أحمد مظهر سعدو
في الحديث عن ملامح ومصائر التحركات القادمة في سياق المصالحة بين النظام السوري وتركيا والآفاق المستقبلية له، ومن ثم قراءة المتغيرات الجيوسياسية الحاصلة مؤخرًا، خاصة بعد التداعيات التي يمكن أن تكون قد جرت، خلال وبعد الزلزال المدمر الذي ضرب عشر ولايات جنوبي تركيا وكل الشمال السوري، لا بد من الولوج في ماهية وأساس القضية وضروراتها بالنسبة للدولة التركية وهي على أبواب انتخابات رئاسية وبرلمانية يبدو أنها باتت مصيرية، وكذلك الغوص في دوافع ومصالح الروس والنظام السوري المتهالك، يضاف إلى ذلك كله الاشتغال الإيراني الحثيث باتجاه إعادة رسم المفاوضات المزمع الإقلاع فيها من جديد في موسكو وغيرها، وفق المصلحة والسياسة الإيرانية التي لم تأل جهدًا في وضع العثرات على طريق هذه المصالحة بين النظام السوري التابع، والحكومة التركية، على أساس أن الانجدال في المصالح يشارك فيه الأتراك والروس والإيرانيون بعد الاستمرار طويلاً في مسار أستانا سيئ الصيت.
التسارع والإسراع في إعادة وصل ما انقطع من مباحثات عبر الوسيط الروسي باتت مسألة بحاجة إلى محاولة الإقلاع من جديد، وفق الاندفاعة الروسية السابقة والقبول التركي المصلحي الذي يتكئ إلى انفتاح على الدول، واستدارات متتابعة، طالت المنطقة برمتها، من السعودية إلى مصر إلى الإمارات، وإسرائيل أيضًا. لكن المسألة الآن مع النظام السوري باتت أكثر إلحاحًا وأكثر حضورًا في اللحظة المتحركة انتخابيًا، بينما عجلة المماحكات الانتخابية التركية مع المعارضة أضحت أكثر شدة وأمضى، بعد إعلان المعارضة التركية عن مرشحها للرئاسة، حيث تجد الحكومة التركية وقيادة حزب العدالة والتنمية أن العودة إلى مسار التطبيع الذي بدأ مع النظام السوري تكمن ضروراته اليوم أكثر من أي وقت مضى، خدمة مباشرة للانتخابات، وما يمكن أن تتركه من ذيول إيجابية، فيما لو تمكنت هذه المفاوضات من الوصول إلى مستويات أعلى ثم إنجاز اتفاقات قد تلقي بمنعكساتها على مجمل الحالة المزاجية الشعبية التركية، التي تجد في حل مشكلة اللجوء السوري قضية مهمة وعاجلة، من هنا فقد جاء الحديث جديًا من قبل الأتراك والروس عن استمرار المباحثات على مستويات أعلى نسبيًا مع إمكانية إنجاز ما هو أفضل في بعض المسارات المتوقفة، وهي مصلحة تركية بالأساس دون أن تتعارض أو تتناقض مع المصالح الروسية، وبالضرورة المصالح الإيرانية (المنتشية) اليوم أكثر من أي وقت مضى بعد وصولها إلى اتفاقات مع السعوديين طال انتظارها، وقد يعطي ذلك للمفاوضات التركية مع النظام السوري والتطبيع والمصالحة التركية معه دفعًا جديدًا، ضمن انزياحات كبرى تشهدها المنطقة خلال الفترة الأخيرة، وتغيرات في الاستراتيجيات والسياسات لم تشهدها المنطقة مع الإقليم من قبل.
مع ذلك فإن مسار تسريع المفاوضات مع النظام السوري عبر الوسيط الروسي ما زال يحمل الكثير من المنغصات والمعوقات التي قد لا تترك المجال رحبًا لإنجاز الاتفاق أو التفاهم مع النظام السوري سريعًا أو قبل الانتخابات التي باتت على الأبواب، وتاريخ 14 أيار/ مايو 2023 لم يعد بعيدًا. ويمكن التوقف مع بعض هذه المعوقات التي تتمحور حول الآتي:
هل بإمكان روسيا والنظام السوري تقديم أي شيء في موضوع العودة الطوعية الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم؟
أن النظام السوري يدرك أهمية الإنجاز العملي في هذا المسار بالنسبة للدولة التركية قبل موعد الانتخابات القريب، من هنا فقد يحاول وسوف يعمل على وضع العصي في العجلات من أجل تحصيل الاتفاق الأفضل بالنسبة له.
كذلك فإن أوضاع النظام السوري الاقتصادية والمعيشية والأمنية المتهالكة والتي أضحت في الحضيض تجعله غير قادر حتى لو أراد على منح الدولة التركية أي شيء، لأنه أصبح دولة فاشلة وعاجزة على إعطاء الآخر أي آخر أي منجز ملموس ضمن حالة عجزه وانهياراته المتلاحقة.
كما أن دخول الإيرانيين في المباحثات الثلاثية لتصبح رباعية سيجعل كل المسألة تحت أنظار ومتابعة وتوجيه دولة الملالي الإيرانية التي تجد في النظام السوري طفلًا مدللًا لديها وتابعًا أساسيًا لمشروعها الفارسي الطائفي، لا تريد أن يخسر أكثر مما خسر، وهي تعيش لحظات الانتشاء بعد الوصول إلى الاتفاق مع المملكة العربية السعودية برعاية صينية.
الروس ما زالوا يعملون وفق مصالحهم مع الدولة التركية وهم متحمسون لإنجاز ما يفيدهم ويفيد النظام السوري ضمن التفاهمات مع المصلحة التركية، لكنهم أيضًا يريدون المزيد من عملية التقاص بالمصالح بينهم وبين الدولة التركية ويشعرون أنها اللحظة المناسبة أكثر وأكثر كي يأخذوا من القيادة التركية ما ينفعهم في سياق حربهم الأهم في أوكرانيا، وكذلك إنجاز ما هو لصالحهم شمال شرقي سوريا، وقد يكون أيضًا في الشمال الغربي، وفق التصورات الروسية.
يضاف إلى ذلك لا بد من السؤال: هل بإمكان روسيا والنظام السوري تقديم أي شيء في موضوع العودة الطوعية الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم؟ وهل يمكن أن يخلقوا البيئة المناسبة والقبول لمثل هذه العودة في وقت تقول فيه أميركا ومعها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إنه غير ممكن في المنظور القريب عودة آمنة للسوريين إلى بلادهم دون الولوج في العملية السياسية الجدية في سوريا وهو ما لا تبدو ملامحها متوفرة.
فضلًا عن أن كل المسألة التطبيعية مع النظام السوري من قبل العرب أو الأتراك التي جاءت بوتيرة أسرع إبان الزلزال، لا ترضى عنها الولايات المتحدة الأميركية، وليست بصدد الموافقة عليها، ولا الاتحاد الأوروبي، ضمن حالة اشتباك ما زالت قائمة بين الغرب والروس في أوكرانيا.
والحقيقة التي ما برحت ماثلة للعيان تقول إن عملية التطبيع والمصالحة مع النظام السوري سواء جاءت عبر البوابة التركية أو العربية لن تؤتي أُكلها، وما زال أمامها الكثير من المعوقات والعثرات، وليس هناك من احتمالات جدية أو قريبة لإنجازها في ظل تغيرات كبرى تشهدها المنطقة، لكن وبكل تأكيد فإن عجلة المصالحة تتحرك ببطء، وهي على أبواب ما هو جديد، وسوف تترك عليها اتفاقات الإيرانيين مع السعودية الكثير من المنعكسات، لكن كل ذلك سيكون ضمن وفي سياق الممكن والمتاح، وهذا الممكن والمتاح حاليًا ليس هو المراد تركيًا، وليس هو الضروري لأية عملية تفاوضية يراد منها ما هو عملي ومتحقق على الأرض، وسط عجز كبير من النظام السوري وهو ليس بقادر عليه، ضمن أحواله، التي باتت في حالة سقوط ولم تعد موجودة على حافة هذا السقوط.
المصدر: تلفزيون سوريا