فراس رضوان أوغلو
مما لا شك فيه أن الاجتماع الرباعي الذي حصل في موسكو يعتبر خطوة متقدمة جدا في مسار التغير الحاصل في العلاقات بين تركيا والنظام السوري، ونظراً لما مرت به تلك العلاقة خلال العقد الماضي يمكن اعتبار هذا اللقاء نوعا من أنواع المفاجآت في عالم السياسة وفي سياسة الرئيس أردوغان تحديداً الذي أبدل سياسة المواجهة بسياسة الانفتاح والتفاهم مع الجميع.
في العودة إلى هذا اللقاء رغم أنه رباعي الأركان إلا أنه ثنائي الاتفاق بشكل أو بآخر وأقصد هنا أنقرة وموسكو اللتين تربطهما مصالح استراتيجية كبيرة تفوق الملف السوري وحتى الإيراني وما زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لنظيره التركي إلا تأكيداً من روسيا على أنها صاحبة الكلمة الأهم في الملف السوري، وأن مصالحها الاستراتيجية فوق كل اعتبار.
فروسيا التي تحتاج أردوغان لاستكمال هذه الاستراتيجية يقلقها ما تقوم به المعارضة من استعدادت قوية من أجل الفوز بالانتخابات الرئاسية في 14 من أيار مايو، ولذلك هي في سباق معها بمسألة إيجاد حل للملف السوري وفق مصالحها لا كما تريد المعارضة التركية والتي لا تُخفي ميولها للغرب على حساب روسيا، وهذا ينعكس على إيران أيضاً حليف روسيا في ملفات عدة، ولعل تقارب أنقرة من النظام في دمشق أقلق طهران لذلك طلبت أن تكون الضلع الرابع في المفاوضات ولكن رغم كل هذا تظهر موسكو على أنها الحاضن الأول لأي اتفاق (طبعاً وفق مصالحها).
دمشق هي المستفيد الأكبر من كل ما يحصل سواء حصل هذا التقارب أم لم يحصل، فعلى الصعيد الإعلامي ظهر النظام السوري على أنه مفاوض قوي ولديه شروط وأن الجميع يتجه نحو إعادة العلاقات معه بطريقة أو بأخرى ومن ضمنهم تركيا، وهذه الأخيرة في حال تقدمت العلاقات مع دمشق وحصل التقارب فهذا أشبه بطوق نجاة اقتصادي للنظام لما تتمتع به تركيا من قدرات اقتصادية كبيرة علاوة على أنها بوابة بل مخرج مهم للأزمة الاقتصادية للنظام (كما هو الحال لروسيا)، ويمكن عبر هذه البوابة التهرب والتخلص من قانون قيصر، أما المكسب الثاني من التقارب من تركيا فهو إرباك قسد حليف الولايات المتحدة الأميركية على الأرض السورية وإضعافها قدر المستطاع عبر الورقة التركية، ويمكن اعتبار أن النظام السوري نجح بشكل كبير باللعب بورقة قسد سواء ضد تركيا أو ضد قسد نفسها في حال التقارب من تركيا.
أما الحليف الإيراني الذي يبدو تُرك وحده بمواجهة إسرائيل على الأرض السورية، فكلما زاد التقارب من تركيا زادت استقلالية القرار لدى النظام أكثر فأكثر وهذا يعني استعادة موضعه كقوة سياسية في المنطقة تعمل على إيجاد توازن بين الفرقاء السياسيين تجاه سوريا، مما يعزز موقعه بشكل فعلي في الإقليم فتضارب المصالح الإيرانية والعربية والإسرائيلية والتركية كلها تصب في مصلحة النظام الذي يجيد تلك اللعبة، إضافة للموقع الجغرافي المهم لسوريا والتي تعتبر عقدة القوة والضعف في إقليم بلاد الشام.
المعضلة الوحيدة التي ستبقى تواجه النظام السوري هي الولايات المتحدة الأميركية التي تفرض نفسها وشروطها كما تريد وفق مصالحها في المنطقة، وأيضاً وفق مجرى الأحداث في الحرب الروسية الأوكرانية، فسوريا أصبحت جزءا من المخطط الأميركي من أجل الإحاطة بروسيا وإضعاف نفوذها وتحجيمه قدر المتاح، والعكس صحيح بالنسبة لروسيا التي تعتبر سوريا بوابة مهمة جداً لها على شرق المتوسط وخاصة بعد إغلاق الأوروبيين أبوابهم في وجه روسيا لحثها على إنهاء الحرب في أوكرانيا.
المصدر: تلفزيون سوريا