عصام تليمة
حال العسكر والحكم العسكري في بلادنا مع معارضيهم؛ حال غريب، فعادة من يظلم أن يقتل فصيلك، ثم يسجنك، بتهمة المعارضة، أو أي تهم أخرى، وما أكثرها، لكن الغريب في عسكر مصر أنهم قتلوا الإخوان والمعارضين بكل وسائل القتل وبخاصة خارج القانون، وزاد من الفجور السياسي أنهم يحاكمونهم بهذه التهمة على الجريمة التي قام بها العسكر نفسه.
فمنذ أيام قلائل، صدر حكم جديد من القضاء المصري المسيس، بإحالة أوراق ثمانية من المعارضين الإسلاميين ـ ومعظمهم قيادات إخوانية ـ للمفتي، وذلك تمهيدا للحكم عليهم بالإعدام، وأسماؤهم كالتالي مع حفظ الألقاب: محمد بديع، محمود عزت، عمرو زكي، أسامة ياسين، محمد البلتاجي، محمد عبد المقصود، عاصم عبد الماجد، صفوت حجازي.. والتهمة ماذا؟ أحداث المنصة سنة 2013م.
أي أن العسكر يحاكم الإخوان، على أحداث يوم المنصة، وهو حادث شاهد بكل التفاصيل على إجرام العسكر، وفتكه بالإخوان، وبالمعارضين السلميين، في أطهر أيام العام كله، في شهر رمضان، فالمقصود بأحداث المنصة هنا، هو يوم 26 تموز/ يوليو سنة 2013م، وهو ما سمي بيوم التفويض للسيسي بفض الاعتصامات، ومواجهة ما ادعى أنه العنف والإرهاب المحتمل.
هذا اليوم سبقه بيومين، أنه في 24 من تموز/ يوليو، خرج السيسي بخطابه الذي طلب فيه من الناس النزول لتفويضه، ولأن الأيام وقتها كانت أيام صيام رمضان، فجعلوا خروجهم للتحرير بعد الإفطار، ونزل فيه بعض الفنانين المؤيدين للسيسي، ولم ينزل سوى أعداد قليلة، في المقابل كانت أضخم صلاة جمعة في ميدان رابعة العدوية، حتى وصلت الجماهير الحاشدة من اتجاه المنصة إلى ما بعد النصب التذكاري والمنصة، وكذلك من جهات الميدان الأخرى.
صلى الناس الجمعة، وخرجت الجماهير وهي صائمة في مسيرات في حر القاهرة القائظ، مسيرات حتى ميدان العباسية، وهي مسافة طويلة جدا، تبلغ عدة مترات، ومن شدة الحر، كانت محلات العصائر في الطريق، تفتح خراطيم المياه، ويطلب المتظاهرون رشهم بالمياه على ثيابهم حتى تبتل أجسادهم، في مشهد لا شك أنه بلغ الانقلاب وقتها. فهناك مشهد خاف أصحابه النزول للتفويض للسيسي إلا بعد الإفطار، ومشهد معارضين يسيرون نهارا صائمين، حتى علقت البي بي سي وقتها على المشهد بقولها: مؤيدو مرسي يتحدون الحر الشديد بمسيرات حاشدة.
عندما جاء الليل، وانتهت صلاة التراويح، خرجت مسيرات ليلية كالعادة، جابت عدة مناطق، منها مسيرة مشت حتى ما قبل الكوبري الذي بعد جامعة الأزهر، مشت بشكل سلمي تماما، تنشد الأناشيد المؤيدة للرئيس الشهيد مرسي رحمه الله، وبعد أن تحركت المسيرة لخمس دقائق، فوجئ المتظاهرون بمطلع الكوبري وقد ملأه حشود من الأمن المركزي والقوات الخاصة، فقرروا العودة، وعند عودتهم أطلق الجند عليهم الغاز المسيل للدموع، والرصاص الحي.
كنت بين السائرين، وكنا قريبين في العودة من مسجد الزهراء بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، ومرت رصاصة قاتلة من فوق رأسي، حيث نزلت على الأرض لأساعد امرأة تحمل ابنتها التي سقطت على الأرض من أثر الغاز، لأرى رصاصة تصطدم بسور مبنى قاعة المؤتمرات، وقد كان مكانها رأسي لولا لطف الله
في هذه الليلة، تم استخدام جامعة الأزهر، وأسوارها، بل وأسوار مسجد الزهراء، في فيديوهات موجودة على اليوتيوب، وفي اليوم التالي خرجت على قناة الجزيرة في مداخلة كانت أشبه بالمغامرة قد تودي بموتي، ذهبت لأدلي بشهادتي فيما حدث، وقد كان زيي الأزهري ملطخا بدماء الشهداء والجرحى، وأعلن في هذه الليلة عن عدد كبير من الشهداء، ومن ماتوا سريريا.
هذا مجمل لما شهدته بعيني في ليلة أحداث المنصة، والتي استمرت حتى الصباح، وقد بدأ الناس صيامهم، وهذه هي الأحداث التي يحاكم العسكر الإخوان ومعارضيه بسببها، فمن قتل أبناءهم يحاكمهم القاتل بجريمة القتل، ليحاكم المرشد الذي قال: سلميتنا أقوى من الرصاص، بتهمة استشهاد ابنه في ميدان رابعة، ويحاكم محمد البلتاجي الذي استشهدت ابنته في رابعة، فيحاكم بتهمة قتلها!!
ليس هناك ما يستغرب في أحكام العسكر، أو في قضائه، فلا جديد في كتالوج الحكم العسكري، فقد كان المثل المصري يقول: يقتل القتيل ويمشي في جنازته، لكن العسكر يقتلون القتيل ويتهمون أباه وإخوانه بقتله، وكالعادة سيذهب الورق للمفتي، وسيصدق عليه، لأنه لا يملك سوى ذلك، حتى لو كان رأيه استشاريا لا إلزام فيه، وفي أحداث شهد بها القاصي والداني بأن القتيل والمظلوم هم الضحايا، بينما من يقدم للحكم عليه بالإعدام أهله، ويقدمون من القتلة أنفسهم!!
وهو ما يدعونا للمقارنة بين حكم الاحتلال، وحكم العسكر، ومفتي مصر في عهد الاحتلال الأجنبي، وفي عهد العسكر، فقد كان الإمام محمد عبده مفتيا وقت الاحتلال الإنجليزي، وعرضت عليه عدة قضايا قتل عمد، وعندما يجد في القضية ما يثير الشبهة، ينتقل بالحكم من الإعدام إلى عقوبة أخرى، بينما في حكم العسكر، يتهم أهل القتيل بقتله، ومن يحكم عليه هو القاتل نفسه!!
المصدر: عربي21