منير الربيع
يقول أينشتاين إنه لا يمكن فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة. وهي المعادلة العلمية الأكثر مطابقة وصحّة تعليقاً على كل ما يحكى حول تجديد العلاقات العربية مع النظام السوري. وهذا أكثر ما يعلمه العرب بمختلف توجهاتهم بمن يذهب إلى التطبيع أو من يتفاوض وكذلك بالنسبة إلى من لا يزال على موقفه في رفض أي تفاوض أو تطبيع. حاول العرب كثيراً احتضان بشار الأسد، وإبقاءه في الحضن العربي بعيداً عن الحضن الإيراني، وجرت محاولات كثيرة كلها لم تثمر.
في كل الأحوال وبعيداً عن التنظير، أو عن الاستنتاجات السريعة التي تقول إنه لا يمكن بقاء الأسد في منصبه في أي حل سياسي مقبل لسوريا. ما يناسب بقاء الأسد فقط هو بقاء الوضع على ما هو عليه. وهذا الجوهر فيما قاله وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان تعليقاً على الملف السوري عندما اعتبر أنه لا يمكن بقاء الوضع على ما هو عليه، وبالتالي لا يمكن تغيير الوضع بمن عمل على اقترافه. صحيح أن التفاوض الأمني مع نظام بشار الأسد مستمر. وأي تطور على خط العلاقات العربية مع النظام يرتبط بالمحاولة العربية للعودة إلى سوريا بعد انكفاء طال سنوات. وبالنظر إلى الوقائع على الأرض فإن العودة لا بد أن تكون من مدخل معين، حالياً يبقى هذا التفاوض الأمني المشروط سياسياً هو المدخل.
يقوم التفاوض على شروط واضحة، وبحسب ما تقول المعلومات فإن المطلوب من بشار الأسد التوقيع على اتفاق مكتوب، يتضمن أكثر من عشر نقاط. هذا النوع من التفاوض معه يشبه إلى حدود بعيدة التفاوض السعودي مع الملف اللبناني والشروط العشرة التي وردت في الورقة الكويتية. ومن بين الشروط المفروضة على الأسد للانتقال إلى التفاوض السياسي من بينها: "إطلاق سراح عشرات المعتقلين بما فيهم المعتقلون السياسيون، التفاوض الجدي مع المعارضة، تمهيداً للوصول إلى اتفاق سياسي بموجب القرار 2254 أي الذهاب إلى تعديل دستوري واسع يتضمن تشكيل هيئة انتقالية، عدم التوقيع على المزيد من الاتفاقات الاستراتيجية الاقتصادية والعقارية مع إيران، اتخاذ إجراءات جدية على الحدود السورية الأردنية وإبعاد القوات الإيرانية من تلك المنطقة، الكشف عن معامل تصنيع الكبتاغون وآليات تهريبها وتصديرها إلى الدول العربية، والتفاوض على دخول قوات عربية إلى سوريا تسهم في ضبط الحدود، وتأمين مناطق آمنة حقيقية بإشراف عربي ودولي لإعادة اللاجئين إلى مدنهم ومناطقهم".
عملياً تعني هذه الشروط عدم التنازل عن أي من الثوابت حتى الآن، وربما الغاية منها هي الرد على كل القوى التي تضغط في سبيل إعادة الأسد إلى الجامعة العربية. والقول إنه لا يمكن الوصول إلى أي اتفاق مع هذا النظام. ولكن أيضاً تندرج أهداف التفاوض في خانة عدم ترك الساحة للإيرانيين ولذلك كانت تركيا قد تقدّمت على خطوط التفاوض أيضاً بعد الانشغال الروسي في أوكرانيا وهذا ما ينطبق على الدول العربية. في السياسة، ثمة من يعتقد بأن فتح خطوط التواصل مع الأسد يندرج أيضاً في سياق عدم الانسجام الكامل بين السعودية والولايات المتحدة. بالنظر إلى الحركة السياسية السعودية من الذهاب إلى الصين، والحوار مع إيران في ظل انعدام الحماسة الأميركية، تستكمل مسارها في التفاوض الأمني مع النظام السوري. إلا أن الأسد لن يتمكن من مجاراة كل هذه التطورات في لعب دور مستقل عن إيران. تبقى النقلة النوعية في ذلك هو دخول الأسد في مباحثات مع إسرائيل برعاية روسية، وهو ما قد يعطي دلالة سياسية ذات مدى أبعد.
عملياً توضح الشروط بأن التعاطي السعودي مع بشار الأسد لن يختلف عن طريقة التعامل مع لبنان، وبالتالي هناك سلسلة شروط على النظام السوري الالتزام بها وهي المخولة بتحقيق تقدم على خط التفاوض. مع الإشارة إلى أنه لا يمكن للسعوديين أن يراهنوا على ذلك كثيراً، خصوصاً أن فكرة إخراج الأسد من الحضن الإيراني قد استهلكت، فلا يمكن لأي حسابات جدية أن تخلص إلى أن الأسد سيخرج من الحضن الإيراني، حتى وإن أراد ذلك فلن يتمكن.
المصدر: تلفزيون سوريا