صحافة

فيما وراء الخليج… أدوار الصين المحتملة وحدودها

الثلاثاء, 21 مارس - 2023
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

عمرو حمزاوي 


ستتردد الأصداء العالمية والإقليمية للوساطة الصينية بين السعودية وإيران لفترة ليست بالقليلة.

فقد أعلنت الصين عن اختراقها الدبلوماسي الأول في منطقة الشرق الأوسط، وقدمت أوراق اعتمادها كضامن لاتفاقيات حسن جوار وسلام وتعاون ولترتيبات أمنية تحد من مناسيب الحروب بالوكالة والصراعات العنيفة التي نتجت عن سوء العلاقات بين الدولتين الأهم في الخليج، السعودية وإيران.

وسيكون على الصين في قادم الأيام أن تحدد بوضوح إذا ما كانت على استعداد لأن توسع تدريجيا نطاق وساطتها وضماناتها إلى ما وراء الخليج باتجاه الحروب والصراعات الأخرى التي أرهقت شعوب الشرق الأوسط وعجزت الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأوروبية وكذلك روسيا عن إنهائها أو إطلاق عمليات تفاوضية جادة للسيطرة عليها.

والإشارة هنا ليست فقط إلى الصراع الأهلي المستمر في سوريا والأوضاع السياسية المأزومة في لبنان وبدرجة أقل العراق، بل هي أيضا إلى القضية الفلسطينية التي تشهد تصعيدا خطيرا بسبب سياسات الاستيطان والتهجير وعنف المستوطنين تجاه الفلسطينيين في القدس الشرقية والضفة الغربية وبسبب الغطاء السياسي والأمني الذي تقدمه حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو لهذه الجرائم التي تواصل تفريغ حل الدولتين من المضمون وتحيله واقعيا إلى طي الفرص الضائعة.

وإزاء كل هذا، لا تفعل القوى الغربية ممثلة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي غير الإدانة اللفظية للنشاط الاستيطاني ولجرائم المستوطنين، وهي بلغت بحرائق واعتداءات هوارة هاوية مرعبة، دون فرض لعقوبات قد تردع غطرسة القوة الإسرائيلية. إزاء كل هذا، لا حديث للقوى الغربية على الصعيد الدبلوماسي سوى الإشارات المتواترة إلى ضرورة التمسك بحل الدولتين، وأهمية التعاون الأمني بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، وأولوية العمل على تقليل العنف وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في القدس والضفة وغزة.

باختصار لا يملك الغرب حلولا دبلوماسية أو مقترحات تفاوضية جديدة للتصعيد الراهن فيما خص القضية الفلسطينية، وجل أمانيه اليوم هو أن يمر شهر رمضان الكريم دون تزايد لأعمال العنف المتبادلة بين المستوطنين وبعض الفصائل الفلسطينية ودون اشتعال الأوضاع في المسجد الأقصى ومن حوله ودون استفزاز لمشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين خارج فلسطين من جانب بن غفير وأمثاله في الحكومة الإسرائيلية.


فهل ترغب الصين في أن توظف أدواتها الدبلوماسية وأوراقها الكثيرة في منطقة الشرق الأوسط للمساعدة في السيطرة على التصعيد الراهن في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي البحث عن حلول تفاوضية لصراع اقترب مداه الزمني من قرن كامل؟ وللصين أوراق هامة وقابلة للتوظيف، وهي بالأساس أوراق العلاقات الاقتصادية والتجارية القوية مع كافة الأطراف، والانطباع الحاضر لدى الفلسطينيين والإسرائيليين بشأن حياد الصين وغياب انحيازها الإيديولوجي والسياسي لطرف على حساب الآخر (تماما مثلما حضر ذات الانطباع بين السعوديين والإيرانيين) وكذلك قدرة الصين بعلاقاتها الجيدة مع روسيا على تأمين مواقف مؤيدة لدبلوماسيتها إن نشطت.

ونفس ما يقال عن القضية الفلسطينية يمكن أن يدفع به فيما خص التعثر المتواصل للحلول التفاوضية في ليبيا المتنازع على حكمها داخليا بين قوى متناحرة والتي تنظر إليها مصر كمفتاح لأمنها القومي ولفرص تعاون اقتصادي وتجاري وبشري كبيرة وتتصارع على أراضيها أطراف إقليمية كتركيا ودولية كفرنسا وإيطاليا وروسيا ذات مصالح. عجزت السياسة الغربية عن بناء توافق حول حلول تفاوضية وسياسية للشأن الليبي، بل واختلفت اختيارات بعض الأطراف الغربية فيما بينها (كالتناقض والتنافس بين فرنسا وإيطاليا) وفتح ذلك الباب لغياب الاستقرار وانتشار السلاح واستمرار الصراع بين الشرق والغرب الليبيين.

اليوم، تقول الدبلوماسية الأمريكية أنها تريد أن تشرك مصر في الحل التفاوضي وتتحرك باتجاه تأييد المطلب المصري الداعي لانسحاب كافة القوات الأجنبية من الأراضي الليبية (القوات التركية في الغرب ومجموعات مقاتلي فاغنر الروسية في الشرق). اليوم، يقول الأوروبيون أنهم يتبنون نفس الاختيار السياسي ويفضلون دفع الأطراف الليبية إلى التوافق حول خريطة لبناء المؤسسات المنتخبة ولحكم البلاد وتحقيق استقرارها واستعادة معدلات تصديرها للنفط والغاز الطبيعي اللازمين لأسواق الأوروبيين. غير أن فاعلية السياسة الغربية الجديدة تجاه ليبيا ترتبط، بين عوامل أخرى، باستعداد تركيا سحب قواتها من الغرب وروسيا سحب مجموعاتها من الشرق. وإذا كان الحوار الدبلوماسي بين مصر وتركيا، ووزير الخارجية التركي زار القاهرة قبل أيام قليلة، يدور من بين قضايا عديدة حول هذه القضية أيضا، فإن الصين بعلاقاتها التجارية الواسعة مع تركيا تستطيع كعنصر مساعد للضغوط الغربية الضغط الفعال على الحكومة التركية لسحب قواتها والاحتفاظ بنفوذها السياسي والاقتصادي والتجاري في ليبيا. تستطيع الصين أيضا، وفي إطار وساطتها الراهنة لحل الصراع الروسي-الأوكراني، الضغط على روسيا، حليفتها الاستراتيجية، لسحب مجموعات فاغنر من الشرق، والحقيقة أنه لم يبق منهم على الأراضي الليبية سوى عدد محدود.

فيما خص القضية الفلسطينية والشأن الليبي، وكما هو الحال في الساحات الإقليمية المتصارع عليها بفعل ماضي غياب التعاون بين السعودية وإيران-اليمن ولبنان والعراق وسوريا، سيكون السؤال المطروح على الصين في قادم الأيام هو إذا ما كانت تريد أن تجعل من وساطتها بين السعودية وإيران لضمان أمن الخليج نموذجا لنشاط إقليمي يبني على العلاقات الاقتصادية والتجارية القوية مع كل بلدان الشرق الأوسط ويتجاوزها إلى الانخراط في دبلوماسية الأمن وإنهاء الحروب وحل الصراعات واستعادة الاستقرار أم أنها، ستنظر إلى الخليج بضفتيه كاستثناء استدعى التدخل نظرا لاستيرادها ثلثي احتياجاتها من النفط منه، استثناء لن يطبق في ساحات إقليمية أخرى لا تعتزم الصين بشأنها تجاوز التركيز على الاقتصاد والتجارة.

فقط الأيام القادمة هي التي ستحمل مقومات تدريجية للإجابة على هذه التساؤلات. غير أن الصين، وعلى عكس بعض التمنيات العربية والتمنيات الإيرانية الرسمية، لن تنظر أبدا لدورها كبديل للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، بل كمنافس يتفق احيانا ويختلف أحيانا ويعظم مصالحه في جميع الأحوال. 


المصدر: القدس العربي

الوسوم :