صحافة

المعارضة التركية "ترفع العشرة" باكرا أمام أردوغان

الأحد, 5 مارس - 2023
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

سمير صالحة 


إذا ما بقيت الأمور على ما هي عليه اليوم فإن الطاولة السداسية التي انطلقت في شباط 2021 لتوحيد حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد والسعادة والمستقبل والتقدّم والديمقراطي، تكون قد حسمت نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في 14 أيار المقبل، بخطوة مبكرة أيضا لصالح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية وتحالف الجمهور. 

كل شيء ممكن في السياسة وحسابات خط الرجعة لا بد منها. لا يجوز إطلاق المواقف والقرارات التي تحمل معها الندم وقول الكلمة الأخيرة ثم التراجع عنها بعد فترة. كانت زعيمة حزب "إيي" ميرال أكشينار تردد في مطلع شهر كانون الأول المنصرم أنها لن تكون من يقلب الطاولة السداسية ولن تخون العهد ورغبة المواطن الذي دعم تركيبة هذه الطاولة. لكنها اليوم لا تكتفي بالانسحاب من التكتل المعارض وإعلان انهيار الطاولة، بل تريد رمي قنبلة جاهزة للانفجار في صفوف حزب الشعب الجمهوري الذي يقوده كمال كليتشدار أوغلو وتحميله مسؤولية ما جرى. 

اتفق 5 قيادات في الطاولة السداسية على ترشيح كمال كليتشدار أوغلو لمعركة الرئاسة لينافس بقية المرشحين لكن القرار لم يعجب أكشنار، فقررت الانتفاض والعصيان وإضرام النار بكل ما تم الاتفاق عليه بعد 12 جلسة مطولة ناقشت خطط وبرامج سياسية باتجاه المرحلة الانتقالية التي تعيد البلاد إلى النظام البرلماني وتعلن ولادة دستور جديد وخطط اقتصادية واجتماعية إصلاحية واسعة، لمجرد أن بقية الشركاء لم يعطوها ما تريده.

تقول أكشينار عندما تأكدت أن تهديداتها لحلفائها في المعارضة لم تصل إلى نتيجة وأن كليتشدار أوغلو ذهب صباح الجمعة المنصرم إلى مصور فوتوغرافي لتجهيز صور الحملة الانتخابية الرئاسية، "إنّ تحالف الطاولة السداسية لم يعد يعكس الإرادة الوطنية. وإن حزبها يفضل خوض الانتخابات إما برئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو رئيس بلدية أنقرة منصور يواش. داعية الرجلين للتمرد على حزبهما وقبول السيناريو الذي تقترحه". 

قررت أكشينار الانتحار سياسيا وهذا من حقها. لكن ما تريده هو أن يكون الانتحار جماعيا في صفوف التحالف السداسي وأن لا تدفع وحدها الثمن. وقف حزبها إلى جانبها رغم خطوة تقود الحزب نفسه نحو المجهول. كان الحلم انتزاع السلطة من يد حزب العدالة وإيصال أكشينار إلى منصب رئاسة الوزراء بعد العودة إلى النظام البرلماني، فتركت أكشينار القواعد الباحثة عن التغيير أمام حالة من الغضب والحزن والتشاؤم وخيبة الأمل. مع من ستحقق هدفها بعد الآن ومن الذي سيثق بها ويتعاون معها بعد تجربة مريرة رابعة فعلتها مع حزب الطريق القويم وتانسو تشيللر، ثم مع حزب الحركة القومية ودولت بهشلي، وبعد ذلك مع المعارضة التركية عام 2018 ورفض ترشيح عبد الله غل ودعم مرشح الشعب الجمهوري محرم إينجا الذي انشق عن الحزب وهي ستحاول اليوم استبداله بكمال كليتشدار أوغلو للوقوف إلى جانبها؟ 

نجحت المعارضة التركية باكرا في إعطاء الرئيس التركي ما يريد دون أن يطلب هو ذلك. كان أردوغان يعد لمواجهة الطاولة السداسية وقلبها من خلال الصناديق، فسارعت أكشينار لتقديم هذه الخدمة وإهدائه أزمة سياسية داخل أقوى تكتل معارض قبل 3 أشهر من التوجه إلى الانتخابات. وهكذا يكون الرئيس التركي قد فشل في الحصول على فرصة الدخول في منافسة حقيقية لم يحصل عليها في انتخابات عام 2014 في مواجهة أكمل الدين إحسان أوغلو، ثم عام 2018 في مواجهة محرم إينجا، وكان يمني النفس بحصول ذلك في انتخابات أيار المقبل لكنه حرم من هذه الفرصة كما يبدو أيضا. 

توقيت انسحاب أكشينار سيحمل معه تساؤلات ونقاشات مطولة. لماذا تفجر أكشينار مثلا الطاولة السداسية التي كانت ترى حسب استطلاعات الرأي أن فرصها في الفوز تتزايد يوما بعد آخر؟ سؤال سيحمل معه الكثير من السيناريوهات في الداخل التركي على رأسها نظرية المؤامرة والبحث عن الأصابع الخارجية وهو ليس بجديد في حالات مماثلة وقعت عند حدوث أزمات سياسية وحزبية وانتخابية من هذا النوع. هناك بالمقابل من يتحدث عن سيناريو آخر لا يقل قيمة عن نظرية المؤامرة التي نتحدث عنها. أن يكون مشروع أكشينار استراتيجيا وليس تكتيكيا، وأنها تتطلع إلى أبعد من نتائج الانتخابات وبقاء حزب العدالة في الحكم. هي تريد أن تلعب دور الشريك البديل لأردوغان خصوصا إذا ما فشل حزب الحركة القومية في تجاوز العتبة الانتخابية ونجح حزبها في ضمان حاجة الحزب الحاكم له تحت سقف البرلمان لتأمين الأغلبية المطلوبة. 

صفوف المعارضة التركية في حالة من الغليان بسبب زلزال أكشينار. والتكتل الخماسي سيحاول امتصاص تبعات الأزمة والتخفيف من ارتداداتها الجانبية فما هي خياراته المتبقية؟ تحالف جديد يجمع حزب الشعوب الديمقراطي المدعوم من الأحزاب الصغيرة المشتتة لكن ذلك لن يكفيه أيضا. فنسبة أصوات التكتل لن تزيد على 42 بالمئة في أحسن الأحوال. هو يحتاج إلى معجزة مثل حدوث انشقاقات في صفوف حزب "إيي" أو توجه بعض الأصوات الداعمة لتحالف الجمهور في السلطة إلى الوقوف بجانبه وهو بين المستحيلات اليوم. 

كانت مهمة الوالد صعبة حقا وهو يحاول إقناع عمته العجوز في القرية عندما استقبلتهم في بيتها المتواضع، بتقبل وتبرير صدمة أن ترى ابنه الشاب المواكب للموضة وهو يرتدي جوارب بألوان وأحجام مختلفة في قدميه. "زوجتي تضيع وتتلف الكثير من فردات الجوارب ونحن لا نريد أن نرمي ما تبقى لأنه الإسراف بعينه. هو قبل إنقاذ ميزانية الأسرة من خلال تضحيته هذه"! 

ستدفع أكشينار ثمن فعلتها سياسيا وربما حزبيا في المرحلة المقبلة وهي اعتادت على ذلك. لكن مهمة المعارضة لا تقل صعوبة عن مهمة الوالد لناحية إقناع الناخب بما لا يقبله العقل والمنطق والبيئة السياسية والاجتماعية في تركيا. 


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :