023
يعد عام 2023 الأسوأ على النظام السوري فيما يخص تراجع مؤشرات الأداء الاقتصادي منذ عام 2011، فقد خسرت الليرة تقريباً 100% من قيمتها مقارنة بعام 2022، حيث سجلت قيمة الليرة أمام الدولار 7000 ليرة، في حين وصل إلى 15000 ليرة لتاريخ كتابة هذه المقالة. وبلغ معدل التضخم 156% بحسب تحليلات صادرة عن أكاديميين في دمشق، وبرز التضخم بشكل أكبر بعد إعلان موازنة عام 2024 التي سجلت 35 تريليون ليرة سورية، في حين بلغت موازنة عام 2023 16 تريليون ليرة سورية، وكل رقم على حدة يساوي 2 مليار دولار، أي نحن أمام تضخم سنوي يقارب 100%. وقد شهد عام 2023 عددا من سلوكيات النظام النقدية التي أسهمت في ارتفاع معدلات التضخم: أولاً، رفع أسعار المحروقات بنسب تصل إلى 200% على عدة مراحل، مما أدى إلى زيادة كلفة إنتاج السلع بشكل كبير. ثانياً، رفع أجور العاملين في الدولة بدلاً من السعي إلى تثبيت الأسعار. ثالثاً، رفعت الحكومة أسعار الدواء بنسبة تتجاوز 100%، وقلصت شريحة الدعم عن الخبز الخاص بالبطاقة الذكية، والذي تضاعف سعره في الأسواق 3 مرات. رابعاً، رفعت حكومة النظام سعر الكهرباء التجارية بنحو 150%. أيضاً ساهمت العديد من الإجراءات التي استحدثتها حكومة النظام في تراجع الأداء الاقتصادي وكان أبرزها تأسيس منصة الاستيراد والتصدير التي تجبر التجار على تسديد 50% من قيمة المستوردات للبنك المركزي مقابل منحهم إجازة الاستيراد شرط تسديد باقي المبلغ بعد شهر من وصول البضائع المستوردة، مما يكبد التجار خسائر ومصاريف إضافية مع تغير سعر الصرف، ويدفعهم لرفع الأسعار، وهو ما يؤدي إلى غلاء السلع في الأسواق. كما يحاول النظام عبر أدواته حصر تسلّم المواطنين للحوالات عبر مكاتب تابعة له، بما يضمن الاستفادة من النقد الأجنبي القادم من الخارج، ومن تحقيق توازن في سعر الصرف بين البنك المركزي والسوق السوداء، إلا أن الأمر يصعب ضبطه بسبب الانتشار الكبير لمكاتب الحوالات غير الرسمية.
المؤشرات المتوقعة للاقتصاد السوري لعام 2024
ساهمت العديد من الأسباب في تراجع مؤشرات الاقتصاد السوري في عام 2023 والتي من المتوقع أن تفاقم الأزمة الاقتصادية في عام 2024، وأهمها: أولاً، تسلط النظام وأدواته على مقدرات البلاد، واحتكاره مصادر الثروة في البلاد على الصعيد التجاري والمالي وحتى الصناعي. ثانياً، تراجع عملية الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية، وغياب الدعم الحكومي والفساد، مما انعكس سلباً بشكل مؤثر على تدني مستوى معيشة المواطنين. ثالثاً، أصبحت سوريا تعتمد على الاستيراد من الخارج في توفير العديد من المنتجات الأساسية من سلع غذائية وغيرها، وهذا يزيد من عجز الميزان التجاري. رابعاً، ارتفاع قيمة الدين الخارجي على الحكومة السورية، والذي يعد تحدياً كبيراً يواجه الاقتصاد السوري الحالي والمستقبلي، وتعتبر إيران من أكبر الدول التي دعمت النظام السوري اقتصادياً من خلال تقديم القروض المالية، ومن خلال دعمه عبر ضخ ما يصل إلى مليونين وثلاثة ملايين برميل نفط شهرياً. خامساً، عدم انتفاع النظام من مقدرات الدولة السورية للموارد الطبيعية، فغالبية حقول النفط والأراضي الزراعية تقع تحت سيطرة قسد، ومن جانب آخر قدم النظام البنية التحتية من موانئ ومناجم على شكل استثمارات لكل من روسيا وإيران كجزء من تسديد الديون الخارجية. سادساً، تراجع دعم الحلفاء للنظام السوري وعدم تلقيه أي دعم عربي بعد تطبيع العلاقات. سابعاً، من المهم الإشارة إلى أن الاقتصاد العالمي في حالة تضخم وانخفاض في معدلات النمو ويعود ذلك إلى التوترات الجيوسياسية التي يعيشها العالم، وإلى ارتفاع أسعار موارد الطاقة لاسيما النفط والغاز مقارنة بالسنوات السابقة، ومن المتوقع أن يتجاوز متوسط سعر برميل النفط 80 دولارا للبرميل في العام الحالي 2024. فعلى الرغم من محدودية ارتباط الاقتصاد السوري بالاقتصاد العالمي، إلا أن ارتفاع أسعار النفط قد تنعكس سلبياً على الاقتصاد السوري، وذلك لاعتماد النظام على النفط المستورد من الأسواق الدولية الأمر الذي سيساهم في ارتفاع معدلات التضخم، وفي انخفاض القوة الشرائية للمواطن. ومما قد يزيد الأمور سوءًا تمسك النظام بعدد من القرارات الاقتصادية مثل تجريم تداول الدولار، وعرقلة عمليات الاستيراد والتصدير، والاستمرار في رفع الأجور بدلاً من المحافظة على استقرار الأسعار. إلى جانب كل هذا يطبق النظام سياسة نقدية تدفع غالبية المزارعين والتجار والصناعيين للتوجه إلى التصدير بدلا من تمويل السوق الداخلية مما أدى إلى انخفاض العرض وارتفاع الطلب وهذه المعادلة من المرجح أن تتوسع في العام الحالي. كما أن النظام في صدد إصدار عملة نقدية جديدة بقيمة 10 آلاف، وبالتأكيد سيكون لهذا القرار انعكاسات سلبية كبيرة على الاقتصاد، لأن طباعة الأوراق المالية غير مسنودة بتوفر النقد الأجنبي أو بالمعادن الثمينة أو بعمليات التصدير والاستيراد وبطبيعة الحال لا يوجد طلب على الليرة.
بالنتيجة كل هذه المؤشرات تجعلنا في صدد توقع تراجع في الأداء الاقتصادي لمناطق سيطرة النظام، وقد نشهد في عام 2024 أرقاما ومؤشرات أسوأ بكثير مما كانت عليه في عام 2023، حيث من المتوقع أن تجتاز معدلات التضخم أكثر من 100%، وأن تتخطى قيمة الليرة أمام الدولار حاجز الـ 25 ألف ليرة، كما من المتوقع أن يتهرب النظام من التزاماته في دعم العديد من المنتجات الأساسية على البطاقة الذكية، ويتوسع أكثر في تحرير السوق وتسليم المؤسسات لشركات إيرانية وشخصيات تابعة له.
المصدر: تلفزيون سوريا