بسام مقداد
إنتهت الإنتخابات البرلمانية في روسيا الأحد المنصرم، بعد أن إستمرت لثلاثة أيام متواصلة، وإنتهت معها كل إنتخابات فعلية في روسيا، كما أعلنت إحدى الصحف الروسية. وكان التصويت يتم إما في مراكز الإقتراع مباشرة، أو بالتصويت الإلكتروني في عدد من كبريات المدن الروسية. ولم يكن التصويت الإلكتروني متاحاً للمراقبة لارتفاع كلفة فتح الكاميرات للجميع، ومنعاً لنقل المعطيات الشخصية عن الروس من قبل جهات أجنبية، على قول رئيسة لجنة الإنتخابات المركزية.
النتائج الأولية للإنتخابات(النهائية أُعلنت في 24 من الجاري) بينت فوز وزير الخارجية سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو بمقعدين في الدوما. وبما أن القانون يحظر الجمع بين النيابة والوزارة، ترك الناطق بإسم الكرملين دمتري بيسكوف أمر إتخاذ القرار للوزيرين. ونقلت وكالة إنترفاكس عن مصادر قولها بأن الوزيرين ينويان التخلي عن المقعدين النيابين، علماً أنهما كانا بين الخمسة الأوائل الذين قدم الحزب الحاكم ترشيحهم للإنتخابات.
حين أذيعت نتائج التصويت المباشر في موسكو، كان المعارضون في دوائر إنتخابية عديدة في موسكو على قائمة الفائزين بمقاعد في الدوما (البرلمان الروسي)، لكن ما إن أعلنت نتائج التصويت الإلكتروني حتى إنقلبت النتائج عكسياً، ولم يمر أحد من المعارضين للسلطة مما جعل الصحيفة الليبرالية المعارضة "Novaya" تعنون نصاً عن الإنتخابات بالقول ساخرة "الإنترنت مع "روسيا الموحدة ـــــــ حزب الكرملين"". ونقلت عن أحد المرشحين الخاسرين قوله "نحن لا نوافق على نتائج الإنتخابات، وسوف نحتج عليها بكل ما نستطيعه" ، وأضاف بأنه إقترح على المرشحين الخاسرين الآخرين الإجتماع والإتفاق على موقف منظم في هذا المجال.
تنقل الصحيفة عن نائب رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي قوله بأن الحزب لن يعترف بنتائج الإنتخابات " لأن الجميع رأى كيف تبدلت الصورة بعد إعلان نتائج التصويت الرقمي". وعلى الرغم من أن الحزب حسّن مواقعه من 42 مقعداً في البرلمان السابق إلى 57 في البرلمان الجديد(من أصل 450 مقعدا في البرلمان الروسي)، إلا أن فرعه في موسكو سوف يتقدم باعتراض قانوني على نتائج التصويت الإلكتروني. وينسب تحسين مواقع الحزب إلى "التصويت الذكي" الذي يدعو إليه المعارض السجين ألكسي نافالني، والذي يقول بأن على معارضي الكرملين التصويت للمرشح الأوفر حظاً، بغض النظر لأي قوة سياسية معارضة ينتمي.
إلا أنه لا ينبغي أن يتبادر إلى الذهن بأن الحزب الشيوعي الروسي يقف مع قضية نافالني وصندوقه لمحاربة الفساد الذي إعتبرته المحكمة الروسية في الربيع الماضي، مع كل منظماته وحركته، "منظمات متطرفة". كما لا ينبغي الإعتقاد بأن الحزب الشيوعي ينتمي إلى صفوف معارضة الكرملين، بل هو شديد التأييد لسياسة الكرملين الخارجية، وأحد الأحزاب دائمة العضوية في برلمان النظام الحاكم، وتقتصر معارضته على إنتقاد بعض جوانب السياسة الإجتماعية للنظام. وحرص زعيمه يوري زوغانوف على دعوة الشيوعيين إلى الدفاع عن نتائج الإنتخابات ككل "كما دافعت حامية لموسكو عن المدينة إبان الغزو النازي".
ويبدو أن تفسير الحزب لتحسن مواقعه بالتأييد المتزايد من قبل المجتمع الروسي، ودعوته إلى تنظيم لقاءات مع الناخبين "وليس إحتجاجات" في المدن الكبرى في 25 من الجاري، قد أثارت حفيظة المواقع الإعلامية الدائرة في فلك الكرملين. فقد نشرت هيئة تحرير صحيفة "NG" تحت عنوان "الحزب الشيوعي الروسي كماكينة سياسية "لأحلام اليقظة""، أرفقته بعنوان ثانوي "البديل الرئيسي لنهج السلطة ــــــــ بيع أوهام وعودة إلى الماضي"، قالت بأن الشعور بالفوز لدى الحزب الشيوعي يعيق تطوره وكل الجناح اليساري. ليس لدى الشيوعيين حوافز للبحث عن مقاربات جديدة وتغيير خطابهم. وإذا كان مديح "الرفيق ستالين ومحاربة المعادين للسوفيات" ما زال يعمل، فالمفروض إذاً المزيد من ستالين "حتى اللامعقول المطلق".
مجموعة من السياسيين والمتخصصين بالعلوم السياسية وأعضاء سابقون في لجنة الإنتخابات المركزية وجهوا كتاباً مفتوحاً إلى رئيسة اللجنة المركزية للإنتخابات، عبروا فيه عن "إمتعاضنا وقلقنا" من قيام اللجنة بوضع "عراقيل جدية" لتحليل الإحصائيات الإلكترونية للإنتخابات. وقالوا بأن المعطيات عن الإنتخابات كان يمكن في السابق نقلها عن موقع اللجنة لدراستها، أما الآن "فقد حرمنا من هذه الإمكانية"، إذ أن معطيات اللجنة مرمزة بشكل يستحيل معه نقلها على النحو الذي يسمح بدراستها. وهذا يعني برأيهم أن اللجنة تطبق مبدأ "العلنية المحدودة"، لأن المعطيات متاحة لمشاهدتها، لكنها ليست متاحة لمعالجتها على جهاز الكمبيوتر. وتحذر المجموعة من أن أية محاولات لعرقلة البحث في إحصائيات الإنتخابات، يمكن أن تفسر من قبل المجتمع العلمي العالمي بأنها سعي لإخفاء آثار التزوير.
صحيفة "Novaya" المذكورة نشرت نصاً بعنوان "المراهنة على الخوف"، ناقش فيه الكاتب المتخصص بالعلوم الفلسفية عشر نقاط تتعلق بالإنتخابات التي جرت، وكيف تم القضاء على الإنتخابات بعينها، مما جعلها تشبه إنتخابات الأسد أو اي نظام ديكتاتوري آخر. قال الكاتب بأن الإنتخابات تم القضاء عليها ثلات مرات: قبل، في أثناء وخلال فرز النتائج.
قبل الإنتخابات أقرت قوانين تحد من حقوق المواطنين المشاركة بالسياسة لعلاقتهم ب"المتطرفين"، أي ألكسي نافالني. أثناء عملية التصويت استخدم التصويت متعدد الأيام الذي يعقد عملية المراقبة، كما تم إستنفار الموظفين الرسميين للتصويت. وأخيراً في عملية فرز الأصوات التي لعب فيها الدور الأساسي التصويت الإلكتروني.
موقع مركز "كارنيغي" موسكو نشر نصوصاً عديدة عن الإنتخابات، كان آخرها في 24 من الجاري بعنوان "تخطي الخط الأحمر. لماذا تصوّت روسيا من جديد للشيوعيين". وكان الموقع قد نشر سابقاً حواراً عن نتائج الإنتخابات مع إثنين من الكتاب السياسيين الروس، قدم له بالسؤال "المعهود" في كل مرة تجري فيها مثل هذه العملية في روسيا، هل هي إنتخابات أم ليست إنتخابات، ولماذا نطلق عليها هذه الكلمة، أو لعدم وجود سواها، وهل تحمل أي تغيير للنظام وللمجتمع الروسي، أم أنها ككل إنتخابات الدكتاتوريات مثل سالازار وفرانكو، سيان سواء جرت أو لم تجر.
في النص يقول الكاتب بأن بروز الشيوعيين كبديل أول للنظام الراهن، ليس عودة للشيوعية، بقدر ما هي تخطٍ للخط الأحمر، وراءه مشاكل جدية في تقبل المجتمع للنظام السياسي القائم، حيث تجري عملية تقلص للقاعدة الإجتماعية التقليدية للنظام. كثيرون توقعوا نجاح الشيوعيين في الإنتخابات البرلمانية، لكن نتائج التصويت تخطت كل التوقعات. غير أن التصويت الحاشد للافتة الحزب الشيوعي لا يعني عودة الشيوعية، كما أته لا يعني إنتقال الناخبين الشامل نحو اليسار أو عودة الماركسية للحياة.
غالبية من صوت للشيوعيين لا يمكن تسميتهم شيوعيين بالمعنى التقليدي للكلمة. وليس من المؤكد أنه يمكن إطلاق تسمية شيوعيين على السياسيين الشباب الذين يستخدمون لافتة الحزب الشيوعي للدخول إلى مؤسسات السلطة.
ما جرى هو ليس حنيناً صافياً للإتحاد السوفياتي، إذ مع تعاقب الأجيال يصبح هذا الحنين أضعف وأضعف. كما أنه ليس حنيناً لستالين، حيث أن من يتذكرون الحياة في عهده يتضاءل عددهم. هو على الأغلب نوع من طوباوية ما، من تصورات عن مجتمع مثالي، حيث العدالة والمساواة والدولة الأب، لكن العطوف، أكثر بكثير مما في النظام الحالي. بروز الشيوعيين كبديل أول للنظام الراهن، لا يعني إنعطافة إلى اليسار، بل هو تمظهر لنظام أبوي باهت.
المصدر: صحيفة "المدن"