العميد د. عبد الله الأسعد
في مشهد اعتاد عليه السوريون خلال السنوات الخمس الأخيرة، لم يكن حريق ساروجة الكبير هو الحريق الأخير من مسلسل الحرائق، بل ستتوالى الحلقات للتخلص من كل معالم دمشق الأموية التي تعكر مزاج الإيرانيين عند ممارسة اللطميات الإيرانية، وحسب معتقداتهم فإنهم هم أولى بالشام من أهلها ويجب أن يستوطنوها.
في الحقيقة من وراء حجج إيران ومعتقداتها غاية كبرى هي الاستيلاء على المركز الاقتصادي الهام بدمشق من سوق الحميدية ومدحت باشا والمسكية والعصرونية والبزورية والأسواق المحيطة بها، وهي أكبر مراكز استقطاب السوريين.
إن ما تضمره نفوسهم تخطّى حدود الجرأة ولم يعد يروق للإيرانيين رؤية السوريين في دمشق، لأنهم يعتبرونهم عائقاً في تنفيذ منهجم الخرافي وأحقادهم التي لم تعد تنتهي على مدى قرون مضت.
لا شك بأن عيون إيران تراقب بحذر شديد وعلى الدوام أحياء دمشق الشامية العريقة كــ حي العمارة القديم وحي ساروجة والقيمرية ومدحت باشا وسوق الحميدية، والحريقة والعصرونية والمناخلية، والمسكية والتكية السليمانية والجامع الأموي وكل الأبنية الأثرية التي تثبت هوية دمشق وتاريخها الأصيل وتبغي تغيير هيكلها والاستيلاء عليها، والإمساك بزمام غُرتها الاقتصادية.
لقد قدّمت إيران عروضاً مغرية لأصحاب المحال في أسواق دمشق من أجل شرائها بأموال باهظة الثمن، لكن أهل الشام رفضوا بيعها للإيرانيين، فبدأت إيران بإيجاد البدائل للحصول على هذه المناطق بطرق أخرى، وكان أولها الحريق الذي تجلّت أول حلقاته في حريق حي العصرونية الدمشقي بجانب قلعة دمشق والذي حصد الكثير من البيوت والمحلات القديمة المكتنزة بالأدوات الثمينة لإجبار أهلها على بيعها بعد أن خسروا كل محتويات محلاتهم ولم يعد يمتلكون الحيلة لترميمها نتيجة ظروفهم المادية المتهالكة، حيث الكل يعرف بأن العصرونية يقصدها يومياً الآلاف من أبناء المحافظات السورية من النساء والرجال والأطفال لشراء ما يحتاجونه من لوازم لا يجدونها إلا في هذا السوق الشعبي الكبير.
الكثير تجار سوق مدحت باشا يومياً يتلقون تهديدات من عناصر دراسات بالأمن السياسي، من أجل بيع هذه المحلات التي يعتبرونها أصبحت بالية، وهم مدفوعون من ضباطهم الذين يرغبون في الحصول على أسهم ليكونوا شركاء لإيران في مخططها الذي يقضي بهدم كل معالم دمشق القديمة والتي لم يسمح سابقاً لأحد منهم البناء عليها وترميمها بحجة أنها معالم أثرية، وتمت مغادرة معظم أبناء دمشق المدينة باتجاه جمعيات السبينة والقدم والمآدنية والحجر الأسود بعد أن حُرموا من البناء في عقاراتهم التي ورثوها عن أهليهم، واليوم يطالبون سكان دمشق ببيعها، ولقد تسربت لتجار دمشق معلومات من محافظة دمشق بأن المخطط التنظيمي الجديد لدمشق سيطال كل أحياء دمشق القديمة كما حصل في تنظيم كفرسوسة.
كل أبناء حي ساروجة أصبحوا على دراية، بأن عمليات تنقيب تحت الأرض بنفس المنطقة تقوم بها إيران لسرقة الآثار الدمشقية، وتقوم بتهريبها خارج سوريا وتضرب طوقاً أمنياً حول المنطقة ويُمنع الاقتراب منها ويحرسها عناصر مسلحون، ومدير المتاحف والآثار أصبح ألعوبة بيد الإيراني وبيد الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد.
واللافت للنظر في ليلة الحريق، حضور أمني واسع لمكان الحريق الضخم وغياب كامل للإطفائيات ورجال الإطفاء الذين حضروا بعد وقت طويل كانت فيه النيران قد التهمت حياً بكامله وجعلته أثراً بعد عين.
فالقصة ليست وليدة اليوم، فالإيرانيون هم أصحاب الحيل والمكر والخداع إذا أرادوا أن يمتلكوا أحياء في دمشق لصقوا بها مقاماً لأحد الأولياء كي يضعوا يدهم عليه كما فعلوا بحي العمارة الدمشقي بحجة وجود مقام السيدة رقية، بنت الإمام الحسين بن علي أبي طالب رضي الله عنهما، وطلبوا من سكان المنطقة شراء بيوتهم المحيطة بقبر السيدة رقية كي يجعلوا منها مزاراً للحجاج الإيرانيين بالثمن الذي يريدون وعندما رفضوا بيعها قاموا بحرق منازل حي العمارة القديم المعروف.
ليست محض صدفة أن يتم حرق الأحياء الدمشقية القديمة المميزة بالصبغة الشامية الأموية، التي تفوح منها روائح الياسمين وعبق شجرة النارنج وعطر المسك، وحي ساروجة كان يسكنه أمراء المماليك والأيوبيين والعثمانيين وكان رمزاً لتاريخ دمشق العريق وفيه منازل كبار العائلات الدمشقية.. خالد العظم وعبد الرحمن باشا اليوسف وهي محط أطماع الإيرانيين الطامعين بالسيطرة على دمشق الأموية من خلال حرق بيت التراث الدمشقي، لطمس البعد التاريخي للعصر الأموي والسلجوقي.
لو فرضنا جدلاً بأن الحريق كما يتبنى إعلام نظام أسد، نشب نتيجة لشرارة كهربائية، لكانت تمت السيطرة على الحريق قبل أن يلتهم ثلاثة أو أربعة منازل، لكن على ما يبدو الحريق متفق عليه بين مخابرات الأسد والمحتل الإيراني حيث استطاعوا أن يكونوا في المكان قبل أن تأتي الإطفائيات التي يجب أن تكون في عاصمة مثل دمشق خلال الدقائق الأولى من بدء الحريق للتعامل مع الحريق. وكيف لمثل هذا الحريق أن ينتشر وهناك العشرات من عناصر الأمن السياسي والشرطة وعناصر ودوريات الأمن الجنائي وسيارات النجدة في أسواق الحميدية وقلب الجامع الأموي وكل أحياء دمشق.
لم يكترث إعلام أسد بالحريق، ولا بالحديث عن المقصرين الذين يجب محاكمتهم، بل أكتفى بالمرور على ذكره مرور الكرام، وتشدقت مذيعة تلفزيون نظام الأسد بأن هذه الأحياء مخالفة للبناء العمراني الحديث ومن الصعب السيطرة على الحريق، ومما يؤكد تآمر نظام الأسد مع إيران على حرق ممتلكات أهل الشام هو تهديد عناصر المخابرات المستمر لأصحاب المحلات بأن محلاتكم لم تعد تتناسب مع التطور العمراني في سوريا، وبانت من فم نظام الأسد وإعلامه رائحة التآمر على دمشق وأهلها.
إن افتعال الحريق في منتصف الليل وقبيل الفجر، الذي التهم أحد أهم الأسواق الدمشقية الأثرية اعتصرت له قلوب أبناء دمشق بشكل خاص والسوريين بشكل عام، وجعلتهم يدركون مدى الخطر الداهم والذي يضم بين طياته حقبة تاريخية عاصرها الدمشقيون آنذاك والذي حصد الكثير من البيوت لم يحصل في دمشق منذ أكثر من قرن مضى عندما نشب الحريق الهائل في منطقة الحريقة، لذا فإن حريق ساروجة عملية مقصودة ومدروسة ذكرتنا بالاحتلال الفرنسي الذي قام بالكارثة.
ويخطط حالياً لبناء مسجد كبير فوق مقام السيدة رقية على نمط مسجد السيدة زينب يغطي على الجامع الأموي ويغير معالمه كمعلم أموي هام للمسلمين في سوريا، وتنفيذ استثمارات إيرانية وبناء أبراج سكنية ومكاتب، وبناء فنادق في محيط الجامع الأموي على غرار فنادق السيدة زينب، كفنادق منازل أمير المؤمنين ومنازل آل البيت وقمر بني هاشم وفنادق بمسميات مختلفة، ينتهي الأمر بها إلى سيطرة إيران على العاصمة دمشق والإبقاء على بشار الأسد عبارة عن واجهة فارغة تلعب بها إيران كيفما تشاء.
لقد أصبحت دمشق مرتعاً لكل الإيرانيين وسيطرت إيران على وزارة الأوقاف ولم تعد هناك وزارة أوقاف معنية بإدارة شؤون المسلمين، بل أصبحت المستشارية الثقافية الإيرانية، هي صاحبة القول الفصل في البت بكل الأمور الدينية، حيث استولت المستشارية الثقافية الإيرانية على مقبرة باب الصغير الدمشقية بحجة أن فيها قبوراً لبعض آل البيت.
المصدر: أورينت نت