مصطفى المصطفى
قبل نهاية العام المنصرم بأيام قليلة تناول الكثير من السوريين التنبؤات التي أطلقها رامي مخلوف أحد رجالات النظام المُبعدين بمزيد من السخرية، وكاتب المقال أحد هؤلاء، حيث تم التطرق للموضوع من خلال مقال بعنوان: "من وحي تنبؤات رامي مخلوف: تنبؤات للعام القادم"، إلا أن ما حصل بعد أسابيع قليلة؛ جعل تلك النبوءة مرشحة لأن تكون من الأشهر في التاريخ، فكيف ذلك؟
متى تكتمل النبوءة؟
لم يذكر رامي مخلوف الزلزال، لكنه تحدث عن حدث كبير سيتكلم عنه العالم بأسره وسيبهر السوريين من شدة عظمته ثم يليه انفراجات عجيبة متتالية. وذكر أن تلك الانفراجات تتمثل ببدء تدفق "المساعدات على سوريا والسوريين من كل أرجاء الأرض، يرافقها أصوات دولية تنادي بإيقاف معاناة السوريين، فتُرفع العقوبات، ويعود المهجّرون، وتُعاد العلاقات الدبلوماسية العربية والإقليمية والدولية، ويُغلق الملف السوري بسلام".
حتى الآن؛ يمكن القول إنه لا علاقة لتنبؤات رامي مخلوف بالزلزال فهو كان يتكلم باتجاه آخر، ويمكن القول أيضاً؛ إن تنبؤاته صدقت جزئياً. ولكن، ماذا لو رفعت العقوبات وعاد المهجّرون وعادت العلاقات الدبلوماسية وأغلق الملف السوري؟ يُعتقد أنه في هذه الحالة تكون النبوءة قد اكتملت.
لماذا تتعاون الدول أثناء الكوارث؟
قبل الحديث عن إمكانية إغلاق الملف السوري من عدمه، لا بد من الحديث عن الدافع الرئيسي لتعاون الدول أثناء الكوارث، فرغم أن التكاتف الدولي أثناء الكوارث يُغلّف بدوافع إنسانية، إلا أن الواقع غير ذلك، فالتأثير المدمّر للكوارث ليس على البلدان المتضررة فحسب، بل له عواقب إقليمية وعالمية، فبعد أن أصبح العالم مترابطاً بشكل متزايد، حيث تعتمد الدول على بعضها من أجل الموارد والتجارة والدعم المتبادل. أصبح الاعتماد المتبادل بين البلدان جانباً مهماً من جوانب الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية. وضمن هذا السياق برز مفهوم التعاون الدولي الذي يشير إلى تبادل العون والمساعدة بين دولتين أو أكثر لتحقيق نفع مشترك، ويمتد هذا التعاون ليشمل كافة أصناف العلاقات ليعكس في النهاية بروز مصالح دولية مشتركة تقوم جنباً إلى جنب مع المصالح الوطنية الذاتية لكل الدول أطراف هذا التعاون. من هنا، فالدول تتعاون – بالدرجة الأولى - تلافياً للعواقب السلبية على اقتصاداتها وعلاقاتها التجارية، إذ يمكن أن يؤدي النقص في مورد رئيسي أو اضطراب العلاقات التجارية إلى تباطؤ اقتصادي وفقدان وظائف وتضخم.
الملف السوري مرشّح للإغلاق
قبل الزلزال المدمر الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري كانت الدول الكبرى الوازنة في المجتمع الدولي منهمكة بإدارة الحرب المفتوحة في أوكرانيا بالتزامن مع توترات في جنوب شرق آسيا. ومؤخراً، عاد الحديث عن مخاطر متحورات جديدة من فايروس "كورونا"، لتأتي كارثة زلزال "كهرمان مرعش" مع تنبؤات بنشاط زلزالي قد يضرب مواقع أخرى من العالم ليصبح مستقبل البشرية – كما يعتقد البعض – على كف عفريت. من هنا يعتقد أصحاب هذا الطرح أن دوائر صنع القرار في العواصم العالمية - في هذه الأثناء – لا بد أنها منهمكة بالبحث في أفضل السبل للخروج من هذا المأزق، وفيما تبدو البدائل محدودة، يبدو أن إغلاق الملف الأوكراني والملف السوري أصبح أمراً لا مفر منه.
كيف اكتسب الملف السوري أهمية متزايدة؟
ما زال جرح السوريين ساخناً، وما زال الألم محتبساً، وأغلب الظن أن معاناة ما بعد الزلزال لم تبدأ بعد، فالزلزال الذي حدث أكبر من أن يكون حدثاً عابراً فحسب، وأغلب الظن أن التداعيات قادمة في القريب العاجل. وأول هذه التداعيات أن تركيا أصبح لديها العذر الكافي لإبعاد ملايين اللاجئين السوريين عن أراضيها. لذلك، فالعالم مضطر لإيجاد حل لهذه القضية الشائكة؛ إما عن طريق إيجاد المأوى البديل لهذه الأعداد الكبيرة من المهجّرين، وهو أمر شديد الصعوبة، وإما القبول بترحيلهم إلى الشمال السوري، وهو أمر شبه مستحيل لعجز هذه المناطق المكتظة بالسكان أصلاً عن استيعاب هذه الأعداد الكبيرة من البشر. من هنا عادت القضية السورية إلى الواجهة. ويبدو أن النظام السوري يرى أن الحل الوحيد أمام المجتمع الدولي هو إعادة اللاجئين إلى بلدهم مصحوباً برفع العقوبات، وهو منذ الآن بدأ التحضير لتلك المرحلة من خلال خطاب مهادن، بدأ بإعلان الموافقة على فتح المعابر وانتقل إلى كلمة رأس النظام التي تحدث فيها عن ضرورة الوصول إلى توافق وطني، ويُتوقع أن تستمر هذه اللهجة خلال الفترة القادمة في محاولة لإقناع الداخل والخارج أن الحل يمكن أن يكون بوجوده وتحت رعايته.
وجهة نظر أخرى
يقول آخرون: في بعض الحالات، يمكن للكوارث أن تؤثر بشكل إيجابي على الحكومات وتساعدها في تخلصها من أزماتها الداخلية. وهذا وارد، ومع رغبة الدول الغربية باستمرار عزل روسيا، قد تتدفق المساعدات الغربية على تركيا من أجل ضمّها إلى الحلف الغربي بشكل واضح، وهذا يعني أن يمرّ الاقتصاد التركي بمرحلة انتعاش بعد الكارثة، وهو ما يعني أيضاً؛ الحاجة إلى اليد العاملة السورية. وبالتالي، لن يكون ملف اللاجئين ملفاً ضاغطاً على الحكومة التركية، وستكون مواقف الحكومة التركية أشد صلابة تجاه النظام السوري وأعوانه.
أخيراً، من خلال توجهات رامي مخلوف المناهضة لرأس النظام يمكن أن نضيف إلى تنبؤاته أن الحل سيكون بتنحي رأس النظام وحاشيته عن السلطة لتصبح نبوءته موضع ترحيب. ورغم أن نبوءة رامي مخلوف قد تصبح من أشهر التنبؤات إلا أنها لن تخرج عن كونها صدفة مذهلة، ولن تكون خارج نطاق مقولة: "كذب المنجّمون ولو صدقوا".
المصدر: أورينت نت