سامح راشد
على نحو مفاجئ، أصدرت السعودية وإيران إعلاناً مشتركاً عن اتفاقهما على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وجاء برعاية الصين التي استضافت، خلال الأسبوع الماضي، مفاوضات بين وفدين من البلدين، انتهت بإنجاز هذا التفاهم.
محور المفاجأة في الإعلان أنه يأتي في سياق بيئة إقليمية وعالمية متوترة وغير مستقرّة. وبالتالي، فإن تغير مصفوفة التحالفات والعلاقات الإقليمية السائدة يعدّ خطوة متقدّمة جداً قلما تتُخذ في منطقة الشرق الأوسط، خصوصا في غياب مظلة خارجية أو طرف من القوى الكبرى يرعى أو يؤمن مثل هذه الخطوات المفصلية في تاريخ المنطقة، وربما العالم، خصوصا أن المعروف عن سياسة بكين الشرق أوسطية ابتعادها عن القضايا السياسية والخلافات بين دول المنطقة.
ولم يكن هذا التفاهم الجديد بين الرياض وطهران ليتم من دون بيئة إقليمية مساعدة، سواء كان مضمون تلك المساعدة ضاغطاً أو مشجّعاً. والحاصل أن التطورات الراهنة قابلة للاستمرار وتثبيت الأوضاع في المنطقة، ما لم يقم أي طرف بمبادرة شجاعة (أو ربما متهوّرة) لتغييرها. والواضح أن هذه الشجاعة (أو الاندفاعة) توفرت في أحد الطرفين، إن لم يكن في كليهما معاً.
وعلى ضوء مجريات الأحداث في المنطقة، يمكن القول إن لدى الطرفين ما يكفي من الدوافع لتسريع وتيرة التفاوض والتعجيل بإعلان الاتفاق على خطوة ما في اتجاه التقارب الثنائي، فمفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني متوقفة، والضغوط الميدانية الإسرائيلية على وجود طهران ونفوذها في سورية لا تتوقف، وتباشر واشنطن تحرّكات مكثفة، أخيراً، لمحاصرة إيران والترتيب لمواجهة التقدّم الذي تحرزه في أنشطتها النووية. وفي المقابل، تعاني السعودية من حالة استنزاف مستمرّة في اليمن، على الرغم من تراجع وتيرة العمليات العسكرية. كما أن التباينات بدأت تتسلّل إلى تحالفات الرياض الإقليمية، العربية بصفة خاصة. وبينما تخوض بعض الدول ما يشبه السباق نحو التقارب مع إسرائيل، يبدو أن حسابات السعودية مختلفة في هذا الخصوص، سواء في ما يتعلق بشروط ذلك التقارب ومقتضياته، أو من زاوية التحسّب لتداعياته ومردوده المباشر، خصوصا في الداخل السعودي. ولعله أمرا منطقيا وتقديرا سليما من الرياض أن تخلُص إلى أن التقارب مع طهران وتسوية الخلافات معها، ولو جزئياً، أقل كلفة وأكثر جدوى، عملياً ورمزياً، من التقارب مع تل أبيب. على الأقل في الوقت الراهن، وفي ضوء المعطيات الحالية. يضاف إلى ذلك أن البدء بإيران ثم الانتقال إلى إسرائيل أسهل بمراحل، وربما يحقّق مكاسب مهمة، تقوّي موقف الرياض تجاه كل الأطراف في أي صفقةٍ محتملة مع إسرائيل. بينما العكس قد يكون أصعب للغاية.
ورغم صداه الواسع، ليس إعلان بكين اتفاقاً، وإنما مجرّد تفاهم أو إعلان نيات.. وستعقبه لقاءات مباشرة بين المسؤولين من الجانبين، لترتيب تحويل التفاهم إلى إجراءات عملية. ومن الطبيعي أن يستغرق هذا المسار بضعة أشهر قبل أن يكتمل، سواء باستئناف العلاقات الدبلوماسية أو بتفعيل الاتفاقيات المبرمة من قبل، خصوصاً اتفاقيتي 1998 و2001، اللتين تشملان مختلف جوانب العلاقات، خصوصاً الأمنية والاقتصادية.
لذا، المغزى الأهم في الخطوة السعودية الإيرانية هو التأكيد مجدّداً على أن العلاقات بين الدول ليست زواجاً كاثوليكياً، أي لا أبدية ولا مقدّسة ولا ثابتة على حال واحدة فترة طويلة. وإن كان هذا طبيعيا ومنطقيا في العلاقات الدولية، إلا أن بعض الدول، بما فيها السعودية وإيران، كانت تتبنّى مواقف وشعاراتٍ رنّانة تستنكر بموجبها أي توجّه براغماتي يبحث عن المصلحة. ثم ها هما الدولتان لا تكتفيان بالسعي إلى المصالح مع أطراف ثالثة، بل فيما بينهما، رغم كلّ التوترات والفجوات والخلافات التاريخية والأيديولوجية العميقة.
المصدر: العربي الجديد