فراس رضوان أوغلو
لم تقتصر تداعيات الزلزال المدمر في جنوب تركيا وشمال سوريا على تسريع وتيرة المساعدات الإنسانية فحسب، بل طالت تلك التداعيات وتيرة الحراك السياسي بين دول كانت قد قطعت علاقاتها مع النظام في دمشق لتشهد تطورات ملحوظة على صعيد بوادر عودة العلاقات بين تلك الدول والنظام، ولا شك أن المملكة العربية السعودية إحدى أهم تلك الدول.
على الرغم من وجود تصريحات وجهود دبلوماسية لإحداث تقارب بين الرياض وبين دمشق، إلا أن المملكة لم تتخذ خطوة واضحة المعالم إلا عقب الزلزال، وذلك من خلال إطلاقها لمنصة “ساهم”، في 8 فبراير/شباط 2023، وقامت بإرسال هذه التبرعات (وإن كان أغلبها ذهب لمناطق المعارضة وبعضها الآخر ذهب إلى مطار حلب) بالتنسيق مع الهلال الأحمر السوري، وهي خطوة لها ما لها من دلالات سياسية ولو أضفنا على ذلك ما تم الإعلان عنه من لجنة المتابعة والتشاور السياسي السعودية المصرية في الرياض في يناير/كانون الثاني عن دعم البلدين لـ "الحل السياسي في سوريا وفق القرار 2254 وضرورة دعم الحفاظ على استقلال سوريا ووحدة أراضيها، ومكافحة الإرهاب، وعودة اللاجئين والنازحين، والتوصل لحل سياسي للأزمة القائمة وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254 " هذه الأمور تعطي انطباعاً أن الرياض في تغير نوعي في سياستها نحو دمشق.
مؤشر التقارب هذا سوف يعطي أبعاداً مختلفةً في المنطقة التي أجتاحتها كل أنواع عدم الاستقرار سواءً من العامل البشري أو الطبيعي مدفوعاً بعدد من المعطيات، أبرزها تخفيف التوتر في المنطقة التي عانت من الاحتراب الداخلي وانتشار الجماعات المتطرفة وتحول سوريا لساحة صراع بين إسرائيل والمليشيات الإيرانية، وفي حال توسع هذا الأمر قد تتحول الأمور لحرب إقليمية الكل في غنى عنها الآن، علاوة على ذلك تحاول الرياض ومن خلال هذا التقارب تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا عبر ثقلها السياسي والاقتصادي وتسير في ركب التغيرات في المنطقة وخاصة بعد مساعٍ روسيا لإعادة العلاقات التركية السورية نتيجة ضغط ملف اللاجئين على السياسة الداخلية التركية، وهي خطوات تأتي ضمن اتفاقات استراتيجية تجمع بين هذه الأطراف، كل هذه التحركات تعزز الدوافع السعودية نحو تفعيل دورها والتعاطي مع التغيرات الإقليمية القائمة من أجل حماية مصالحها.
على مدار عقد من الزمان عانى النظام السوري من عزلة خانقة أثرت في مختلف مناحي الحياة، وتمثل عودة العلاقات مع الرياض فرصة سانحة لتحقيق جملة من الأهداف، أبرزها أنه في هذا التقارب يكسر حالة العزلة الإقليمية التي عانى منها وتساعده في تسريع عملية التطبيع للعودة إلى جامعة الدول العربية ويحيّد قدر الإمكان من دعم المملكة للمعارضة السورية وخاصة على الصعيد السياسي والإعلامي عالمياً من جهة أخرى يمكن أن يكون للسعودية دور مهم في عودة النظام السوري إلى المنظمات والمحافل الدولية.
لا يمكن القول إن الطريق لعودة العلاقات مُعبد بهذه السهولة فالعقوبات المفروضة على النظام في دمشق ذات بعد دولي، بمعنى ليس من السهولة تجاوزها من قبل الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، إذ ترتبط العقوبات بقانون قيصر المدعوم أوروبياً وتوجد كذلك عقوبات فرضت على النظام السوري نتيجة تقاربه مع إيران وروسيا اللتين تعانيان من وطأة العقوبات الدولية نتيجة الملف النووي بالنسبة لإيران وغزو أوكرانيا بالنسبة لروسيا، ولعل التقارب بين الرياض ودمشق ستتخلله خطوط حمراء قد لا يقبل بها النظام في دمشق.
المصدر: تلفزيون سوريا