حسان الأسود
منذ أسابيع عديدة تمورُ منطقة الشرق الأوسط بتحرّكات مكثفة، يصبّ معظمها في هوّة البئر السوريّة العميقة. كان سببها الرئيس على الأغلب تصاعدُ وتيرة التصريحات التركيّة بخصوص تطبيع العلاقات مع النظام السوري. وبدا أنّ الرئيس أردوغان كان مضطراً للذهاب في هذا المسار لعدّة ظروف، أوّلها ضغوطٌ داخليّة تتمثل فيما يطلق عليه الأتراك تسمية "اعتبارات الأمن القومي التركي"، وخاصّة تلك المتعلّقة بالخوف من انتشار عدوى التقسيم إذا ما تمّ في سوريا، وبالتحديد خوفهم من بوادره العملية التي تؤشّر إلى إنشاء إقليمٍ كردي منفصلٍ شمال شرقي سوريا، وهو أمرٌ يخيفهم حتى ولو لم يسْعَ الكردُ السوريون إليه، واعتبارات ملف الانتخابات وما يترتب عليه من استحقاقات مهمة مثل موضوع اللاجئين السوريين. وثاني هذه الظروف هي المصلحة الروسية التي ترى في أردوغان حليفًا أقرب من غيره، وبالتالي لا يمكن للرئيس بوتين أن يفوّت فرصة تثبيت صديقه في الانتخابات المقبلة.
حرّكت تلك المقاربة التركية مياه الملف السوري الراكدة، فتداعت الدول المنخرطة في الصراع السوري للتجاوب مع هذا الأمر بتفاوتٍ ملحوظ. كان الانزعاج الإيراني بادياً بشكل أكثر وضوحاً من غيره، وأسفر عن تأجيل زيارة وزير خارجية إيران إلى موسكو التي كانت مقررة بعد دمشق وأنقرة، في رسالة واضحة للقيادة الروسية بعدم قبول تهميش دور إيران في الملف السوري، وهو ما استدعى مؤخرًا إعلان روسيا وتركيا ضمّ إيران إلى جهود المصالحة مع نظام الأسد. أمّا الموقف الأميركي فكان الأكثر تشددًا من هذا المسار الجديد، ورغم أنّ الإدارة الأميركية لم تعارض بشكل صريح التقارب التركي مع النظام، فإنها هددت باستخدام عصا قانوني قيصر (Caesar) ومكافحة المخدرات (CAPTAGON) ضدّ من يذهب بعيدًا في التطبيع من دون موافقتها. ثم أتى بعد ذلك بأيامٍ موقف الاتحاد الأوروبي الرافض لهذه الانعطافة التركيّة، وقد تجسّد ذلك في اللاءات الثلاث (لا للتطبيع – لا لإعادة الإعمار – لا لرفع العقوبات) قبل مشاركة نظام الأسد بشكلٍ فعّالٍ بالحلّ السياسي.
في نفس السياق، التقى وفدٌ من السوريين الأميركيين يوم الجمعة في 20/1/2023 وزير الخارجيّة التركي مولود جاويش أوغلو، الذي كان في زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأميركية لمتابعة أعمال الآليّة الاستراتيجية بين البلدين. وبغضّ النظر عمّا دار بين الوزير التركي ونظيره الأميركي بخصوص الملف السوري، فإنّ مجموعة من السوريين الأميركيين كانت قد التقت الوزير التركي وبحثت معه ملف التطبيع مع نظام الأسد، لكنّ الانتقادات لهذه المجموعة من السوريين كانت بادية للعيان، فقد كتب الأستاذ أيمن عبد النور معلّقًا:
"بغياب رئيس تحالف المنظمات السورية بأميركا، وأيضًا نائبته، وأيضًا أمين سرّ التحالف والناطق الرسمي باسمه، واعتذار الدكتورة ريم البزم عن عدم الحضور، التقى وزير خارجية تركيا عددًا من رؤساء المنظمات السورية، وعددًا من الباحثين في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك في مقرّ بعثة تركيا بالأمم المتحدة بنيويورك".
وقد كان المجلس السوري للتغيير، وهو أحد أهمّ الفاعلين السياسيين في سوريا والجنوب تحديداً، قد أرسل للمجتمعين رسالة تتضمّن رؤيته لما يمكن طرحه من مبادئ على السيد الوزير، وقام المجلس بنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونورد هنا تلك النقاط دون بقيّة الرسالة، لما له علاقة بموضوع المقال:
((مع تقديرنا لما قدّمه الشعب التركي والدولة التركية لثورتنا وشعبنا، إلا أننا نرى ضرورة بحث مدى مسؤولية السياسة التركية الحالية عن عدم نجاح مؤسسات المعارضة الرسمية في تمثيل السوريين وترجمة تضحياتهم لمكاسب سياسية، وإعادة تقييمها. خاصّة أنّ هذه المؤسسات باتت منبوذة من الشعب السوري، وقد أثبتت المظاهرات في الشمال ذلك، مع ضرورة إعادة هيكلتها، بحيث تصبح ممثلة حقيقية للشعب السوري وقضيته.
عدم نجاح التشكيلات المحلية في الشمال الغربي بإنشاء منظومة حوكمة رشيدة رغم الوجود التركي، وهي لا تتحمّل وحدها المسؤولية عن ذلك، ولا بدّ من تغيير هذا الشكل والدفع باتجاه آليات عملٍ جديدة.
وجود تنظيمات راديكالية مصنفة إرهابية ضمن المناطق الشمالية يثير مخاوف السوريين، خاصّة أنها تُمنح تسهيلاتٍ لا تمنح لغيرها، وتجعل المنطقة وأهلها عرضة لهجمات قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب، إضافة بالطّبع إلى هجمات قوات النظام وحلفائه الروس التي لا تحتاج إلى مبررات أصلاً.
نؤكد رفضنا الاتفاقيات مع النظام، وأيّة اتفاقيات أخرى، إذا كانت ستكبّل إرادتنا ودولتنا مستقبلاً بغض النظر عن الأطراف المتفقة معه.
قناعاتنا بضرورة التغيير لا تتزحزح، وسنعمل ما في وسعنا لتحقيق ذلك، ونظام الأسد عقبة أمام مستقبلنا ومستقبل شعوب المنطقة كلها.
نحن متمسكون بوحدة سوريا، لكننا نرى في المركزية أداة لتأبيد الاستبداد، لذلك سنحافظ على وحدة بلادنا من خلال نظامٍ لامركزي يمنح الأطراف هامشاً في إدارة شؤونها.
لا بدّ من إعادة بحث مصير سكان مناطق اتفاق سوتشي (ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي وحلب) في ضوء التطورات المتلاحقة، خصوصًا أنّ تركيا شاركت في هذا الاتفاق)).
كذلك بادر المجلس السوري للتغيير بالتشارك مع تكتل السوريين إلى بدء جولات من اللقاءات بين القوى والشخصيات السورية الناشطة بالفضاء العمومي، وكان أوّل لقاء لها قد جمع ممثلين عن ثلاثين كيانًا سياسيًا في 29/1/2023، وسيكون اللقاء الثاني في 5/2/2023، وسيتبعهما كثير من اللقاءات لحين الوصول إلى يوم 18/3/2023 إذ يتم التخطيط للقاء تشاوريّ موسّع في ذكرى الثورة. يأتي هذا كلّه في ظلّ غيابٍ كاملٍ لأيّ حراكٍ ذي أثر تقوم به المؤسسات الرسمية المحسوبة ممثلة للمعارضة السورية، وقد بات مما لا شكّ فيه أنّ الحراك الثوري شمالاً وجنوباً قد أظهر تقدّم الشارع السوري على المعارضة الرسمية بما لا يقارن، وأثبت أن أصحاب القضيّة الحقيقيين هم السوريّون العاديون، وليسوا أولئك المقلوبين بحسب تعبير الصديق مضر الدبس. فهل سيصبح الحراك المدني لأهالي الجنوب في درعا والسويداء بالتزامن مع حراك الشمال الرافض للمصالحة مع المجرم عنوانًا لنهج إعادة تأميم السياسة في سوريا؟ وهل نرى قريباً امتلاك السوريين مجدداً لناصية أمرهم؟ هذا ما نتلمّس آثاره في الهبّة الشعبية التي تجتاح صفوف السوريين، في الشوارع والساحات وفضاءات العمل السياسي، وهذا ما يعمل عليه كل من قال: (سوريا لينا وما هي لبيت الأسد).
المصدر: تلفزيون سوريا