صحافة

هل يغيّر الزلزال قصتنا مع أميركا؟

الأربعاء, 15 فبراير - 2023
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

يحيى العريضي 


مُرْبِكٌ حال السوريين من موقف الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاه قضيتهم. يرى السوريون أنه ما مِن قضية أهم منها في العالم؛ وهي الميزان والمعيار والامتحان للتأهُّل لقيادة العالم الحر المعني بحقوق الإنسان؛ أما سياسة أميركا ببرغمايتها، ومصالحها، وجدول أعمالها المكثف، وحسابات وتحيّزات دولتها العميقة، فربما لا ترى في هذه القضية إلا بنداً لتصفية الحسابات وتأديب مَن يخرج عن خطّها، وجَزرَة للطامحين أمثال بوتين، وأدوات خبيثة كمنظومة الملالي، وطموحات منظومةٍ استبداديةٍ تعشق كرسي السلطة، ولو كان خازوقاً. إذا كان هذا هو الحال؛ فهل يغيّر الزلزال قصتنا مع أميركا؟ 

في بداية القضية السورية، قالت إدارة "أوباما" إن منظومة الأسد زائلة، وأيام الأسد "معدودة". أعطت صلاحية لسفيرها "فورد" بأن يذهب إلى مظاهرات الثورة، ويعزّي بالشهداء ويلتصق بالمعارضة؛ فوسمت "معارضة الأسد" بالالتصاق بأميركا؛ وسهّلت عليه اتهامها بالعمالة لأميركا. كان الرجل يعرف ما يفعل، والأذى الذي يلحقه بثورة السوريين.


كانت إدارة "أوباما" وراء سَحْبِ ما تيسر من ترسانة الأسد الكيماوية بتنسيق مع الروس وإسرائيل (حيث هاجس إسرائيل هذا السلاح، الذي سُمِّي "نووي الفقراء"). وضعت يدها على أداة جريمة الحرب، وأبقت الفاعل طليقاً. وخرج علينا "أوباما بخطّه الأحمر"؛ وكأن ذلك إذن للاستبداد باستخدام كل صنوف الأسلحة عدا الكيماوي. ومنذ ذلك الوقت بدأ التفكير لتعهيد الملف السوري لروسيا. وما إن تبيّن أن الملالي وميليشياتهم غير قادرين على الإبقاء على منظومة الأسد، حتى دخلت روسيا بكل صنوف أسلحتها -باستثناء النووي- وحَمَت كرسي الرئاسة بالسوخوي والصواريخ واستهداف المشافي والمدارس والأسواق. 

أخرجت تلك الإدارة مع روسيا كل قرار دولي يخص القضية السورية، وعشّقا تلك القرارات بالغموض البناء constructive ambiguity، وجعلتاها بلا أنياب. وكما "لافروف" تحول إلى وزير خارجية للنظام، يمتهن الكذب كلما تنفس، تحوّل نظيره الأميركي "جون كيري" - صهر الملالي - إلى محام عام في المجتمع الدولي، يطيّب لزميله الروسي، ويلعب أحياناً دور المؤنِّب. 

أعاد الأسد استخدام الكيماوي؛ وقَصَفَه "ترامب" برشفة من الصواريخ، لذر الرماد في العيون. وما كان أمام ترامب من مهرب، إلا أن يوقّع "قانون قيصر"؛ الذي كان وبالاً على السوريين، لا على منظومة الاستبداد؛ حيث جعلت المنظومة من ذلك القرار الذريعة والغطاء للفتك بمن تبقى في حاضنتها، ومكبّاً لكل فسادها وإفسادها؛ حيث أخذت من تلك القوانين العقابية حجة لتبرّر لنفسها كل أثافيها. 

كان التركيز على محاربة إرهاب داعش هو الغطاء الذي تلظّت به إدارات أميركا، مشيحةً الطرف عن المغناطيس الأساس للإرهاب؛ رغم أن عبارة "مغناطيس الإرهاب" - كتوصيف لنظام الأسد - كانت من اختراعها. في ذلك الأثناء منعت عن "الجيش السوري الحر" أي وسيلة فاعلة ليهزم منظومة الاستبداد، بذرائع واهية. 

تنفتح أبواب إعادة تكرير المنظومة أو التطبيع معها؛ وتجد أميركا أن كل الحسابات لم تُصفّ بعد، فترفع ورقة قانون قيصر بوجوه المطبعين؛ تعيد تكرار مسألة "تغيير سلوك النظام"، لا تغييره. تَناقُض الإدارات الأميركية المتعاقبة يحضّر ويغيّب الملالي ومشروعهم النووي كما يشاء. وفي كل ذلك يبقى الملف السوري محيّداً أو مجمداً؛ فالحساب لِمَن هو أكبر من إيران؛ تحديداً روسيا التي بدأت تخرج عن الدور المرسوم ارتجالياً وبشكل دراماتيكي، وتحديداً عندما غزت أوكرانيا. 

حتى تكبّل لها أداتها في دمشق، كجزء من استراتيجيتها قطع أذرع روسيا دولياً؛ وكتأديب للملالي، وليس عطفاً على السوريين أو حباً بهم، أصدرت "قانون الكبتاغون"، مسميةً بشار الأسد ونظامه بالاسم، لتجعل من إعادة العلاقات معه أو تكريره استحالة. وبذا ضربت جملة من الأهداف بطلقة واحدة، وخاصة إيران الملالي لضلوعها بعمليات المخدرات. 

وزاد في التكبيل نغماً صدور تقرير لجنة التحقيق باستخدام النظام للأسلحة الكيماوية، والتي دانت دون مجال للشك منظومة الأسد باستخدام الكيماوي في مدينة دوما السورية عام 2018. والأخطر في تقريرها الإشارة إلى مسؤولية روسيا عن القاعدة التي انطلقت منها الطائرات التي تحمل تلك القنابل الكيماوية. 

ومؤخراً حضَرت الخطوات التركية في سياق الأزمة الأوكرانية، والجمود الأميركي تجاهها ونحو القضية السورية؛ فكان الاستنفار الأميركي، الذي رأى في الخطوة التركية سِباحة بعكس التيار، مما انعكس على القضية السورية؛ ليتحوّل إلى يقظة من سبات مقصود، ولتعبّر أميركا عن رفضها العلني لأي تقارب مع نظام الكبتاغون.

والآن، وإثر الزلزال، تجمِّد الخزانة الأميركية بعض العقوبات المالية المتضمنة في قانون قيصر؛ وينهال عليها ساسة أميركيون في الكونغرس باللوم، مذكّرين بالأسباب التي فُرِضَت تلك القوانين بموجبها، وأن منظومة الاستبداد هي المسؤولة عن مآسي السوريين؛ وما ذلك الإجراء إلا دعم لإعادة تأهيل تلك المنظومة. من جانب آخر، لا بد من تَذَكُّر تعبير الناطق باسم الخارجية في مؤتمر صحفي عن رفض أميركا الحديث مع منظومة الاستبداد، وقول الناطق إن أميركا لن تخاطب نظاماً قتل شعبه لسنوات، وضحايا الزلزال اليوم هم ضحاياه بالأمس، عندما اقتلعتهم من بيوتهم. 

ختاماً من غير الواضح إذا كانت هذه الأرجحة الأميركية استمراراً بالتلاعب أو ارتباكاً، أم يقظة فعلية سيحدثها فعل الطبيعة والارتدادات القانونية والسياسية والإنسانية إضافة إلى التحرك الشعبي السوري الذي شهدنا إرهاصاته في الشمال الغربي السوري، والذي قال "نفنى ولا يحكمنا الأسد"؛ فبعد الزلزال، وافتضاح الخلل والتداعي والاهتزاز في كل شيء؛ لا بد من زلزال في السياسات والمقاربات يضع حداً ونهاية لقصة قررت الطبيعة ربما إنهاءها. 


المصدر: تلفزيون سوريا

الوسوم :