صحافة

السوري أسيراً

الأحد, 23 يوليو - 2023

صبا مدور


السوري، في داخل سوريا وفي مناطق النظام، ليس حراً، فهو رهين النظام وساديته ونرجسيته، وعليه ان يتعلم ويتقن فنون الولاء والتملق وبغيره سيظل مجرد شبح انسان يعيش على الهامش بلا حقوق ولا قدرة عيش هو واسرته، ظل السوري خمسين عاما يعيش التيه داخل وطنه، عليه ان يغني ويرقص مثل العبيد والإماء، فيبدو للرائي مليئا بالفرح، فيما تنخر روحه مشاعر الخضوع للرق، وما يعنيه ويقود إليه. 

ولما ثار السوري باحثاً عن الحرية، حصل عليها لوهلة، عندما أصبح قادراً على تحديد خياراته، والرغبة ببناء أقداره. ولم يكن ذلك سهلاً، فقد اقترن والخراب والتهجير وتدمير كل شيء، لكن السوري الثائر وجد أن لحظة الحرية تستحق ما يبذل من أجلها، لا سيما حينما بدا نصره قريباً وممكناً.

هذا السوري عاد ليجد نفسه في خضم إرتهان جديد بعدما تواطأ البعيد والقريب لإنقاذ النظام، فقد أصبح رهين خيانة المقربين، وفشل أو عجز ممثليه السياسيين، وتفاقم مشكلات الثورة بعدما طال عليها الأمد، وانهيار مكتسبات السنين الأولى، واحساسه بالتفريط بتضحيات غالية وبدماء عزيزة نزفت من اجل ذلك، وفي غمرة شعوره بالارتهان لمشاعر خيبة الأمل، كان عليه ان يعاني أيضا من الخضوع لإذلال المنافي، وأن يقع فيها أسيراً للغربة والحاجة للأمان والكرامة، وتحول سياسات البلدان المستضيفة وتقلباتها، حتى بات من كان يظن نفسه (محظوظا) بالاستقرار خارج سوريا واندماجه وسط سكان بلد جديد، يعيش على هاجس الخوف من الاحتجاز لخطأ ما، يتسبب بتقييده وترحيله على الفور إلى سوريا.

هذا الخوف صار عاماً، وهو على ما يبدو لا يعني أحدا من الدول ومنظمات حقوق الإنسان، فالسوري أصبح عند هؤلاء (عبئا) على النظام الدولي، من غير أن يصرح أحد بذلك، حتى بدا أن ملايين السوريين صاروا اليوم أسرى البقاء المهدد في بعض بلدان اللجوء، وبين الترحيل القسري الى الشمال السوري، حيث تنتظرهم الظروف الصعبة وغربة أخرى في بلد لم يعودوا يعرفوه، بعيدا عن ديارهم الأصلية في مدن سورية تعرضت للخراب والتغيير الديموغرافي، من دون مال ولا عمل ولا عون.

قبل أيام، زار رئيس الوزراء العراقي شياع السوداني دمشق، وطلب من رئيس النظام تسلم مواطنين سوريين قال إنهم يقيمون في بلاده بطريقة (غير شرعية)، أعداد هؤلاء تبلغ الآلاف، وجميعهم يعيش ويعمل بأجور زهيدة، وظروف معقدة، أسرى خوف دائم من ملاحقة السلطات، ولا يخدمهم غير ما هو معروف من الترهل في المؤسسات العراقية، وقدرة أرباب العمل العراقيين على تسوية أمورهم مع المسؤولين الرقابيين بطريقة او بأخرى، فيحتفظون بعمالتهم السورية الرخيصة والماهرة، ويحتفظ السوري بعمله الذي سيكون طبعا بلا ضمانات ولا حقوق، لكن مع امتياز نسبي بقبوله في المجتمع العراقي، من دون وجود أي ملامح على تمييز اجتماعي عنصري ضده.

لكن في لبنان وتركيا يبدو الأمر مختلفا، ففي كلا البلدين يقيم ملايين السوريين، ويتعرضون لتمييز اجتماعي يتجاوز بكثير أي تقييدات رسمية بحقهم، ومع الإجراءات التركية الأخيرة الخاص بترحيل السوريين، فإن الخوف لم يعد يقتصر على التصريح بأنك سوري، بل يتعداه، إلى القدرة على التنقل وكسب العيش بل وحتى الخروج من البيت، بعدما أصبحت اية مخالفة تقود إلى الترحيل من الشارع إلى الشرطة وكأنك مجرماً ثم إلى الحدود من غير تسوية الأوضاع أو حتى إبلاغ العائلات والأهالي. 

بالطبع بدأ لبنان بإجراءات الترحيل قبل تركيا، لكن البلدين ما زالا يمارسان ذلك على مستوى محدود وبأعداد قليلة، وهو ما يمكن ان يتحول سريعا إلى عملية واسعة ومستمرة، بسبب الصمت الدولي، وعدم اكتراث منظمات حقوق الإنسان، وموقف الائتلاف السوري المثير للتساؤل.

ومع إجراءات الترحيل المتصاعدة، سيكون على السوري أن يعود بمخاوفه من حيث بدأ بها، إلى حيث العيش أسير الخوف من الجوع والقصف والاعتقال والإجبار على القتال في حروب لا يريدها، بعدما كان قد هرب قبلا من هذه المخاوف، فعاش في بلاد اللجوء أسير الخوف من العنصرية ومن رسائل السياسيين واستخدام الرغبة بطرده كورقة أساسية في الانتخابات ومن الحاجة للعمل والقبول بالحد الأدنى للعيش، ثم أصبح أسير بيته لا يخرج منه، خشية أن يكون عرضة لمخالفة ما تؤدي به على الترحيل من جديد حيث خوفه الأول.

هي دائرة من الارتهان، لكل ما هو مؤذ ومخيف، تبدأ بالسوري من سوريا، قبل أن يعود قسرا ليواجهها من جديد، من دون أن نعرف ولو من باب الشك، إن كان يمكن كسر هذه الدائرة يوما ما.


المصدر: المدن

الوسوم :