بكر صدقي
يمكن القول، قبل الدخول في التفاصيل، إن مرحلة جديدة قد بدأت في مسار الصراع في سوريا وعليها، عنوانها الأبرز هو فك عزلته العربية، بعدما صدر قرار بالإجماع عن مجلس الجامعة العربية بشأن إلغاء قرار تعليق عضويته في المنظمة قبل اثني عشر عاماً.
وجاء هذا القرار تتويجاً لجهود بذلتها المملكة السعودية خلال الأشهر الماضية، كان أبرزها اجتماعا جدة وعمان التشاوريان حول سوريا، شارك في ثانيهما وزير خارجية النظام فيصل المقداد على قدم المساواة مع زملائه العرب، وصدر عن الاجتماع بيان حدد نوعاً ما خارطة طريق للتطبيع العربي مع النظام، ظهرت نتيجته بسرعة في قرار الجامعة المشار إليه.
غير أن مفاجأة من العيار الثقيل تلت مباشرةً صدور قرار الجامعة حين قامت طائرات حربية أردنية بقصف منزل تاجر المخدرات مرعي الرمثان في جنوب محافظة السويداء، وموقعاً لتخزين المخدرات في محافظة درعا قرب الحدود الأردنية، بعدما سبق لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن هدد، في تصريحات إعلامية، بـ«عمل عسكري» محتمل لمواجهة تدفق المخدرات السورية إلى بلاده. وهو أول تدخل عسكري أردني في الأراضي السورية، ما لم نحسب مشاركة طائرات أردنية في قصف مواقع لداعش في العام 2015، رداً على إحراق المنظمة لطيار أردني وقع أسيراً في يدها.
قتلت الغارة على منزل الرمثان، إضافةً إليه، كامل عائلته، زوجته وستة أطفال. ربما هذا ما جعل الأردن يمتنع عن تبني العملية رسمياً. ولكن ماذا عن نظام الأسد وإعلامه الذي اتخذ وضعية المزهرية أمام اختراق «سيادته» التي طالما تبجح بها؟ قال أغلب المراقبين إن هذا الصمت يشير إلى موافقة النظام على الغارة الأردنية. ولكن هذه الموافقة بذاتها في حاجة إلى تفسير، لأن الأردن يقع خارج الحلفاء المعلنين للنظام الذين يوافق على أعمالهم العسكرية على الأراضي السورية، أي روسيا وإيران وحزب الله اللبناني التابع للثاني. قد يمكن طرح عدد من التفسيرات، وهي متكاملة وليست متعارضة فيما بينها: أولها أن النظام محرج أمام العملية، حتى لو تمت بموافقته، لأن لها علاقة بإيران التي لم يمض على زيارة رئيسها رئيسي «التاريخية» لدمشق إلا أيام قليلة. فالرمثان على علاقة وثيقة مع الميليشيات الموالية لإيران في جنوب سوريا حسب عديد التقارير، أو أنه نوع من «رجل عمليات» تلك الميليشيات في تجارة المخدرات عبر الحدود الأردنية، وبتنسيق مع جهاز المخابرات العسكرية الأسدي كما قيل في تلك التقارير. إضافة إلى أن الموقع الثاني الذي تعرض للقصف، مخزن المخدرات، يقع في منطقة سيطرة تلك الميليشيات مباشرةً. أما التفسير الثاني فهو ليقول النظام، ومعه الدول المطبعة معه، أن تجارة المخدرات المذكورة في بيان عمان إنما هي «قطاع خاص» ولا علاقة للنظام بها، بدلالة سماحه للأردن التصرف إزاءها، في محاولة لدفع الاتهام الدولي بهذا الشأن عنه.
يبقى أن توقيت الضربة لافت للنظر. فالأجهزة الأردنية على معرفة بالرمثان وعنوانه ودوره مسبقاً، وكان بوسعها تنفيذ هذه العملية في أي موعد آخر، لكن القرار صدر بعد اجتماع عمان، بدلالة وعيد الصفدي، وتم التنفيذ صبيحة صدور قرار الجامعة العربية، بما يوحي إلى أن الاجتماع المذكور لم يكن سمناً على عسل بين ممثل النظام السوري وزملائه العرب في الاجتماع، بل كان فيه عصا وجزرة معاً.
هذا التفسير شجع عدداً من المعلقين السوريين المعارضين على تقديم تحليلات متفائلة بشأن كامل مسار التطبيع، وربطه بعضهم بضغط أمريكي، وصولاً إلى اعتبار المسار سيفضي إلى بداية حل سياسي في سوريا. بل بالغ البعض في تفاؤلهم بالقفز إلى استنتاجات وصلت حد أن المسار سيؤدي إلى تغيير سياسي!
الواقع أن النظام حقق، في الأسابيع القليلة الماضية، وبخاصة بعد قرار الجامعة العربية، مكسباً لا يحتمل الجدال هو نيل شرعية شاملة من الدول العربية، تلك الشرعية التي شطبت عليها الجامعة قبل اثني عشر عاماً. وهي تتضمن طي صفحة الجرائم المهولة التي ارتكبها النظام، طوال هذه السنوات، بحق ملايين السوريين من مجازر جماعية وتدمير مدن على سكانها وتهجير ملايين السوريين داخل البلاد وإلى الدول المجاورة، إضافة إلى رهن مستقبل سوريا لكل من روسيا وإيران، واستجلاب ميليشيات متعددة الجنسيات لتلافي النقص في عديد القوات الموالية له.
ولكن بالمقابل ما النفع الذي قد يحققه النظام من نيل الشرعية هذا، بالنظر إلى خراب الوضع العام في مناطق سيطرته، من دمار عمراني وفلتان ميليشيات موالية خارج سيطرته وأزمة اقتصادية مستدامة لا فكاك منها في وقت قريب. ربما يأمل، من خلال العلاقات الثنائية مع بعض الدول العربية، في الحصول على هبات مالية. ولكن ليس من الحصافة في شيء توقع استجابة عربية بهذا الخصوص بلا مقابل، وبخاصة في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية الخانقة التي تمنع تلك الدول من مد يد العون له حتى إذا ارادت ذلك.
ما نعرفه حتى الآن، وفقاً للمؤشرات الظاهرة، هو أن موضوع الكبتاغون له الأولوية على كل ما عداه بالنسبة للدول المتحمسة للتطبيع. أما غير ذلك من مواضيع كإعادة اللاجئين أو إنهاء الوجود العسكري الأجنبي متعدد الجنسيات، فهي مرتبطة بإرادات دول أخرى غير الدول العربية، وبخاصة إيران والولايات المتحدة وتركيا.
من المحتمل أن تكون الأسابيع المقبلة حبلى بتطورات مثيرة في الصراع على سوريا وفيها.
المصدر: القدس العربي