الطريق
في ظل الدعوات التي تطلقها بعض أحزاب المعارضة في تركيا، بالتطبيع مع النظام السوري، تثار التساؤلات حول هل تتجه أنقرة بالفعل لإعادة العلاقات مع دمشق، لاسيما في ظل الأزمة التي تعانيها بسبب اللاجئين السوريين؟
الكاتب التركي، برهان الدين دوران، كشف في مقال في صحيفة "صباح" أن نظام الأسد يرغب في الجلوس على طاولة المفاوضات مع أنقرة، حتى إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدم هذه العرض مرات عدة إلى نظيره التركي رجب طيب أردوغان.
وأشار إلى أن حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا، يكرر دعواته ما بين الحين والآخر، للجلوس على الطاولة مع دمشق، مبررا ذلك بجهود أنقرة في تطبيع علاقاتها المتوترة مع دول مثل الإمارات ومصر مؤخرا.
وأضاف رئيس مركز البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا)، أنه مما لا شك فإن مستقبل تركيا يرتبط ارتباطا وثيقا بكيفية حل الحرب الأهلية السورية، ومسألة التعامل مع اللاجئين، والفرع السوري لمنظمة العمال الكردستاني.
وأشار إلى أن منطق التطبيع في السياسة الخارجية التركية، مع الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط، وفتح صفحات جديدة، يرتبط بالتغيرات الجيوسياسية العالمية والإقليمية.
وأوضح أنه على الصعيد العالمي، فإن احتدام المنافسة بين القوى العظمى، وسياسة التكتلات في منطقة الشرق الأوسط غير صالحة، فلكل دولة مصالح قد تتعارض مع حلفائها الآخرين وتتوافق مع منافسيها.
ونوه إلى أن تطبيع العلاقات لا يحدث وفق العواطف الداعية للتعايش مع الجميع، كما أنه لا يمكن أن يتحقق بناء على رغبة طرف واحد، والدول تقوم بمراجهة سياساتها وفقا للمعادلات الجيوسياسية الجديدة.
ورأى أن توقيت التطبيع له أهمية بالغة، حيث إنه يتم إجراء تقييم ذلك من خلال عملية متعددة الأبعاد على صعيد المعايير والأبعاد، وقد أظهرت تركيا مرة أخرى أنها "عقلانية ومرنة" مع تحركاتها الأخيرة، حيث تقوم بالتطبيع بهدف تعزيز مكاسب تحركاتها في شرق المتوسط والميدان الليبي والسوري، وتستمر العملية بسبب الواقع الإقليمي الجديد، ولأن الجهات الفاعلة الأخرى ترغب في ذلك.
وحول سوريا، رأى الكاتب أن نهج تركيا الحالي لا يهدف إلى الإطاحة بالنظام، ولها هدفان رئيسيان وهما، عودة آمنة للاجئين السوريين، ومنع تشكيل حزام إرهابي للفرع السوري لمنظمة العمال الكردستاني، مشددا على أن ذلك ما يهدف إليه إنشاء منطقة آمنة وتثبيت الوجود العسكري في إدلب، كما أنه تم منع حركة لجوء جديدة إلى تركيا.
وأكد أنه لا يمكن تحقيق هذين الهدفين إذا لم يتم دمج المعارضة السورية في إدارة جديدة شاملة في سوريا.
وأشار إلى تقرير لمنظمة العفو الدولية نشر مؤخرا يفيد بأن العائدين إلى سوريا يتعرضون للتعذيب والاعتقال القسري من مخابرات النظام السوري، وعليه فإنه لا يمكن للسوريين العودة طواعية إلى مكان يتعرضون فيه للتعذيب والقمع.
ولفت إلى أن النظام السوري لديه الرغبة في الجلوس على الطاولة مع أنقرة، حتى إن بوتين قدم هذا العرض إلى أردوغان مرات عدة، لكن النظام في الوقت ذاته يعيق محادثات جنيف ولا يرغب على الإطلاق في عملية انتقال سياسي ستشمل المعارضة.
وحول إمكانية التطبيع بين أنقرة والنظام السوري، رأى أنه يجب أن يسبق ذلك حراك من دمشق لهذا الغرض.
ولفت إلى الحديث عن لقاءات استخباراتية بين أنقرة ودمشق، مشيرا إلى أنه لكي يبدأ الحراك الدبلوماسي، فإنه يجب قطع مسافة كافية في المحادثات الاستخباراتية.
وبحسب دوران، فإنه يجب وقبل أي شيء، أنه تكون إدارة دمشق مستعدة وجاهزة لإعادة أبناء شعبها إلى بلادهم، وعليه فيجب أن تهتم بالعمليات السياسية التي تشارك فيها المعارضة، وأن تتوقف عن دفع الملايين في إدلب باتجاه الحدود التركية بسبب القصف.
وأشار إلى أن المصالحة بين أنقرة ودمشق قد تقضي على وحدات حماية الشعب الكردية، ولكن التساؤلات تكمن في "هل يمكن تحقيق ذلك دون انسحاب القوات الأمريكية بشكل كامل من سوريا؟.. وهل أيضا يمكن الوثوق بإدارة دمشق في ما يتعلق بالمعارضين واللاجئين؟".
ورأى الكاتب التركي، أنه من غير المرجح أن تغادر الولايات المتحدة سوريا على المدى القريب، على غرار انسحابها من أفغانستان.
الكاتب التركي، أتشيتينار آتشيتين، في مقال في صحيفة "خبر ترك"، قال إنه بعد الانفتاح في العلاقات الإقليمية مع الإمارات ومصر والسعودية، فإنه يجب على تركيا، التي يبدو أن لديها قوة أكبر على المناورة، أن تتخذ خطوة نحو سوريا في العملية القادمة.
ولفت إلى المعلومات الواردة في الميدان، أن محادثات مع النظام السوري قد تبدأ قريبا.
ورأى أن أهم مشكلة تعقد أي عملية تطبيع محتملة بين أنقرة والنظام السوري، هي تصنيف الأخير لكافة الجهات السياسية والعسكرية المدعومة من تركيا على أنها إرهابية.
ولفت إلى اللقاء الاستخباراتي الذي عقد بين تركيا والنظام السوري في كانون الأول/ ديسمبر الماضي في سوريا، مشيرا إلى أن الظروف في ذلك الوقت كانت مختلفة، لكن المناخ الآن تغير وسط توقعات بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا على غرار أفغانستان.
ورأى أن الانسحاب الأمريكي من شمال شرق سوريا، يعني أن الإدارة الذاتية التابعة للأكراد ستواجه خطرا وجوديا، لا سيما أن معظم العرب في المحافظات الشرقية الثلاث، دير الزور والحسكة والرقة، هم ضد الإدارة الذاتية، والمنطقة تعتبر قنبلة جاهزة للانفجار.
وأضاف أنه على رؤساء البيروقراطية الأمنية الأخذ بعين الاعتبار المناورات المحتملة لقوات التحالف في شمال شرق سوريا، والتوترات في الشمال الغربي، ومستقبل العملية السياسية في البلاد خلال الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن الأسد بحاجة إلى تركيا للقضاء على الفرع السوري لمنظمة العمال الكردستاني في شمال البلاد، وعليه فإن من المتوقع أن يكون هناك لقاء استخباراتي بين أنقرة والنظام السوري في المرحلة المقبلة لبحث هذه المسألة.
المصدر: صحيفة "عربي21"