شادي علاء الدين
يحق للسوريين ما لا يحق لغيرهم في ما يخص مواقفهم من مشاهد الانفتاح العربي والدولي على بشار الأسد. مطالبتهم بالتوقف لأخذ مسافة من الحدث والنظر إليه بعقلانية لا تستقيم في ظل مجزرة جارية.
ما يبدونه من غضب إزاء مشاهد الاحتفاء به ينطوي على قدر كبير من الإيمان بفكرة الثورة، والإصرار على تصور مستقبل للبلاد لا مكان فيه للأسد والأسدية.
مسار التأهيل إذا ما أمعنا النظر إليه يكشف أن عمليّة التعويم ليست في حقيقتها سوى إغراق وإخراج للأسد من وضعية رئيس إلى وضعية مدير شؤون نفوذ دولي تتنازعه دول كبرى وقوية، لا يستطيع أن يفعل شيئا في مواجهتها. وجل ما يستطيعه هو السعي لتمرير صيغة ما قد تبقيه في الصورة لفترة، ولكنّها تنزع عنه كلّ ثوب السلطة والحق في اتخاذ القرارات.
استقبال الأسد جاء في لحظة خرج فيها من الصورة. الاحتفاء عمليّا ليس به بل بالدور الذي صنعته تلك الدول لنفسها في إطار استعدادها لإنهاء مرحلة الحرب في اليمن وتبعاتها، والنهوض لقيادة ثورة تكنولوجيّة واقتصاديّة كبرى.
لا شك في أن الاندفاع السعودي في هذا المجال ساهم في تسريع مبادرة دول الخليج للانفتاح على الدول المؤثرة في المنطقة والتعاون معها في ملفات تهدف إلى إنهاء الصراعات، والتفرغ لحروب انتزاع دور في عالم الاستثمار في التقنيات المتطورة.
السعودية ما زالت تبدي عداء شديدا للأسد وترفض أي تقارب معه، وقد أصدرت موقفا حاسما برفض الإتيان برئيس أسدي في لبنان.
ليس انفتاحها على إيران والميل إلى إنهاء الصراعات معها سوى عامل يصب في خدمة مشروع التطوير العام، والمرتبط بسوق التكنولوجيا الفائقة الذي لا شك في أنه سيحكم مسارات الاقتصاد والأمن والسياسة في المرحلة القادمة متفوقاً على النفط وغيره من السلع.
في هذه الظروف كان التعامل مع الأسد حدثا جانبيا لا وزن له، ولا يعدو كونه ترتيبا لعلاقة مع دول كبرى، ولا يحمل سمات العلاقات بين الدول سوى في الشكل.
لو كانت الأمور غير ذلك لكنا قد شهدنا حجز مقعد له في القمة العربية التي تستضيفها السعودية بشكل واضح ومباشر. لا يوجد حتى الآن إشارات واضحة لانفتاح سعودي على الأسد. وما يتم تناقله لا يعدو كونه إشارات مبهمة تتحدث عن تنسيق أمني ومخابراتي أفضى إلى إنتاج اتفاق بإعادة فتح السفارات بعد فترة قريبة. المفارقة في كلّ هذه التحليلات، التي صدرت تباعا قياسا على الانفتاح الخليجي على الأسد، أنها تربط الموضوع بتحسن العلاقات السعودية مع إيران، والشروع في إنهاء الخلافات معها، وترى أن تفعيل العلاقة مع الأسد ستكون النتيجة الحتمية للمسار التصالحي مع إيران.
في الحقيقة لا يخرج الاتفاق السعودي مع إيران عن ترتيبات سعودية خاصة بالشأن اليمني، ومن الواضح أن انعكاساته ترتبط بالشؤون الداخلية للبلدين حصرا.
وعليه لا يمكن النظر إليه خارج ما يقوله مباشرة، والذي يمكن تحديده بأنه صيغة ضبط، تنهي الصراعات المباشرة بما يفيد السعودية التي تجتهد لتقوية موقعها الاقتصادي في العالم، وتمكّن إيران المتهالكة من العودة إلى الداخل الملتهب، والسعي للحفاظ على تماسك نظام الحكم فيها، أما تدخلاتها الخارجية غير المتعلقة مباشرة باليمن فهي غير مدرجة في الاتفاق.
الدليل على ذلك أن السعودية لم تبد إثر الاتفاق اندفاعا إلى التدخل في الشأن اللبناني، وتالياً فإن الخطاب الذي يجعل من القمة العربية المزمع عقدها في الرياض في الـ 19 من أيار القادم قمة شرعنة الأسد يخالف مسارات الأمور. عنوانها المباشر كما صرح الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط سيكون "اقتصاديا، ويتناول كيفية مساعدة الأقاليم العربية المحتاجة".
ينسجم الموقف السعودي مع صلابة الموقف القطري الذي لا يزال رافضا لأي شرعنة للأسد، كما أن المواقف السعودية من محاسبة مجرمي الحرب في سوريا ومرجعية قانون قيصر لا تزال ثابتة.
يعني ذلك أنه لا تطبيع فعليا مع الأسد في المرحلة المنظورة، وأن أي انفتاح مستقبلي عليه سيكون مرتبطا بمعادلات لا يملك القدرة على تحريكها أو التحكم فيها، ما يعني أن حضوره سيقتصر على التفاهم مع عمليات تقاسم النفوذ التي تجري من خلاله.
الإصرار الروسي على الدفع به إلى الواجهة جاء ضمن خطة تسريع الأمور في سوريا، من أجل التوصل إلى حلول تمكّن روسيا من تحقيق عائدات من استثمارها العسكري والميداني في الحرب السورية. هذا المشروع يتطلب استرضاء الدول التي ستتولى تمويل عمليات إعادة الإعمار التي تنظر إليها روسيا بوصفها الرافعة الاقتصادية الكبرى لها.
الانتقال إلى المرحلة التنفيذية يتطلب إغراق الأسد في دائرة من التسويات الإلزامية التي تقصّ نفوذه، وتحد من إمكانياته، وتقلص دوره ووزنه، وتخرجه من ساحة التأثير لتحوله إلى موظف تنفيذي وحسب، تقتصر مهمته على الحفاظ على الشكل الإداري للدولة ومؤسساتها.
ملامح المرحلة القادمة تفترض تجميد الأسد وتحويله إلى مترجم لنص النفوذ الروسي وتفاهماته المتشعبة عربيا ودوليا.
في نهاية المطاف لا بد من التأكيد أن الأسد لا يستطيع اكتساب شرعية وحضور خارج المجزرة لأنه لا يملك مشروعا خارجها. من هنا فإن كلّ المسارات التي تدفع في اتجاه سحبها من التداول لصالح حلول سياسية، مهما كانت صيغتها، ستجعل من هذا التعويم الظاهر على سطح الحدث عملية إغراق متكاملة الأركان، من شأنها إخراجه التام من الصورة، بعد أن يصبح مادة غير صالحة لأي نوع من أنواع التوظيف والاستهلاك.
المصدر: تلفزيون سوريا