صحافة

عن لقاء بشار الأسد بأحبته

الأحد, 21 مايو - 2023
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

عمر كوش


ذهب بشار الأسد إلى جدة، مزهواً، ليس بنفسه فقط، بل بجرائمه التي ارتكبها بحق ملايين السوريين أيضاً، كي يشارك في القمة العربية في دورتها الثانية والثلاثين، ويلتقي أضرابه من قادة الأنظمة العربية، وذلك بعد أن تراجعت جامعتهم عن قرار تجميد عضوية نظامه، الذي اتخذته قبل نحو 12 عاماً، وقررت إعادته مع جميع المنظمات والأجهزة التابعة له إلى حضنها، اعتباراً من 7 مايو/ أيار الجاري.

إذاً، عاد الأسد إلى حضنهم في عودة تشبه "عودة الحبيب إلى الحبيب"، مثلما وصفها بفرح منقطع النظير وزير خارجية النظام فيصل المقداد، لذلك لم يوفر بشار "الحبيب" فرصة مشاركته في القمة، دون أن يطلق قهقهاته البلهاء في جميع أروقتها، ويوزع ابتساماته الزائفة كلما التقى بأحد "أحبته" من القادة العرب، الذين وصفهم ذات يوم بـ "أنصاف الرجال" أو أشباههم، وكالَ لهم، في أكثر من مناسبة، العديد من الشتائم. وها هو يعود إليهم، كما عاد سواه من قبل، ويُستقبل من طرفهم بعد كل جرائم الإبادة والتعذيب والتهجير، ولم يعد مستغرباً في أن يلتقي بقادة الأنظمة العربية تحت مظلة جامعتهم، ليستمع إلى كلماتهم الترحيبية، "النابعة من القلب"، وهم يعبرون عن سعادتهم لعودة "حبيبهم"، ولمدى الاشتياق إليه، بعد أن أنجز المهمة، وتمكّن من البقاء في السلطة مثلهم، وبات سائر الجاثمين على صدور شعوبهم، الذين لا يكترثون بالثمن الذي تدفعه الشعوب العربية مقابل بقائهم في السلطة.

انعقاد القمة العربية، سواء في جدة أم سواها من المدن العربية، لا يعني كثيرا، لأنه ثَبتُ من خلال القمم العديدة السابقة، التي تجاوزت الثلاثين قمة، بأنها ليست أكثر من حدث صوتي وإعلامي، تزول تأثيرات بمجرد صدور البيان الختامي، لكن اللافت في قمة جدة هو اختفاء الأحاديث الإعلامية والتحليلات السياسية، التي بشّرت بتطبيع عربي مشروط مع نظام الأسد، وحاولت تسويق مبادرة عربية، تقوم على مبدأ "خطوة مقابل خطوة"، وتضع شروطاً عديدة، مقابل التطبيع معه، واتضح أنها مبادرة صوتية أيضاً، إذ لاذ بالصمت أصحاب تلك المقالات والتحليلات، الذين تطوعوا من أجل بيع الأوهام، فلم يعد وارداً الحديث عن تعهد هذا النظام بوقف تصنيع المخدرات وتهريبها إلى البلدان العربية، وخاصة حبوب الكبتاغون، ولا عن تأمين بيئة آمنة، أو مناسبة، لعودة ملايين اللاجئين السوريين إلى ديارهم، التي أجبرهم نظام الأسد على تركها. ولم يكن صحيحاً أن بعض الأنظمة طالبته بـ "وقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران، ووقف استفزازاتها للسنة والأقليات العرقية في سوريا"، الأمر الذي يشي بأن الثابت الوحيد هو أن التطبيع العربي كان في الأساس تطبيعاً مجانياً، لا شروط له، وولّد لدى النظام إحساسا بالثقة، دفعت أبواقه الإعلامية إلى طلب الاعتذار من الأنظمة على تدخّلها في سوريا. كما أنه ليس صحيحاً ما أشيع عن أن التطبيع العربي مع نظام الأسد هدفه مواجهة خطوات التقارب التركي مع نظام الأسد، وتقوية موقفه حيالها، ولا من أجل أن شدّه إلى الحضن العربي، والدفع نحو انفكاكه عن الحضن الإيراني، الذي شكل على الدوام المأوى الاستراتيجي له. إضافة إلى أن الأنظمة العربية لا تريد الإقرار بأن نظام الأسد الإجرامي هو أساس الأزمة في سوريا، وأن القضية السورية لها مسارات متعددة، يجب النظر بما ينسجم مع القرارات الأممية، ومن غير القفز عليها، وبما يمنح النظام جوائز على جرائمه.

لا تشترط الأنظمة على قادتها أي شروط، كي يمكثوا في الحضن العربي ما استطاعوا إليه سبيلاً، ولا تقيم وزناً للجرائم والمجازر التي يرتكبونها بحق الشعوب، وهي إن اضطرت يوماً إلى إبعاد أحدهم عن حظيرتها تحت ضغوط دولية، فإنها سرعان ما تعيده إليها، والأمثلة كثيرة في هذا السياق، حيث إن قرارها تعليق عضوية مصر، بعد زيارة أنور السادات إلى إسرائيل في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1977، وتوقيعه اتفاق كامب ديفيد معها في 17 سبتمبر/ أيلول 1978، تراجعت عنه في 26 مايو/ أيار 1989، وبقيت اتفاقيات التطبيع التي وقعها السادات مع إسرائيل إلى يومنا هذا. أما عمر حسن البشير، فقد شارك في قمة عمان 2017، على الرغم من أن المحكمة الجنائية الدولية، أصدرت مذكرة توقيف دولية بحقه في عام 2010، واتهمته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة جماعية، وجرائم حرب. وهي جرائم تشابه الجرائم الكثيرة، التي ارتكبها نظام الأسد ضد غالبية الشعب السوري.

لعل ما يثير السخرية أن الأمين العام لجامعة الأنظمة العربية، أحمد أبو الغيط، الذي سبق أن استقبل البشير في قمة عمان، استقبل كذلك بشار الأسد في جدة، ولم يخجل من نفسه عندما تحدث عن أن "الأسد ربح المعركة في سوريا حين حسمها عسكرياً"، فهو يعتبر وظيفياً، ناطقاً باسم الأنظمة عبر جامعتها، ويُمثل الأسد، كما البشير، أمثولة بالنسبة إليه، وإلى غالبية الأنظمة العربية، يتوجب على الشعوب العربية أن تعتبر لها، كي لا يصيبها ما أصاب الشعب السوري من كوارث وويلات، فضلاً عن أنه يعي تماماً أن من حسم "المعركة"، التي يتغنى بها، ضد الشعب السوري، ليس نظام الأسد، بل التدخل العسكري الروسي، والتدخل الإيراني الميليشياوي، وأن الأسد منذ أن استعان بهما وبميليشيات حزب الله اللبناني، وسواها، بات لا يملك من أمره شيئاً في مناطق سيطرته، وذلك بعد أن حوّل سوريا إلى بلد محتل من طرف خمس قوى احتلالية، ولم يعد "الانتصار" الذي يفاخر به أبو الغيظ سوى ذريعة من أجل تبرير مخادع للتطبيع العربي مع نظام مجرم، ومن أجل القفز على قرارات الأمم المتحدة، وتجاوز الدعوات الدولية إلى حل عادل للقضية السورية، حيث لا توجد أي إشارة على تغيير الأسد سلوكه الإجرامي، كما لم يظهر أيّ ندم على الجرائم التي ارتكبها بحق غالبية السوريين.

 لا شك في أن الإدارة الأميركية تراقب المشهد من قريب، وعلى دراية بالتغيرات الحاصلة، بل إن مستشار الأمن القومي، جاك سوليفان، أكد أن الولايات المتّحدة تلعب دوراً رائدا في "تسهيل التطورات الأخيرة"، ما يشي أنها لا تمانع التطبيع المجاني، لأن ما يهمها هو أن معظم الأنظمة التي تطبع من طاغية سوريا، هي نفسها التي تسابقت في الهرولة نحو التطبيع مع إسرائيل، وأن من لم يركب قطار التطبيع ما يزال ينتظر الفرصة السانحة كي يكمل تطبيعه العلني معها.

المصدر: تلفزيون سوريا