الطريق
فشلت القوى المدنية العراقية، في تشكيل تحالف مشترك في الانتخابات المحلية (انتخابات مجالس المحافظات) المقررة في 18 كانون الأول المقبل، وسط تعمّق الخلافات السياسية بينها، لتصبح فرصة تلك التيارات المدنية بتحقيق نتائج مُرضية في الانتخابات صعبة.
وخلال الأسابيع الماضية، بدا عمق هذه الخلافات واضحاً، إذ انقسمت الأحزاب المدنية إلى تحالفات متعددة، على الرغم من أهدافها المشتركة ورفعها شعارات التغيير والإصلاح ومكافحة الفساد وبناء دولة المؤسسات، مع ضمان الحريات العامة والشخصيات. كما انفرط عقد تحالفات مدنية تأسست عام 2020، وتحديداً تحالف "من أجل الشعب"، الذي يضم حركتي "امتداد" بقيادة النائب علاء الركابي، و"الجيل الجديد" بزعامة النائبة سروة عبد الواحد.
وتوزعت الحركات والكيانات السياسية الجديدة على تحالفات عدة، فقد انضوى حراك "البيت العراقي" وحزب "وطن" وائتلاف "الوطنية" بزعامة أياد علاوي، بتحالف انتخابي جديد، فيما تحالف كل من الحزب "الشيوعي" و"الحركة المدنية الوطنية" و"البيت الوطني" و"نازل آخذ حقي" وحزب "وعد العراقي".
وتوجهت أحزاب أخرى ومنها حركة "بداية" للتحالف مع "ائتلاف دولة القانون" التي يتزعمها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، فيما تحالف حزب "أمارجي" مع حزب "واثقون"، ولا تزال بعض الأحزاب المدنية غير معروفة الوجهة، مثل "شروع" وحزب "طموح".
وأعلنت حركة "الجيل الجديد"، قبل أيام، فك ارتباطها بحركة "امتداد"، في خطوة وصفها مراقبون بأنها "ضربة قاضية" لمحاولات تحقيق الحركة المدنية في العراق مكاسب في الانتخابات المحلية المقبلة.
وقال العضو المستقل في البرلمان العراقي هادي السلامي، إن "التعويل على اتحاد المدنيين ووجودهم في تحالف واحد، كان يعطي آمالاً مهمة للحراك المدني والمحتجين والناشطين، لكن للأسف لم يتحقق ذلك، بسبب الرؤى المختلفة في العمل السياسي، خصوصاً في ملف التعامل مع الأحزاب التقليدية، والمشاركة في الانتخابات، من عدمها".
وأضاف السلامي لموقع "العربي الجديد"، أن "أغلبية القوى المدنية الجديدة أو التقليدية، ستشارك في الانتخابات المقبلة، والعمل السياسي في المستقبل، لكن هناك بعض الحركات لا تزال متذبذبة في توجهاتها، فيما اختارت حركات مقاطعة الانتخابات".
وتابع بأن "الحركة المدنية في العراق مفتوحة أمام الجميع، وقادة الأحزاب والحركات السياسية العلمانية يفكرون بحرية، وليس وفق قوالب وضعتها أجندات دينية وطائفية، بالتالي فإن خيارات الانسجام والتحالفات مع بعضها تحتاج إلى وقت"، لكنه استدرك أن "هذا لا يعني أنها مختلفة بالتوجهات والأفكار والآراء، بل هي متحدة بالأهداف المشتركة، ومنها إصلاح النظام السياسي ومكافحة الفساد ومحاسبة قتلة المتظاهرين والمدنيين"، مشيراً إلى أن "المدنيين قد يتحالفون مع بعضهم بعد انتهاء الانتخابات المحلية المقبلة".
من جهته، رأى رئيس مركز "رؤية بغداد" الناشط محمود النجار، أن "التيارات المدنية تعاني من إشكاليات متعددة في وضوح البرنامج السياسي، ووحدة الخطاب الجماهيري، وضعف الماكينة الإعلامية التي توجّه الرأي العام نحو أهداف المدنيين في العراق، وعلى الرغم من التشظي وانشقاقات بعض الأطراف في التيارات المدنية، لكنها ما زالت تبحث عن رؤية سياسية مشتركة ضمن تحالف يحمل أهدافا تتسم بالوطنية والديمقراطية".
وأضاف النجار للموقع ذاته، أن "فرصة التيارات المدنية بتحقيق نتائج مُرضية ستكون صعبة ومعقّدة في ظل تسابق الأحزاب والكيانات التقليدية الكبرى، لأن الأخيرة لديها جمهور ثابت ومنظم، ولكن بكل الأحوال الفرصة متاحة للتيارات المدنية للفوز ببعض المقاعد في مجالس المحافظات العراقية خصوصاً في العاصمة بغداد وبعض المحافظات الجنوبية، وهذا يستدعي السرعة في تحشيد الجمهور وتطوير الفرق الانتخابية للاستعداد للانتخابات".
ولفت النجار إلى أن "المشاركة في الانتخابات من قبل التيارات المدنية هي بحد ذاتها فرصة كبيرة لتطوير الخبرات السياسية وتعزيز التحالف المدني، وتحويل الخطابات إلى تجربة عملية تستند إلى أفكار جديدة تطمح للتغيير والبناء ورفع الوعي الشعبي في فهم حقوقه الدستورية".
وتُشارك الأحزاب المدنية في الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات)، في 18 كانون الأول المقبل، بعد 10 سنوات على انتخابات نيسان 2013، حين تصدّرت القوائم التابعة لنوري المالكي النتائج.
وقبل ذلك أُجريت انتخابات مجالس المحافظات في عام 2009 فقط. وتتولى مجالس المحافظات المنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ويملك هؤلاء صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع وفقاً للموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، بحسب الدستور العراقي النافذ في البلاد منذ عام 2005.
وبحسب آخر بيانات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، فإنها سجلت 294 حزباً و31 تحالفاً سياسياً، باشر معظمها بالتحضير للتنافس مبكراً، للسيطرة على مقاعد مجالس المحافظات، بينما تسعى القوى المدنية والليبرالية لأول مرة للدخول في هذه الانتخابات بشكل منفرد أو بقوائم انتخابية مشتركة.