ماهر حسن شاويش
زار وفد برلماني يمثل 8 دول عربية سوريا قبل أيام في أول زيارة إلى البلد المُجمّدة عضويته في الجامعة العربية منذ عام 2011.
ويضم الوفد رئيس الاتحاد البرلماني العربي ورئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، ورؤساء مجلس النواب في الإمارات العربية المتحدة والأردن، وفلسطين، وليبيا، ومصر، إضافة إلى رؤساء وفدي سلطنة عُمان ولبنان، فضلًا عن الأمين العام للاتحاد البرلماني العربي.
وقد التقى الرئيس السوري بشار الأسد هذا الوفد من الاتحاد البرلماني العربي المشارك في مؤتمر الاتحاد، والذي اختتم أعماله في بغداد.
وأحدثت هذه الزيارة إلى سوريا كما اللقاء مع الأسد جدلاً واسعاً، وكل طرف من الأطراف وضعها في السياق الذي يخدم سرديته وينسجم مع مصالحه وأهدافه في ظل النقاش العريض المتعلق بالتطبيع مع النظام وإعادة تأهيله وتعويمه لا سيما بعد الحراك تجاه دمشق إثر الزلزال الذي أصاب عدداً من المدن والمحافظات السورية.
ولعل أبرز الأسئلة المطروحة حول هذا الحراك بشكل عام وزيارة الوفد البرلماني العربي بشكل خاص ترتبط بمدى تمثيل وتجسيد هذا الوفد لنبض الشارع العربي في هذا التوجه؟ وهل فعلاً تعكس هذه الوفود الرغبة الشعبية العربية في التطبيع مع نظام الأسد، رغم كل ما ارتكبه من جرائم وفظائع بحق شعبه مستخدماً فيها كل وسائل القتل والتدمير والاعتقال والتهجير والتي طالت غالبية الشعب السوري.
لكن السؤال الأهم بتقديرنا هل تمثل أصلاً وفود هذه البرلمانات العربية شعوبها بحق؟ وهل جاءت ضمن انتخابات حرّة وديمقراطية شفافة ونزيهة؟
وللإجابة على هذا التساؤل نستعرض نموذجاً لأحد هذه الوفود وقد اخترنا الوفد الفلسطيني الذي كان يترأسه السيد روحي فتوح رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، ولعلنا نقدم للقارئ الكريم نبذة عن هذا المجلس وموجزاً مختصراً عن تاريخه وكذا عن السيرة الذاتية لرئيسه المعيّن وليس المنتخب؟! ومن هذه النقطة ننطلق لنقول إن هذا المجلس لم يشهد انتخابات منذ تأسيسه.
فقد انعقد أول مؤتمر وطني فلسطيني عام في 30 سبتمبر 1948 بمبادرة من الهيئة العربية العليا التي ترأسها الحاج أمين الحسيني وبدعوة رسمية من حكومة عموم فلسطين المشكلة برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي. ولتعذر إجراء انتخابات تشريعية في ظل ظروف حرب 1948، دعت الحكومة لتأليف المجلس بعدد 151 من الشخصيات المعروفة وممثلين عن هيئات لها صفة تمثيلية من أجل تأليف أول سلطة تشريعية فلسطينية بعد صدور قرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947.
انعقد المؤتمر في مدرسة الفلاح الإسلامية في غزة وتراوح عدد الحضور بين 75 و97، وشمل ممثلين عن مختلف المناطق الفلسطينية باستثناء من تعذر حضورهم بسبب ظروف الحرب وكذلك المقيمين في مناطق سيطرة شرق الأردن الذي منع حضورهم فأرسلوا برقيات تأييد واعتذار. وافتتح المؤتمر الكاتب خليل السكاكيني الذي دعا أمين الحسيني لترأسه. وقد أقر المجلس حينذاك إعلان دولة فلسطين بحدودها المعروفة كما كانت قبل 15 مايو 1948 رافضاً قرار التقسيم، وأقر تشكيل حكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي الذي مثّل فلسطين في جامعة الدول العربية. كان هذا المؤتمر هو الأول والأخير حتى حل حكومة عموم فلسطين رسمياً في يونيو 1963.
وبعد ذلك أعيد تجديد المجلس الوطني الفلسطيني عام 1964، وذلك بعد أن قرر الملوك والرؤساء العرب في مؤتمر القمة العربي الأول تكليف أحمد الشقيري الذي أسس منظمة التحرير الفلسطينية ممثل فلسطين لدى جامعة الدول العربية آنذاك بالاتصال بالشعب الفلسطيني والدول العربية، حيث قام الشقيري بجولات زار خلالها الدول العربية واتصل بأبناء الشعب العربي الفلسطيني في مختلف أماكن تجمعهم، وفي ربيع عام 1964 قامت لجان تحضيرية بإعداد قوائم بأسماء المرشحين لعضوية المؤتمر الذي سوف يعقد لهذا الغرض وقد عُيّن الدكتور «عزت طنوس» مديراً لمكتب المؤتمر، وقد تم توجيه دعوة إلى 397 شخصاً ليكونوا أعضاء في المؤتمر الفلسطيني الأول.
في ما بعد حصل انشقاق كبير في المجلس الوطني الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو وقد تم استبعاد العديد من المناضلين وأعضاء المجلس وذلك لرفضهم العودة إلى فلسطين تحت غطاء معاهدة أوسلو، وقد كرس هذا الانقسام عقد جلسة للمجلس الوطني الفلسطيني برئاسة سليم الزعنون في الضفة الغربية وقد كانت هذه ضربة قاضية للعديد من المناضلين القدامى وأوائل أعضاء هذا المجلس مثل شيخ المناضلين بهجت أبو غربية ويحيى حمودة وعبد اللطيف أبو جبارة ومسلم بسيسو وغيرهم الكثير. وقد اعتمدت السلطة الفلسطينية الحالية على تجفيف مصادر الدعم لمنظمة التحرير إلا من خلالها من أجل ضمان سيطرتها التامة على القرار الوطني الفلسطيني ومن ثم السيطرة على باقي الأطر، وبالتالي الالتفاف على حق الوصاية المفروض على السلطة من قبل المنظمة قانوناً بحكم اتفاقية أوسلو تلك وإبقائها على مجلس وطني أصبح شبه وهمي بتعطيل كافة أدواره الفاعلة تجاه الجماهير الفلسطينية.
ولم يستخدم الانتخاب المباشر كأداة للتمثيل في المجلس الوطني الفلسطيني نهائياً بحجة الصعوبات التقنية بشكل أساسي، علماً بأن المادة الخامسة تنص أن التمثيل يتم بالانتخاب المباشر، وبناء على المادة السادسة من النظام الأساسي لمنظمة التحرير، استمر وجود المجلس الوطني بلا انتخابات وبالتعيين من قبل الأحزاب والفصائل الفلسطينية والاتحادات. والاستثناء الوحيد حصل في انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني باعتباره جزءاً من المجلس الوطني والذي تم حلّه بعد آخر انتخابات عام ٢٠٠٦ التي جاءت نتائجها على غير رغبة الرئيس محمود عباس وأدّت التطورات التي تبعتها إلى الانقسام الفلسطيني الحالي بين غزة والضفة الغربية.
وللعلم لا يُعرف العدد الفعلي لأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني ولا توجد آلية واضحة لتحديد هذا العدد وحصره أو حتى تعويض النقص فيه لأسباب متعلقة بالوفاة أو غير ذلك؟ وإذا كانت الفكرة الأولى قد بدأت بمئة وخمسين عضواً فإن الرقم قد تجاوز سبعمئة وخمسين وفق تقارير رصدت عدد من حضروا جلساته والتي يفترض أن تتوزع بين عادية وطارئة وفقاً لنظامه الداخلي، لكن آخر جلسة له كانت في عام ٢٠١٨ والجلسة الطارئة الأخيرة كانت في عام ٢٠٠٩ وكلتاهما عُقدتا لترميم النقص الحاصل في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد وفاة بعض أعضائها وإقصاء وتهميش آخرين؟! وهذه الجلسات عُقدت بعد انقطاع طويل تخللته جلسة عام ١٩٩٦ خصصت لشطب بعض بنود الميثاق الوطني الفلسطيني بحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون وبناء على طلب الاحتلال الإسرائيلي؟!
بمعنى أن هذا المجلس الذي يجب أن يكون أعلى سلطة تشريعية فلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية في الداخل والخارج، وأن يراقب أداء السلطة التنفيذية كانت تستدعيه السلطة التنفيذية مع الأسف فقط وقت الحاجة لتمرير قانون أو قرار معين أو للمناكفة في الأوساط الداخلية الفلسطينية؟!
وأما بخصوص رئيس هذا المجلس فيكفي أنه في آذار من عام 2008، قررت اللجنة المركزية لحركة فتح إعفاءه عندما كان آنذاك مستشاراً لرئيس السلطة محمود عباس من كافة مسؤولياته الرسمية في الحركة، وفي السلطة الفلسطينية لحين البت في قضية تهريب أجهزة هواتف خلوية، وقالت اللجنة عقب جلسة ترأسها عباس إنها اتخذت هذا القرار بعد أن استمعت إليه بشأن واقعة تهريب أكثر من ألفي جهاز_محمول في سيارته الخاصة عند عودته من الأردن.
هذا مقتطف من السيرة الذاتية لرئيس المجلس الوطني الفلسطيني المعيّن وليس المنتخب روحي فتوح الذين مثّل فلسطين زوراً وبهتاناً في زيارة وفد اتحاد البرلمانيين العرب لسوريا، ولقائه بشار الأسد، وهي مؤشر حقيقي لطبيعة هذا الوفد وهؤلاء البرلمانيين.
باختصار هذا غيض من فيض ولو تتبعنا كل برلمان من هذه البرلمانات سنجد أننا إزاء برلمانات لا تعكس نبض شعوبها ولا تجسد آمالها وطموحاتها أو حقيقة رغباتها، والذين طلبوا من الأنظمة الرسمية العربية مقاطعة نظام بشار الأسد أمروهم الآن بالعودة إليه؟! مُخطئ من يعتقد أن هذه الأنظمة وما ينبثق عنها من أطر تمتلك قراراتها؟! نحن أمام دمى تتحرك وفق رغبات مُشغليها وأصلاً تحرّك هذه الأدوات مع أو ضد ثورات الربيع العربي منطلقه الأساس الحفاظ على مكتسباتها ومصالحها الشخصية.
المصدر: تلفزيون سوريا