صحافة

النظام السوري ومحكمة العدل: خطوة حاسمة على طريق طويل

الأربعاء, 14 يونيو - 2023
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

منذ صيف 2011 بادر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة، أوكل إليها البحث في جميع الانتهاكات المرتكبة في سوريا ابتداء من شهر آذار/ مارس ذلك العام، وهو تاريخ ابتداء الانتفاضة الشعبية السلمية التي واجهها النظام السوري بأقصى أشكال العنف والأسلحة الأشد فتكاً بما في ذلك الكيميائية والجرثومية والبراميل المتفجرة.

وضمن نطاق ولايتها كُلفت اللجنة بإجراء تحقيقات خاصة حول مجازر محددة ارتكبها النظام السوري سنة 2012 في الحولة، و2016 في حلب، و2018 في الغوطة الشرقية، فضلاً عن الطلب في 2020 بإعداد تقرير خاص حول الاعتقال والاحتجاز التعسفيين. وكان الهدف الأبرز هو «تحديد المسؤولين حيثما أمكن، بغية ضمان مساءلة مرتكبي هذه الانتهاكات، بما فيها تلك التي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية» حسب نصّ قرار تشكيل اللجنة.

واليوم، ومع تضخم أنساق انتهاك النظام السوري لأبسط المواثيق الدولية وارتكاب أبشع جرائم الحرب، باتت جميع منظمات حقوق الإنسان المستقلة مجمعة على سجلّ مريع يتضمن مئات الآلاف من الضحايا، وآلافا لا عد لها من السجناء والمغيّبين، وأفنانا من التعذيب الوحشي والقتل في الزنازين، وآلاف المعطيات المادية التي توثّق تلك الجرائم والانتهاكات، وكل هذا بمعزل عن حقيقة إجبار 10 ملايين مواطن سوري على النزوح، وعيش 13.5 مليون آخرين في حاجة إلى مساعدة إنسانية قصوى أو عاجلة.

ورغم ذلك كله وسواه كثير فظيع، بقي النظام السوري بعيداً عن المساءلة في محكمة الجنايات الدولية، يواصل التمتع بالإفلات من العقاب أو حتى المساءلة، وذلك بسبب إصرار موسكو على التصويت في مجلس الأمن الدولي ضد أي قرار يحيل بشار الأسد أو مجرمي الحرب داخل نظامه إلى المحاكمة. العقوبات ضد الأفراد ظلت تصدر عن الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة وهذه الدولة أو تلك من دون أن تشكل ضغطاً جدياً يردع النظام في الحدود الدنيا، بل حدث العكس أحياناً حين تعمد النظام الإمعان أكثر في ارتكاب جرائم الحرب كلما اتُخذت قرارات عقابية بحق أفراده المقربين.

في ضوء هذه الحال فإن الشكوى ضد النظام في محكمة العدل الدولية، التي تقدمت بها هولندا وكندا مؤخراً، تكتسب أهمية نوعية فارقة، ليس لأنها المقاضاة الأولى من نوعها في هذه الحكمة على خلفية جرائم حرب ارتكبها النظام السوري بما فيها استخدام الأسلحة الكيميائية والعنف ضد الأطفال فحسب، بل كذلك لأنّ الدولتين شددتا على اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المعرّضين لخطر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية في سجون النظام، وطالبتا المحكمة بإصدار أوامر للنظام بالإفراج عن السجناء المحتجزين تعسّفياً، والسماح للمراقبين الدوليين بدخول مراكز الاحتجاز.

الطريق طويل قبل أن تسفر الشكوى عن أي نتيجة ملموسة، وضروب عرقلة العدالة عديدة ومتنوعة وخبيثة، غير أن الخطوة في ذاتها تدشن مساراً سليماً ومطلوباً تأخر الشروع فيه أصلاً، كما أن توقيتها حاسم لأنه أتى في سياق الدعوات إلى تبييض صفحة النظام وغسل أيدٍ تلطخت بدماء أبناء سوريا على مدى 12 سنة ونيف.


المصدر: القدس العربي