صحافة

كل الطرق تؤدي إلى إسطنبول

الأربعاء, 10 يناير - 2024

علي أسمر


بعد خمس سنوات مرة أخرى إسطنبول تتصدر المشهد، بعد إعلان الحزب الحاكم عن مرشحه لانتخابات بلدية إسطنبول الذي سينافس رئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو التابع لحزب الشعب الجمهوري المعارض، في جو يملأه الحماس والتوقعات حول مصير مدينة إسطنبول، هذه المدينة التي يقال عنها "من يخسر إسطنبول يخسر تركيا " تشديدا على أهمية هذه المدينة التي تملك خصوصية كبيرة منذ فتحها على يد السلطان محمد الفاتح وإلى يومنا هذا.

بعد مشاورات كثيرة قرر حزب العدالة والتنمية ترشيح "مراد كوروم" لبلدية إسطنبول، وهذا القرار الذي لم يأت عن عبث بل له العديد من الأسباب التي استخلصها حزب العدالة والتنمية، بعد خسارته الفادحة المرة السابقة لمدينة إسطنبول، فالسيد مراد كوروم رجل شاب في منتصف العمر على عكس بن علي يلدرم الذي خسر الانتخابات السابقة أمام أكرم إمام أوغلو، بسبب أنه لم يستطع أن يكون مقنعا للطبقة الشابة في إسطنبول، من ناحية أخرى السيد، "مراد كوروم"، هو وزير البيئة والتخطيط العمراني والتغير المناخي السابق، وهو شخصية مقربة من الرئيس أردوغان، ومن جانب آخر شخصية لها خبرة في قطاع الخدمات بالإضافة لذلك هو شخصية احتوائية مسالمة وحاصل على احترام وحب الجميع، والأهم من كل ذلك أنه شخصية خبيرة بملف الزلازل والتحول العمراني هذا الملف الذي يعتبر حاليا التحدي الأكبر لمدينة إسطنبول، وتحول لـ "تريند" في تركيا بسبب الأخبار التي تنشر من حين لآخر حول زلزال إسطنبول المدمر المرتقب. ومن نقاط ضعف مراد كوروم أنه عاش حياته في أنقرة ودرس في قونيا أي أنه لم يعش في إسطنبول بما فيه الكفاية، بمعنى آخر ليس ابن المدينة بالإضافة إلى أنه شخصية مهتمة بالعمل والنتائج، وليست مهتمة كثيرا بالتسويق والمظاهر على عكس أكرم إمام أوغلو الذي برع بالمظاهر والبروباغندا الإعلامية.

من الأسباب المهمة لنجاح أكرم إمام أوغلو في المرة السابقة هي الاستخفاف به، لذلك أعتقد يجب ألا نستخف بهذه الشخصية، ولو أن أداءها خلال خمس سنوات كان متواضعا لعدة أسباب، والأمر المهم في جانب شخصية أكرم إمام أوغلو أنه طموح جدا، وهذا الشيء الذي استخلصته عند مقابلتي الشخصية له قبل سنين، فهو يستخدم البلدية للوصول إلى الرئاسة يوما ما، لذلك نراه نشطا كثيرا مع كل السفراء الأجانب في تركيا، ومن جانب آخر يملك فريقا شبابيا ذا خبرة عالية في إدارة مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بفترة قصيرة استطاعت حساباته الرسمية تجاوز العديد من المسؤولين من حيث التفاعل وعدد المتابعين، فهو ينشر مقاطع مصورة شبه يومية على كل وسائل التواصل الاجتماعي لكي يستهدف الشباب وغير ذلك هو من المسؤولين الأتراك الأوائل الذي انضموا إلى منصة تيك توك هذه المنصة التي استطاعت منافسة المنصات الأخرى بوقت وجيز. أي أننا نفهم من ذلك أن إمام أوغلو شخص استعراضي يتقن فن الاستعراض، ويتقن لعب دور الضحية هذا الدور الذي كان سببا بنجاجه الساحق في الانتخابات السابقة، نقطة أخرى مهمة أيضا، وهي أن إمام أوغلو شخصية مدعومة من معظم الأحزاب المعارضة، وليس فقط حزب الشعب الجمهوري، حيث شبهت ميرال أكشينار رئيسة الحزب الجيد إمام أوغلو بـ محمد الفاتح بسبب أنه استطاع سلب إسطنبول من الحزب الحاكم. ولكن إمام أوغلو مثل كل إنسان له جانب مظلم، حيث لم تصدق وعوده التي قطعها على نفسه قبل خمس سنوات، أي أنه يعد بشيء، ويعمل شيئا آخر، وهذا الأمر كان سببا في زعزعة الثقة بهذا الشخص من قبل كثير من محبيه، أمر آخر اشتهر به إمام أوغلو، وهو أنه كلما حصلت مشكلات بيئية مثل الزلازل والثلوج والعواصف والفيضانات يكون إمام أوغلو خارج إسطنبول، إما في عطلة أو في سفر خارج تركيا وهذا ما أغضب العديد من المواطنين الأتراك المؤيدين والمعارضين، بالإضافة لكل ذلك على إمام أوغلو العديد من القضايا والدعاوى القضائية التي من الممكن يوما ما أن تؤثر سلبا على حياته السياسية.

أسماء الشخصيات المرشحة لها دور كبير في الانتخابات، ولكن الفوز بالانتخابات يتعلق بأمور أخرى أيضا كالتحالفات الحزبية، فكما نعلم يوجد في تركيا العديد من الأحزاب المؤيدة والمعارضة فكثرة الأحزاب واختلاف الإيدولوجيا الحزبية لدى هذه الأحزاب تعقد المشهد أكثر وأكثر، فأعتقد أن السبب الأهم لفوز إمام أوغلو المرة السابقة هو أصوات حزب الشعوب الديموقراطي الكردي، الذي تحول اسمه حاليا إلى اسم حزب "ديم الكردي"، ولعل تكثيف العمليات التركية العسكرية في شمالي سوريا والعراق من قبل الحكومة التركية الآن يمكن أن تكون سببا إضافيا لتصويت بعض الأكراد لإمام أوغلو، طبعا هنا يجب ألا ننسى أن تحالف الجمهور بقيادة حزب العدالة والتنمية أيضا يحتوي بعض الأحزاب الكردية كحزب "هدى بار"، لذلك ستكون المنافسة قوية والنتائج ستكون متقاربة، ورأينا أيضا صعود الأحزاب القومية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهذا ما يعني أنها ستكون حاضرة أيضا في الانتخابات المحلية، كل هذه الأسباب تعقد المشهد حيث لا ندري من سيكون مع من، ومن سيتخلى بآخر لحظة عن من، وهذا ما عبر عنه الرئيس التركي السابق سليمان ديميريل بقوله "24 ساعة مدة طويلة جداً في السياسة التركية".

وكما حسم الشعب التركي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل ديمقراطي سيحسم انتخابات البلدية أيضا، وستكون له الكلمة الأخيرة في هذه المعركة الانتخابية، فإما أن تعود إسطنبول للحزب الحاكم أو تبقى إسطنبول في كنف المعارضة لمدة خمس سنوات إضافية تعرقل خطة الرئيس أردوغان المسماة "القرن التركي"، وسواء ربح مراد كوروم أو إمام أوغلو فكل الطرق تؤدي إلى إسطنبول.


المصدر: تلفزيون سوريا