محمود علوش
قدمت الأحزاب التركية نهاية الأسبوع المنصرم قوائم مرشحيها للانتخابات البرلمانية إلى المجلس الأعلى للانتخابات. وبذلك، تكون معالم المنافسة الانتخابية بشقيها الرئاسي والبرلماني قد اكتملت بعد تحديد المرشحين للرئاسة في وقت سابق، لتدخل تركيا المرحلة الأخيرة من السباق نحو 14 مايو/ أيار. بينما المنافسة الرئاسية تجذب الحيّز الأكبر من الاهتمام كونها أكثر وضوحاً وتنحصر المنافسة فيها بشكل أساسي بين مرشحين بارزين هما الرئيس رجب طيب أردوغان عن التحالف الحاكم وكمال كليجدار أوغلو عن التحالف السداسي مدعوماً بحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وستُحدد أيضاً هوية رئيس البلاد بعد 14 مايو، فإن الانتخابات البرلمانية لا تقل أهمية عن الرئاسية من حيث دورها في تشكيل السلطة الجديدة وكذلك من حيث تأثيرها على السباق الرئاسي. ويُمكن تلخيص أهمية الانتخابات البرلمانية في أمرين اثنين: أولاً، سيكون فوز أي من التحالفين في الرئاسة دون البرلمان فوزاً غير مكتمل، لأن الرئيس الذي سيُنتخب سيجد صعوبة في ممارسة السلطة بوضوح إذا لم يمتلك غالبية برلمانية تُساعده في تمرير القوانين والتشريعات. وهذه النقطة تكتسب أهمية أكبر لتحالف المعارضة على وجه الخصوص، لأنّه حتى لو استطاع الفوز في الانتخابات الرئاسية، فإنه من دون حصوله على أغلبين الثلثين أو ستين في المئة من المقاعد البرلمانية، فإنه لن يتمكن من إلغاء النظام الرئاسي والتحول إلى نظام برلماني مُعزز من خلال تعديل الدستور أو طرح مشروع تعديل الدستور على الاستفتاء الشعبي.
ثانياً، سيكون لنتائج الانتخابات البرلمانية تأثير على الانتخابات الرئاسية خصوصاً إذا ما ذهبت المنافسة إلى جولة ثانية ولم يستطع أي من المرشحين الأربعة وأردوغان وكليجدار أوغلو على وجه التحديد حسمها من الجولة الأولى. في هذه الحالة، فإن حصول أي من التحالفين الحاكم والمعارضة على أغلبية برلمانية واضحة سيمنح أحدهما ميزة انتخابية جديدة في جولة ثانية محتملة من خلال استقطاب الأصوات المترددة التي يلعب عامل الاستقرار السياسي دوراً حاسماً في تحديد خياراتها الانتخابية. بمعنى آخر، فإن التحالف الذي سيحصل على غالبية برلمانية سيُقدم نفسه في جولة ثانية محتملة من الانتخابات الرئاسية على أنّه قادر على إحداث استقرار سياسي في البلاد وتجنب حصول صراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. مع أنه من غير المرجح أن تؤثر نتائج الانتخابات البرلمانية على القاعدة الانتخابية الصلبة لكلا التحالفين في جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية، إلآّ أنّها ستُحدث فرقاً بالنسبة للأصوات المترددة، والتي قد تكون حاسمة في السباق الرئاسي.
دعونا نُلقي نظرة سريعة على القوائم البرلمانية التي قدمتها التحالفات والأحزاب لمحاولة الوصول إلى تقدير لنتائج الانتخابات البرلمانية. بادئ ذي بدء، تكمن أهمية القوائم البرلمانية في أن التحالفات التي تدخل الانتخابات التشريعية بأقل عدد من القوائم الموحدة، ستتمكن من كسب أكبر عدد من النواب بسبب تعديل أجري على قانون الانتخابات ومنح ميزة للتحالفات الحزبية وفرض على الأحزاب الصغيرة الدخول في قوائم انتخابية مع الأحزاب الكبيرة من أجل ضمان تمثيلها في البرلمان وتجاوز عتبة السبعة في المئة اللازمة للحصول على كتلة برلمانية.
في التحالف السداسي المعارض، ضم حزب الشعب الجمهوري أحزاب المستقبل والسعادة والديمقراطية والتقدم والديمقراطي إلى قوائم مرشحيه، وهو ما يعظم فرص هذه الأحزاب من تجاوز العتبة الانتخابية. لكنّ الحزبين الرئيسيين في التحالف وهما الشعب الجمهوري والجيد توصلا إلى صيغة تتمثل في دخولهما في قوائم موحدة في عشر ولايات فقط، وهي الولايات الصغيرة التي سيُنتخب عن كل منها خمسة نواب أو أقل، وذلك بهدف الحصول على أكبر عدد من المقاعد فيها. وكانت معايير هذه الصيغة ترتكز على الأصوات التي حصل عليها كل من الحزبين في الانتخابات السابقة والتوجّهات المحتملة للناخبين. ووفقاً لهذه الصيغة، سيتصدر مرشحو حزب الشعب الجمهوري القائمة الموحدة في سبع ولايات، بينما سيتصدر مرشحو الحزب الجيد القائمة في الولايات الثلاث الأخرى. لم تكن هذه الصيغة مثالية لتحالف المعارضة لضمان الفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، لكنّها كانت حلاً وسطاً بين كليجدار أوغلو وزعيمة حزب الجيد ميرال أكشنار.
أما بالنسبة للتحالف الحاكم، فقد قرر الحزبان الرئيسيان فيه وهما حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية دخول الانتخابات البرلمانية في قوائم منفصلة. كان إصرار حزب الحركة القومية على قرار القائمة المنفصلة بسبب اعتقاده أنه سيتجاوز عتبة السبعة في المئة، فضلاً عن إحجامه عن عدم وضع مرشحيه في نفس قائمة حزب العدالة والتنمية التي تضم أيضاً مرشحين عن حزب الدعوة الحرة الكردي المحافظ لأن الدخول في قائمة موحدة مع الحزب الكردي سيُحرج الحركة القومية التي تنتقد التعاون الانتخابي غير المُعلن بين التحالف السداسي وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي. في حال استطاع حزب الحركة القومية تجاوز عتبة السبعة في المئة، فإن دخوله في قوائم منفصلة مع حزب العدالة والتنمية لن يكون له تأثير سلبي على حظوظ تحالف الجمهور الحاكم في الانتخابات البرلمانية. في ضوء ذلك، فإن جانباً مهماً ومؤثراً في المنافسة البرلمانية سينحصر بشكل أساسي على النتائج التي سيحصل عليها الحزبان القوميان في كل من التحالف الحاكم والمعارض. الخلاصة أن الصيغة المُعقّدة للقوائم البرلمانية التي قدمتها الأحزاب في كلا التحالفين الرئيسيين تجعل من الصعب الوصول إلى تقدير واقعي للنتائج التي ستُفرزها الانتخابات البرلمانية.
أما بالنسبة لخريطة السباق الرئاسي، فإنها رست على أربعة مرشحين، لكنّ أكثرهم حظوظاً في الفوز من الجولة الأولى أو التأهل إلى جولة ثانية هما أردوغان وكليجدار أوغلو. مع ذلك، فإن ترشيح زعيم حزب البلد مُحرم إينجه للانتخابات الرئاسية، أضفى مزيداً من التعقيد عليها. في حين أن المعارضة كانت تطمح إلى انسحاب محرم إينجه من الانتخابات لتعظيم فرص فوز كليجدار أوغلو في الجولة الأولى، فإن مُضيّه في الترشيح، رجّح احتمالية أن تذهب الانتخابات إلى جولة ثانية. مع ذلك، تتخوف المعارضة من احتمال أن يفوز أردوغان في الجولة الأولى لأنّ أصوات المعارضة ستكون مشتتة كما أن التحالف غير المُعلن بين كليجدار أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي قد يؤدي إلى امتناع شريحة من الأصوات القومية في التحالف السداسي عن التصويت لصالح كليجدار أوغلو. في حال لم تُحسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، فإن الناخبين الذين سيُصوتون لإينجه والناخبين المترددين سيلعبون على الأرجح دوراً حاسماً في حسم الجولة الثانية. بينما الافتراض السائد أن ناخبي إينجه سيدعمون كليجدار أوغلو في جولة ثانية، فإن نتائج الانتخابات البرلمانية ستُحدد السلوك الانتخابي للناخبين المترددين وستصب في صالح التحالف الذي سيحصل على غالبية برلمانية.
المصدر: تلفزيون سوريا