سمير صالحة
من بين أهم وأكبر التحديات التي تنتظر تركيا في سياستها السورية القادمة، مسألة إعداد خطة تحرك سياسي على أكثر من جبهة داخلية وخارجية: ملف اللجوء ومساره. وشكل الحوار مع النظام في دمشق وأولوياته. وفرص التنسيق الإقليمي الذي بدأ مع موسكو وطهران والانتقال به إلى مرحلة جديدة عبر إشراك عواصم عربية فاعلة ومؤثرة في الملف السوري.
أكثر ما يريد الداخل والخارج معرفته هو من الذي سيقود الملف ويتولى المهمة إلى جانب الرئيس أردوغان؟ بورصة الأسماء كثيرة ومتنوعة حول من سيجلس على مقعد وزارة الخارجية التركية بعد مولود جاويش أوغلو. الدائرة الأولى المحيطة بأردوغان هي التي تقود الملفات الداخلية والخارجية إلى جانبه. هناك أقرب أعوانه إبراهيم قالن وهاقان فيدان وخلوصي أكار إلى جانب جاويش أوغلو.
تقول التجارب السابقة ولعبة التوازنات السياسية في سياسة تركيا الداخلية والخارجية إن بقاء وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو في مكانه هو الأنسب، وهو الخيار الأسرع والأسهل لكونه يمسك بكافة تفاصيل الملفات وعلى رأسها السوري منذ سنوات. خبرته تساعد على التعامل مع المتغيرات المطلوبة والاحتفاظ في الوقت نفسه بالثوابت التركية التي لن يُفاوض بشأنها في المشهد السوري.
لكن المسار الجديد كما يقال سيكون عبر فرق عمل تشرف على الملفات بشكل منفصل وتضم مجموعة من السياسيين والدبلوماسيين والتقنيين، تحت مظلة وزارية تجمع الخارجية والدفاع والداخلية ويشرف الرئيس أردوغان على عملها بشكل مباشر. هناك 3 خطوط عامة لسياسة تركيا السورية المقبلة:
- ثوابت لن تتغير.
- متغيرات مرتبطة بالتفاوض.
- تفاوض يفتح الطريق أمام مسار سياسي وأمني جديد في الحوار مع النظام.
الشق السياسي ومساره هما من سيحدد تقدم بقية الملفات الأمنية والميدانية والاقتصادية. يقول النظام في دمشق إن أي تطبيع مع أنقرة سيكون مرتبطا بمسألة الانسحابات التركية العسكرية من سوريا. فكيف ستكتمل عملية تسهيل عودة مئات الآلاف من السوريين إلى أراضيهم في منطقة يعجز النظام السيطرة عليها وهو يواجه نفوذ قسد في شرق الفرات والحماية الأميركية لها ولا يملك من الأموال ما يوفر له تأمين احتياجات العائدين بمئات الآلاف؟
دون وجود حلحلة سياسية في الملف السوري وتوفير الضمانات التي سيحتاجها مئات الآلاف على أكثر من صعيد أمني ومعيشي واجتماعي، لماذا يعود وما هي الحوافز التي تدفعه للعودة؟ ستتمسك أنقرة إذاً بعملية الربط بين عودة اللاجئ السوري إلى أراضيه من دول الجوار الخمس سوريا والعراق ولبنان والأردن وتركيا، وبين أن يكون ذلك مصحوبا بخطة انتقال سياسي في سوريا تشارك في إنجازها التفاهمات الإقليمية القائمة اليوم بشأن الأزمة.
الذي تريد أنقرة معرفته كذلك هو مدى استعداد العواصم العربية الفاعلة في الملف للدخول السريع والفاعل على خط الأزمة، وأين سيكون مركز التقاطع التركي العربي الروسي الإيراني في الملف؟
الغامض أيضا هو حجم التنسيق مع العواصم الغربية التي وقعت اتفاقية اللجوء مع تركيا عام 2016، وحيث باتت التطورات السياسية والاقتصادية والميدانية الجديدة مراجعة لهذا المسار أيضا. هل سيكون التحرك بالتنسيق مع الغرب الأميركي والأوروبي، أم على حسابه ورغما عنه في سوريا؟ ومن الذي سينجح في الجمع بين الطروحات والمواقف الأميركية والروسية في سوريا أمام الكثير من ملفات الخلاف والتباعد الثنائي والإقليمي؟ أم أن الهدف هو التحضير لمواجهة ما تعد له واشنطن من مفاجآت باتجاه عرقلة المسار الإقليمي الجديد وكيف ستكون طريقة الرد؟
أمام الرئيس التركي وحزبه فرصة كبيرة سانحة اليوم وبعد الفوز في الانتخابات لا يريدان التفريط بها. الأجواء الداخلية والخارجية تساعد أنقرة على تحريك وتسريع الحوار في المشهد السوري لتسجيل الاختراق السياسي البعيد عن الحلول المؤقتة، والتي لا تخدم مصالح تركيا في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها. معادلة بحث ملف اللجوء والإرهاب مع نظام الأسد دون الذهاب وراء تحرك سياسي حقيقي تركي وإقليمي لن تخدم تركيا كثيرا ولن تساعدها على الخروج من ارتدادات ملفات عاصفة في سياستها السورية. إدلب وشرق الفرات لا بد أن تكون في صلب المفاوضات أيضا مع شركاء الطاولة السورية الإقليمية الجديدة.
قد تكون مسألة اللجوء بالنسبة لتركيا، ومسألة خسارة دولة عربية فاعلة مثل سوريا بالنسبة للعواصم العربية، ومسألة فرصة استراتيجية لا يمكن التفريط بها بالنسبة لموسكو وطهران. وتصلب أميركي لا بد منه لحماية النفوذ في الإقليم. لكن هذا لم يكن ما وعد به الثائر السوري قبل عقد ونيف عندما قرر مواجهة نظامه والمطالبة بالتغيير والإصلاح.
غالبية الشعب السوري تقول نريد حلا سياسيا بينما يتمسك البعض بتحويلها إلى مسألة لجوء وجماعات إرهابية ومساعدات تقدم لتسهيل العودة وإعادة الإعمار، وكأن ما سيشيد لن يهدم إذا لم يكن هناك ضمانات وتوافقات سياسية حقيقية ملزمة ومحصنة دستوريا واجتماعيا وأمنيا حول المسار الجديد.
في سوريا هناك مدن مدمرة وهناك أزمات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية تتفاقم يوما بعد آخر تنتظر الحلول. وهناك بالمقابل نظام يتاجر بكل هذه الملفات مستقويا بالحليفين الروسي والإيراني. فكيف سنقنع اللاجىء السوري في دول الجوار بالعودة وسط كل هذه التجاذبات والمخاطر والتهديدات؟
يعتقد بشار الأسد أنه ربح المعركة لأن الغرب خرج من المشهد السوري ولأن العلم الأميركي في شرق الفرات سيمنحه فرصة المناورة لانتزاع المزيد من حلفائه، وأنه بات في مقدوره الاستقواء ببعض العواصم العربية والضغوطات الإيرانية والروسية على أنقرة لتسريع الحوار مع دمشق وتفعيله. حتى ولو سجل بعض النقاط سياسيا فالميدان ليس بيده ولن يكون معه لأنه لا يملك القدرة على تنفيذ أي وعد يقطعه للسوريين. فكيف يعود اللاجىء وإلى أين؟
خسر بشار الأسد الرهان على كمال كليتشدار أوغلو والمعارضة التركية لإنقاذه من تصلب وتشدد أردوغان في سوريا. لكن موسكو تريد تحويل ذلك إلى فرصة استراتيجية أبعد من المعادلة السورية. التلويح بمطلب انسحاب القوات التركية من سوريا هو موقف روسي قبل أن يكون موقف النظام في دمشق. تسعى موسكو لمقايضة سياسية مع أنقرة هناك. المزيد من التعنت التركي في موضوع عضوية السويد الأطلسية والحؤول دون تمدد الحلف باتجاه الجغرافية الروسية، مقابل تسريع الحلحلة السياسية في سوريا والمزيد من الفرص الاستراتيجية الإقليمية لتركيا في مسائل الطاقة والتجارة.
مرة أخرى لا يمكن الفصل بين ملف اللجوء وبين أسبابه وتفاعلاته داخل سوريا. ولن تكفي طمأنة اللاجىء السوري عندما نقول له إنه لن يعود دون رضاه. ما يطمئنه أكثر هو أن نقول له إن عودته ستكون مرتبطة بحل سياسي للأزمة يضمن له هذه العودة.
والشكر موصول لعشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في تركيا الذين تحملوا "تزنيخ" بعض الأصوات المتطرفة والمتشددة، التي لا علاقة لها بقواعد التعامل التركي مع الشعوب المغدورة والمضطهدة والتي قرعت أبوابها هربا من القمع والتعذيب والقتل، والحالات مدونة ومتناقلة في كتب التاريخ والجغرافيا ومبادئ الإنسانية
المصدر: تلفزيون سوريا