عمر كوش
تعددت القوانين التي سنّها مشرعون أميركيون لمعاقبة نظام الأسد على جرائم وفظائع، اقترفها - ولا يزال - بحق ملايين السوريين منذ انطلاق الثورة السورية منتصف آذار مارس 2011، وطالت الإجراءات العقابية التي نصّ عليها النظام وحلفاؤه وداعموه، أفراداً ومؤسسات وكيانات مرتبطة به وبداعميه. وكان أهم تلك القوانين "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، و"قانون مكافحة الكبتاغون"، إضافة إلى مشروع "قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد"، الذي طرح بداية في مجلس النوّاب في 11 مايو/ أيار الماضي، وأجازته بسرعة لافتة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب بالإجماع، ثم وصل إلى مجلس الشيوخ في 14 يوليو/ تموز الجاري.
يُعد هذا المشروع من أقوى التشريعات المتعلقة بسوريا، منذ إقرار قانون قيصر عام 2019، فهو يمتلك أهمية خاصة في حال إقراره، كونه يمنع بشكل قاطع الحكومة الأميركية من الاعتراف بأي حكومة يترأسها بشار الأسد، ويمنع تطبيع العلاقات معه، إلى جانب فرضه عقوبات على المتعاملين مع النظام وأنصاره وداعميه.
لم يتوقف المشرعون الأميركيون عند هذا الحدّ، بل طرح نواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري مؤخراً مشروع قانون الكبتاغون 2، الذي يحث الحكومة الأميركية على اتخاذ إجراءات عقابية على نظام الأسد والميليشيات الإيرانية، وخاصة حزب الله اللبناني، لدورهم في تصنيع وتهريب المخدرات، ويطالب بفرض عقوبات على شبكات مرتبطة بالنظام وبحزب الله، تعمل في تصنيع وتهريب المخدرات، وعلى جميع من ينشط في الاتّجار بمخدرات الكبتاغون أو بتصنيعها أو بتهريبها أو بتحويل الأرباح الناجمة عنها. كما طرحت النائبتان الديمقراطيتان في الكونغرس الأميركي، رشيدة طليب وإلهان عمر، مشروع قانون يحثّ الولايات المتحدة على دعم الجهود الدولية لمحاسبة النظام السوري على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها في سوريا، ويؤكد أن "نظام الأسد ارتكب بعضاً من أسوأ الفظائع في القرن الحادي والعشرين". وذهبت رشيدة طليب إلى القول إن "وجود قوانين دولية لحماية المدنيين في أوقات الحرب، وتأكيد حقوق الإنسان العالمية أمر جيد، لكن هذه القوانين والاتفاقيات لا معنى لها إذا لم يتم تطبيقها".
تعبّر هذه القوانين عن مواقف الولايات المتحدة الرافضة لإعادة تأهيل نظام الأسد والتطبيع معه، وساهم في إصدار معظمها منظمات أميركية، أسسها ناشطون من الجالية السورية في الولايات المتحدة، وذلك بعد أن تمكنوا من تنظيم أنفسهم في مؤسسات مناصرة للقضية السورية، وبناء علاقات مهمة مع عدد من أعضاء في الإدارة الأميركية، وفي مجلس النواب الأميركي. ويبرز بينها "التحالف الأميركي من أجل سوريا"، المشكل من تسع منظمات في عام 2021، و"المجلس السوري الأميركي" الذي تشكل عام 2006.
يجادل المسؤولون الأميركيون، ومعهم معارضون سوريون، بأن العقوبات الأميركية المفروضة، تهدف إلى إضعاف النظام، والحدّ من قدراته عسكرياً واقتصادياً، من خلال استهداف هيئاته وكياناته وأفراده الرئيسيين، وكذلك الأفراد والجهات والكيانات الأجنبية، التي لديها علاقات تجاريّة مع النظام، بما يشكل تهديداً مباشراً لحلفاء النظام وداعميه، ومن بينهم روسيا وإيران، وتلوّح بفرض عقوبات على بعض دول الخليج المطبعة مع النظام، والبلدان الأخرى التي قد تُقدم على تطبيع علاقاتها مع النظام، وخاصة في حال إبرامها عقوداً تجارية معه أو عقود إعادة الإعمار.
يعود تاريخ العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على نظام الأسد إلى ثمانينيات القرن العشرين المنصرم، حيث فرضت عليه حزمة من العقوبات، على خلفية تصنيفها له ضمن فئة الدول الراعية للإرهاب، ثم تجددت العقوبات عليه بأشكال أخرى خلال عهد إدارتي جورج بوش الأب (1989-1993)، وبيل كلينتون (1993-2001)، وشملت تخفيض الصادرات الأميركية إلى سوريا، وكذلك جددت الإدارة الأميركية عقوباتها في فترة إدارة جورج بوش الابن في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2003، من إقرار "قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان"، الذي تضمن منع التعامل الاقتصادي والتجاري معه، ومنع الشركات الأميركية من الاستثمار، ومن دخول السوق السورية، وسوى ذلك. ومع انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد في منتصف مارس/ آذار 2011 أصدر، باراك أوباما، في 29 أبريل/ نيسان 2011، أمراً تنفيذياً، يقضي بفرض عقوبات جديدة على النظام، وسّع فيه العقوبات المفروضة عليها بموجب القرارات المتخذة في سنوات 2004، و2006، و2008.
المشكلة ليست في مدى تأثير العقوبات على نظام الأسد وجدواها، فهي مجدية وتؤثر عليه بقوة، بل في أنه نظام مارق، مثله مثل رصيفيه الإيراني والروسي، اعتاد على العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليه منذ سنوات عديدة، وبات يمتلك خبرة واسعة في الالتفاف والتحايل عليها بوسائل عديدة، من خلال إنشاء بعض أزلامه شركات ظلّ وحسابات متعددة في دول مختلفة وعديدة، بغية التستر على الأنشطة التجارية لصالحه.
لم يتوقف نظام الأسد عن سعيه من أجل الإفلات من المسؤولية عن الكارثة التي سببها للسوريين، من خلال تحميله العقوبات مسؤوليّة جميع مظاهر الفشل والانهيار الاقتصاديين في مناطق سيطرته، بل عمد هذا النظام إلى اتخاذ تدابير وآليّات لتخفيف أثر العقوبات عليه، في حين اتخذ، بالمقابل، تدابير تُحيل معظم آثارها السلبية لتُصيب غالبية السوريين الخاضعين له في مناطق سيطرته، من خلال التضييق على أحوالهم المعيشية، وجعلهم يلهثون وراء تأمين أساسيات وضروريات حياتهم اليومية، فضلاً عن تحمّلهم تأثير العقوبات على قطاعي الطاقة والمال. كما أن النظام حاول تخفيف وطأة العقوبات عليه من خلال استدرار الدعم الخارجي، القادم من روسيا وإيران، وتنشيط السوق السوداء، واقتصاد الحرب والعقوبات، وكل النشاطات والفعاليات التي يستفيد منها أزلامه ومناصريه، وتشجيع الفساد والنهب، ورعاية عمليات التهريب، وخاصة المخدرات، التي بات يبتزّ بها دول الخليج والعالم.
حاصل القول، ليست الغاية من العقوبات الأميركية تغيير النظام أو إسقاطه، كما يحاول بعضهم إشاعة ذلك، إنما التضييق عليه، والضغط باتجاه ثنيه عن ارتكاب مزيد من الجرائم بحق السوريين، وإرغامه على الدخول في مسار الحل السياسي وفق القرار 2254، وهو أمر لم يتحقق بعد، بالنظر إلى عوامل عديدة، أهمها الدعم غير المحدود له، وعلى كل الأصعدة، من طرف النظامين الروسي والإيراني وسواهما، لذلك من الضروري إجراء تقييم للدور الذي تلعبه العقوبات في التأثير على النهج الذي يتبنّاه النظام في التعامل مع القرارات الأممية، وأن يشمل التقييم تبيان أثر العقوبات على سلوك داعميه. والأهم من ذلك أن تدرج العقوبات ضمن استراتيجية أميركية وأوروبية شاملة، تهدف إلى إجبار النظام على الدخول في الحل السياسي، وتكييف استخدام العقوبات في إطارها.
المصدر: تلفزيون سوريا