صحافة

بعد مصالحتها إيران.. هل توحد السعودية موقفها مع قطر بخصوص سوريا؟

الأربعاء, 22 مارس - 2023
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

العقيد عبد الجبار عكيدي 


يمكن التأكيد على أن ثمة مسعيين باتجاه نظام دمشق، يتمثل المسعى الأول بالمقترح الروسي الجديد القديم والهادف إلى إعادة تعويم الأسد عبر تفاهمات بينية بين تركيا من جهة والدول العربية من جهة أخرى، دون أن يكون هذا التعويم ملزماً للأسد بأي تبعات أو تنازلات سياسية. 

استطاع الروس الدفع باتجاه هذا المنحى عبر تفاهمات بينية مع تركيا بدت بوادرها بالظهور منذ شهر آب الماضي، وربما يعود نجاح روسيا في ذلك إلى جملة المصالح المشتركة بين موسكو وأنقرة من جهة، فضلاً عن حاجة الحكومة التركية إلى الدعم الروسي وانتزاع ورقة اللاجئين السوريين من أيدي المعارضة التركية قبيل الانتخابات الرئاسية من جهة أخرى، إلا أن هذه الرغبة الروسية والتي تجد مقوماتها في الوصاية التي تحوزها على نظام الأسد غالباً ما تتعثر بعرقلة طهران التي ترى نفسها صاحبة الأحقية في الوصاية على نظام الأسد. ولكي تبرهن على ذلك، فإن طهران لا ترىَ بديلاً عن إيقاف المسعى الروسي التركي ولو مؤقتاً لإبلاغ الأطراف جميعها بأن طهران ما تزال هي الممسك الأقوى ببوصلة الأسد السياسية، وربما كان إلغاء لقاء موسكو هو الرسالة الإيرانية الأبلغ لكل من تركيا وروسيا بهذا الخصوص. 

كما يمكن الذهاب إلى أن الشروط التي أدلى بها رأس النظام في دمشق بخصوص لقائه مع أردوغان والتي تتضمن ضرورة انسحاب تركيا من كافة الجغرافيا السورية كشرط مسبق للقاء، بدت كأنها بدافع إيراني تعزيزاً لمنع أي لقاء بالأسد لا يكون تحت إشراف طهران وهندستها.     

أما المسعى الثاني فيتمثل بمجمل المبادرات التي أبدتها بعض الدول العربية والتي وجدت في تداعيات زلزال السادس من شباط مدخلاً مناسباً لإعادة علاقاتها مع الأسد، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أن معظم الانعطافات العربية تجاه نظام الأسد كانت محكومة أو مدفوعة بأحد أمرين: 

يتمثل الأمر الأول بالتشجيع الروسي لتلك الدول وذلك بحكم العلاقات والمصالح المشتركة بينهما، كالجزائر والإمارات، ويتمثل الأمر الثاني برغبة تلك الدول باسترضاء ايران مكرهة عبر الدخول إلى بوابة دمشق، كالأردن والمملكة العربية السعودية، إذ لا يغيب عن البال أن الكابوس الإيراني ما يزال هو الهاجس الذي يؤرق الكثير من الحكومات العربية، وخاصة من الناحية الأمنية، إلا أن هذا المنحى للعودة إلى نظام دمشق يراد له أن يحظى بغطاء سياسي يحمل سمة المبادرة باتجاه حل سياسي للقضية السورية، وهذا ما تم التعبير عنه بما سُمي شروط سعودية (غير مؤكدة) تتمثل بانخراط النظام في مفاوضات جدية مع المعارضة وكذلك قبوله دخول قوات عربية لحماية عودة اللاجئين. 

وبعيداً عن نتائج الزيارات التي قام بها مؤخراً رأس النظام إلى كل من مسقط وموسكو وآخرها إلى دولة الإمارات، في محاولة بائسة لإعادة تعويم مجرم قاتل غارق بدماء شعبه إقليمياً ودولياً، فإن الحدث الأبرز الذي حظي باهتمام الأوساط السياسية الدولية والإقليمية، وقد يكون له تأثير على مستقبل المنطقة بأكملها، وبالتأكيد غير منفصل عن الملف السوري، تمثل في الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته العاصمة الصينية بكين بين البلدين اللذين تربطهما علاقة عداء تاريخي. 

ربما جاءت هذه الاتفاقية كصفقة شاملة لجميع الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية ذات الاهتمام المشترك، وتشمل التهدئة في كل المنطقة لتعبر عن رغبة أميركية صينية بإطفاء حرائق الشرق الأوسط وتدعيم الاستقرار فيه، من أجل التفرغ لملفات ذات حساسية أكبر في مناطق أخرى من العالم. 

فالجانب الأميركي يريد التفرغ لمواجهة روسيا والصين، أما الصين التي تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة فهي تجد أن الظروف مناسبة لذلك في ظل الانكماش الأميركي الذاتي واستغلال حالة اليأس لدى دول المنطقة من السياسات الأميركية المختلفة تجاهها، سواء بالضغط عليها بما يخص ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية التي لا تناسب طبيعة منظومات الحكم في هذه الدول، أو بسبب تحيزاتها وتخبطها في معالجة قضايا المنطقة. ولكن في قراءة أخرى ربما نجد أن الأميركان ورغم ترحيبهم المعلن بالاتفاقية وبالدور الصيني، يبدون غير مرتاحين لرعاية بكين لهذه الاتفاقية، ففي الحسابات السياسية سيكون التمدد الصيني في المنطقة على حساب النفوذ الأميركي التاريخي في منطقة الخليج. 

هنا لا بد من قراءة الأهداف المحتملة لهذا التقارب وأولوية كل طرف منه، فالسعودية أولويتها اليمن وإنهاء الحرب والتهديدات التي تطولها من قبل ميليشيا الحوثي بشكل مباشر، أو تلك التي تطول مصالحها الاستراتيجية على المدى المتوسط والبعيد، وبالتالي هناك مطالب سعودية محددة من طهران لضمان أمنها القومي والاقتصادي وكل مصالحها في اليمن. 

أما إيران فهي تريد ضمان الإبقاء على مصالحها في الدول التي توسعت فيها من قبل، وهذا ما لا يمكن أن تقبل منازعة الرياض فيه، وبالتالي ما يمكن أن تطلبه المملكة في ظل هذا الواقع الراهن هو تقاسم النفوذ مع إيران في هذه البلدان، وبالتالي عودة الرياض لتكون فاعلة في المنطقة والدول التي تفردت فيها إيران، وهذا ما يثبت أن سياسة الانكفاء المبالغ به التي اتبعتها الرياض كانت خاطئة بل كانت خطأً كبيراً، وبالتالي السعودية سوف تفاوض إيران على العودة إلى سوريا ولبنان العراق. 

والسؤال الآن: ماذا تريد الرياض من سوريا؟ 

سؤال ربما يبدو من الصعب الإجابة عليه في ظل بروز تغير في ملامح السياسة السعودية من القضية السورية في الآونة الأخيرة، إذ وعلى الرغم من رفض المملكة للتطبيع مع دمشق وموقفها المعلن برفض عودة النظام إلى الجامعة العربية، إلا أن تصريحات وزير خارجيتها الأخيرة تشي بحصول تغير ما في موقف الرياض، فمن المؤكد أن له علاقة بالتقارب والتطبيع مع طهران التي تعتبر الداعم الرئيسي لنظام الأسد. 

الرياض التي انكفأت عن الملف السوري بشكل مبالغ به عندما كان لها نفوذ عسكري من خلال بعض فصائل درعا وجيش الإسلام في الغوطة الشرقية الذي كان على بعد كيلومترات قليلة من قصر الأسد بالإضافة إلى بعض الفصائل في الشمال، ونفوذ سياسي من خلال رعايتها لهيئة التفاوض السورية، ربما حصل هذا الانكفاء لقناعة قيادتها بأنه ملف متغير يحتاج إلى تفاهمات وتوافقات أميركية روسية، أو لأنها أدركت أن طريق الحل السياسي في سوريا متعثر إن لم نقل مسدود في الوقت الراهن لعدم وجود خطة لدى أميركا والغرب لإسقاط نظام الأسد، إلا أن موقفها تجلى بعدم الانجرار إلى التصور الروسي الإيراني الكامل للحل في سوريا حتى وقت قريب، وما يدل على ذلك عدم انخراط السعودية في الحراك الدبلوماسي العربي الأخير تجاه دمشق، بانتظار ما ستكشف عنه الأيام القادمة بخصوص التسريبات والإشاعات عن تطبيع العلاقات بين الرياض ودمشق والتي تتجدد أصلاً بين حين وحين. 

ما يمكن قوله في ظل الحراك السياسي والدبلوماسي المحموم في المنطقة ومحاولة جميع الأطراف تصفير المشكلات مع الآخرين، بدءا من التقارب التركي مع السعودية والإمارات ومصر، إلى التقارب الإيراني السعودي، إلى محاولة الإمارات العربية المتحدة وبعض الدول الأخرى تعويم نظام الأسد، فإن كل ذلك يقودنا إلى أن هناك صفقة تفاهمات تهدف لإيجاد حلول توافقية تشمل كامل المنطقة من ليبيا إلى اليمن وسوريا ولبنان ترضي جميع الأطراف، فهل ستكون هذه الحلول متوافقة مع الحد الأدنى لمطالب الشعب السوري وتحقيق الانتقال السياسي بما يتوافق والقرارات الدولية (2254،2118، بيان جنيف1)؟ 

لعل الأيام القادمة تحمل في طياتها صياغة استراتيجية جديدة في المنطقة تقودها الرياض والدوحة مع تبلور موقف سعودي هو الأقرب اليوم للموقف القطري تجاه الحل في سوريا ولكل ملفات المنطقة طبعاً، والمقاربة القطرية للحل في سوريا هي الأكثر توافقاً مع الرؤية الغربية، ولعل هذه الاستراتيجية هي أقل ما يمكن أن يقبل به السوريون المعارضون للنظام. 


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :