صحافة

التنسيق الروسي-الإسرائيلي في سوريا..كما كان دائماً

الاثنين, 23 أغسطس - 2021
هناك ثوابت تحكم العلاقات الروسية-الإسرائيلية
هناك ثوابت تحكم العلاقات الروسية-الإسرائيلية
austin_tice

تواصل معنا

+961 3 733 933

friendsofaustintice@gmail.com

طه عبد الواحد 


تدلّ الضربات الإسرائيلية الأخيرة لأهداف على الأراضي السورية، أن شيئاً لم يتغير في قواعد التفاعل والتنسيق بين روسيا وإسرائيل خلال العمليات في سوريا، لاسيما ما يتعلق بتعاطي وتعامل القوات الروسية مع العمليات التي تنفذها القوات الإسرائيلية، في إطار ما تقول إنه "ضرورات ضمان أمن إسرائيل". 

وقصف الطيران الحربي الإسرائيلي في 18 آب/أغسطس مواقع قرب القنطيرة جنوب سوريا، وبعد يومين استهدف بالصواريخ مواقع في مناطق سورية عديدة. وتداولت وسائل إعلام مقاطع مصورة تُظهر إصابة موقعين في منطقة القلمون بصواريخ أطلقتها مقاتلات إسرائيلية من الأجواء اللبنانية.

وجاء القصف الإسرائيلي الأخير ليحسم الجدل الذي لم يهدأ منذ شهر تقريباً، حول "قواعد جديدة" في سوريا وضعتها روسيا، تحدّ من قدرة إسرائيل على ضرب أهداف على الأراضي السورية. الجدل في هذا الصدد أثاره بيان عن مركز المصالحة الروسي في حميميم، يوم 22 تموز/يوليو، أكد فيه الجانب الروسي أن منظومات دفاع جوي من صناعة روسية تمكنت من إسقاط جميع الصواريخ التي أطلقتها طائرات إسرائيلية لضرب أهداف على الأراضي السورية. إلا أن وسائل إعلام فنّدت المزاعم الروسية وأكدت أن صواريخ أصابت أهدافها. وبغض النظر عن دقة المعلومات بشأن نتيجة تلك الضربات، وعلى اعتبار أن روسيا فعلا تحاول فرض "قواعد اشتباك" جديدة، ، فإن الغارات الأخيرة جاءت بمثابة رد من تل أبيب بأن شيئاً لن يتغير، وبأنها لن تخضع لأي قواعد، بغض النظر عمن يريد فرضها وكيف. وتعلن تل أبيب بذلك أنها ستواصل ضرب أي أهداف ترى فيها مصدر تهديد لأمنها، طالما تقف روسيا عاجزة أمام سعي إيران لتوسيع نفوذها في سوريا، بما في ذلك عبر تحريك ذراعها "حزب الله" ومليشيات طائفية سورية، لإزعاج الكيان الصهيوني، عبر الجنوب السوري، بذريعة المقاومة، بينما هدف إيران الحقيقي الإمساك بورقة تعزز موقفها التفاوضي مع الغرب. 

اللافت أن القصف الإسرائيلي الأخير لمواقع قرب القنيطرة وفي القلمون، جاء بعد أيام على محادثات 10 آب في موسكو التي أجراها نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي مع إيال حولتا، الرئيس الجديد لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وسلفه مائير بن شبات. وكما جرت العادة في لقاءات أمنية على هذا المستوى، اكتفى الجانب الروسي بالإشارة في بيان رسمي إلى أن "الطرفين أكدا عزمهما على توسيع نطاق التفاعل الروسي الإسرائيلي، وناقشا قضايا استمرار التعاون من خلال مجلسي الأمن والأجهزة الخاصة". 

ومع الأخذ بالاعتبار أن سوريا هي الملف الإقليمي الوحيد عمليا الذي يتعاون الجانبان فيه، وبصورة خاصة في الجانب المتعلق بالهاجس الأمني الإسرائيلي، يمكن القول إن "التنسيق" في سوريا، وعمل قنوات الاتصال بين العسكريين الروس والإسرائيليين، خلال الضربات الإسرائيلية، كان موضوعاً رئيسيا خلال المحادثات. ولم يحمل بيان مجلس الأمن القومي الروسي أي إشارة تدل على أن الجانبين بحثا "قواعد روسية جديدة" تقيد العمليات الإسرائيلية ضد أهداف على الأراضي السورية.  

والحقيقة أن اي مراقب يمكن أن يلمس ثوابت معينة، تبلورت على مدار السنوات الماضية، منذ تدخل روسيا العسكري في سوريا، تحدد وتحكم طبيعة "التفاعل" الروسي-الإسرائيلي عسكرياً، وتلك الثوابت هي أولا: لن تتوقف إسرائيل عن قصف اية أهداف على الأراضي السورية، تعتقد أنها مصدر تهديد لأمنها. ولن تؤثر على سلوكها في هذا الشأن لا التصريحات الروسية ولا حتى المواقف الأميركية. ثانياً: روسيا أكدت مراراً حرصها على ضمان أمن إسرائيل، ومن خطواتها في هذا المجال الاتفاق الذي وقعه الرئيس بوتين مع الرئيس الاميركي السابق دونالد ترمب حول ترتيبات الجنوب السوري، وإبعاد القوات الإيرانية والميليشيات التابعة من هناك. ثالثاً: أعلنت روسيا صراحة أنها لن تدخل في حرب مع قوى ثالثة في سوريا، طالما لا تشكل ممارسات تلك القوى تهديداً لأمن قواعدها وجنودها ومصالحها. رابعاً: روسيا لن تتورط في مواجهة و بصورة خاصة مع إسرائيل، بل وأكثر من ذلك؛ هي ليست معنية حتى بمجرد توتر في العلاقات معها، ومهما كانت الأسباب.

المواقف التي تؤكد وجود "ثوابت تحكم العلاقات الروسية-الإسرائيلية" في سوريا أكثر من كثيرة، ولعل أبرزها وضوحاً حادثة سقوط طائرة الاستطلاع من طراز "إيل-20"، بنيران الدفاعات الجوية للنظام السوري، خلال تصديها لقصف إسرائيلي في ايلول /سبتمبر عام 2018. ومع أن تلك تلك الحادثة أدت إلى مصرع 15 عسكريا روسيا كانوا على متن الطائرة، إلا أن إسرائيل أعلنت بعد أيام على لسان وزير الخارجية حينها أفيغدور ليبرمان، أنها ستواصل عملياتها في سوريا. وبعد أقل من أسبوعين على الحادثة، أكد مصدر إسرائيلي في مطلع تشرين الأول/أكتوبر استهداف مواقع قرب دمشق. أما موسكو التي توعدت بالرد وسلمت النظام منظومة "إس-300"، فقد اقتصر الأمر على أنها دفعت نحو تحسين آليات الاتصال بين العسكريين الروس والإسرائيليين لتفادي تكرار مثل تلك الحوادث. ولم يتضح حتى الآن ما إذا كانت قد نجحت في ذلك أم لا.


المصدر: صحيفة "المدن" اللبنانية